إن ظهور سمو الأمير عبدالله على التلفزة وإعلانه إقامة مركز للحوار الوطني، وأن ذلك المركز سيقام على مقربة من مكتبة عامة، لهو حدث مهم جدا، ويستحق موفور الثناء وجزيل التقدير.
وسبق إعلان سمو الأمير عبدالله (إنشاء مركز الحوار) تنظيم سموه اجتماعات حوارية، تم منها ما لا يقل عن اجتماعين (في الرياض - في مايو/ أيار، ثم في جدة - في يونيو/ حزيران) مع عدد من المفكرين والنخب المذهبية وغيرها.
فبالنسبة إلى مركز الحوار الوطني، أود هنا تدوين الخواطر والطموحات الآتية:
إن ما حدث ويحدث حاليا (بعد انحسار الأعمال المؤلمة الإرهابية بدءا بجرائم انفجارت الرياض في 11 من ربيع الأول 1424هـ/ 12 مايو 2003م) من تفاعلات اجتماعية وتجاوبات رسمية وحوارات نخبوية وغيرها من أعمال مخاضية مثيرة، يبدو أنها ستشكل أفقا يبشر بأعمال صالحة وتطور اجتماعي سياسي فكري وديني ناضج.
إنه لمن جميل الطالع والرصانة أن يقام «مركز الحوار الوطني» بقرب دار للحكمة، مكتبة عامة.
نتوقع أن تشمل اهتمامات المركز كل ما يهم الوطن من موضوعات من قريب أو بعيد، وذلك فيما وراء التفاعل المذهبي ونحوه.
نرجو - بل ونتوقع - أن يأتي المركز مهيئا بقاعات واسعة تضاهي قاعات المؤتمرات الكبرى، وأن تجاور تلك القاعات الكبرى قاعات أصغر، للتدارس في الحلقات النقاشية التدارسية التفصيلية والمحددة.
نرجو - ونتوقع - أن يشمل «الحوار» أسلوب المناظرات، وألا يأخذ في التركيز على أسلوب «إلقاء الكلمات» الأحادية، وألا يقتصر على أسلوب «المحاضرات».
نتوقع أن تصدر نشرة دورية منتظمة تغطي موضوعات الحوار، تحمل نصوص الموضوعات التي يزمع عرضها للنقاش، مع التهيئة والإعداد والدعوات، ثم ينشر في تلك النشرة تلخيص لما نوقش.
يتوقع أن تتم تغطية المداولات الأساسية بمختلف وسائط الإعلام، بما فيها الإنترنت على «موقع» يخصص لمركز الحوار الوطني.
نتوقع أن يشجع الجنسان على المشاركة، تقديما، ومناظرة، ومشاركة وتعليقا.
يرجى - ويتوقع - أن يرأس الجلسات العمومية - وكذلك اللجان - من لهم خبرة معروفة في فن إدارة الحوار بحيادية ونزاهة... فيحسن اختيار مديرين «محكمين» للحوار من ذوي الخبرة، فلا يميل ذلك المدير أو تلك المديرة إلى جانب أو مذهب أو مدرسة فكرية معينة.
يرجى أن تتواتر وتتوالى اجتماعات الحوار أسبوعيا مثلا، وأن تخصص جلسات صباحية وأيضا مسائية (ليتسنى لمن لا يتمكن من الحضور في فترة معينة حضور الأخرى)... مع الإعلام مسبقا وتباعا عن مواعيد وموضوعات الحوار.
ولستتحقق أهداف «الحوار» إذا نحن أتبعنا الأقوال بالأعمال، وواصلنا الحوار وأخذنا به أسلوبا غير مؤقت... بل عملنا على تبطينه ضمن نسيجنا الاجتماعي، وبرنامجنا التعليمي ومواقع اتخاذ القرار... بما يمهد ويؤدي إلى الانتخاب الحر - المباشر للمجالس المحلية ومجلس الشورى، ويأتي متواكبا مع تكوين مؤسسات المجتمع المدني المعتمد على المشاركة الاجتماعية الشاملة حيث الناس سواسية، وحيث النساء شقائق الرجال.
يرجى، ويتوقع، أن يبقى المركز دائما - لا حدثا آنيا - عوضا عن سوق عكاظ في القديم، واتباعا لـمهرجان «الجنادرية» الذي بدأ في أول تخلّقه سباقا موسميا سنويا للخيل والجمال. فنأمل، ونتوقع، أن يأتي المركز المزمع إقامته بمثابة «هايد بارك» مسقف... يرتاده الناس، مرة كل أسبوع، مثلا كل خميس... يتعاكظ فيه الناس في موضوع أو أكثر. ولن تتلاشى الموضوعات.
ومن المعاني التي أرجو أن نلتفت إليها بينما وطننا يعد لإقامة هذا المركز الدائم للحوار الوطني، أن نعد أنفسنا قبل البدء في المداولات والمحاورات والمناظرات والمجادلات. علينا أن نستبين المفاهيم الأساسية وألفبائية المفردات الحوارية المطلوبة. فمثلا:
حينما نفكر في الحوار: أرجو أن نتذكر أن لفظة «المحور» تعني خطا مستقيما لكنه موصل بين «قطبين»؛ فأرجو التركيز على فكرة «التوصيل والتواصل»... لا على الاستقطاب.
ففي كل هذا وذاك جانب من معاني التحاور يمكننا الاستفادة منه، وأرجو أن نستأنس بهذه الجوانب كافة أثناء حواراتنا كلها، سواء أكان ذلك داخل «مركز الحوار» أم خارجه. وعسى أن نوظف الجوانب والمقومات «الحوارية» والتواصلية كافة بما يخدم موضوع الحوار الإيجابي المفضي إلى لمِّ الشمل، وإلى التوفيق بين الآراء، وإلى تحقيق الأهداف المشتركة مع مراعاة المصالح المختلفة... وأن نحرص جميعا بكل طاقاتنا - أثناء الحوار وبعده - على الحفاظ على سياج الوطن... سدوا ولُحمَة.
إبراهيم عباس نتُّو
العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ