قدم منتج الأفلام الرائجة ماثيو برايت فيلما يتحدث عن تيد بندي. وقال إنه استمتع أثناء إنتاجه بتصوير مشاهد الاعدام التي جاءت فيه، تحدثت معه عن هذا الموضوع وعند نقطة ما في حديثنا، وردت عبارات بدا لي كأنها تعرف نظرته المميزة إلى العالم وهي: «التصويت للديمقراطيين، المطالبة بعقوبة الموت، عاطفيا جمهوري، فاشي معادي للرقابة»، عبارات ثقيلة نوعا ما ولكنها تعريف تم التوصل اليه بعد الرجوع إلى المؤرخ العسكري البريطاني فولر الذي يقول عنه برايت (بطلي السياسي - الذي شكلني قبل أن يصبح مجنونا)، وماوتسي تونغ الذي يقول عنه إنه يدعو الناس إلى العشاء ثم يضربهم بسلام المدفعية في طريق عودتهم إلى منازلهم، وبيكاسو الذي يعترض برايت على وضعه في موضع سلطة.
فالفنان يقتل الجميع حين يصل إلى السلطة مثل هتلر الذي كان رساما، كما يكره مراقبي الأفلام ويصفهم بأنهم أغبياء وأوغاد، أما ممثلو العمل الكوميدي الأميركي Diffrent Strokes فهم ليسوا ممثلين مزعجين ولا يملكون أية موهبة ويقدمون أسوأ برنامج تلفزيوني تم عمله على الاطلاق، في حين يصف القاتل تيد بندي بأنه وغد ذكي وبغيض، هذا إلى جانب الكثير من التعليقات التي لا يسع المجال لتعدادها.
وقد كان التعليق الأخير من هذه التعليقات هو السبب التافه للقائنا، إذ إن برايت قام أخيرا بتوجيه بندي (الذي يسمى تيد بندي في الولايات المتحدة)، والذي تسبب ماثيو في شهرته بسبب هذا العمل، ولكن التحدث عن موضوع واحد مع برايت يبدو مغامرة ممتعة وخصوصا بعد افراطه في الشراب.
وهكذا فقد تسلينا بالتجوال ما بين زوايا عمله الغريب الذي قاده من اخراج العمل الذي قامت ببطولته المحبوبة وغير المتزنة ريس ويذرسبون Freeway والعمل الذي جاء كتتمة للعمل الأول Confessions of a Trickbaby، إلى كتابة الدراما التلفزيونية التوثيقية التي تستطلع حياة المصرفيين والتي قدمها بعد عمل Different Strokes: When the Laughter Stopped (وتتحدث عن عملية سطو مسلح يقوم بها مدمن مخدرات، وقاتل، وشخص يعاني من اضطراب في الكلى، وأخيرا قام باخراج قصة حب الأقزام Tiptoes التي يصفها بأنها «رواية حب ورغبة وعمل يأتي في خلفية عملLittle People of America Convention». ومن الواضح أن هناك الكثير من الأمور التي تدور في رأس ماثيو برايت، والتي لا يمكن وصف جميعها بأنها جيدة، ولكن اذا استطعنا التركيز على «بندي»، فان أمرا واحدا فقط يصبح سيئا وهو أن الكاتب والمخرج لهذا العمل مشمئز من مادته.
يقول برايت: اردت أن أقدم فيلم رعب عن شخصية تاريخية، وكان بندي هو القالب الذي يمكن أن يصاغ على أساسه القتلة التسلسليون في وقت لم نكن نعرف فيه الكثير عنهم. كان ذكيا جدا ذا مظهر ساحر، قدم إلى الشرطة الفيدرالية هذه النوعية من الأشخاص وعرفها بهم، إذ كان هناك اعتقاد في السابق بأن هؤلاء الأشخاص مصاصو دماء أو ممسوخين ذئابا. ولكن كتابة النص جعلتني اصبح مريضا جسديا، إذ قرأت قصة هذا الشخص مرات كثيرة، كما تحدثت إلى احد محاميه الذي وصفه بأنه شخص مضطرب عقليا وقادر على فعل اي شيء من دون ان يحصل على أي اثارة، بالنسبة إلي فان هذا الشخص لا يملك روحا أصلا كما أنه ليس بشرا. لقد قتل كل أولئك النساء وكان يتساءل في داخله لماذا يغضب الجميع منه فبالنسبة إليه كان الأمر عاديا وكان يقول «إنها مجرد فتاة، وهناك الكثير من الفتيات».
وعلى عكس شخصية هنري المتبصر القاسي التي قدمها جون ماكنوتون والتي تمثل صورة قاتل تسلسلي في فيلم لم يعجبني كثيرا لأنه يتلاعب بالمشاهد ويتهمه لانبهاره بهذه الجرائم المرعبة، على العكس من ذلك يتحفظ برايت على احتقاره لبندي وأفعاله الشاذة، ويتحدث بصوت خشن مثير للأعصاب قائلا: «لم يعجبني ما جاء في الكتاب الذي كتب عن بندي وخصوصا الابتكار الاعلامي من قبل كتاب الدرجة الثالثة الذين جعلوه يبدو طبيعيا. فبندي كان مختلا عقليا وكان مدمنا على عادة العبث في أنفه، كما انه لم يلتحق بأي عمل أبدا بل كان يحصل على المال من سرقة المحلات ونشل محفظات الناس من جيوبهم والسطو على المنازل، كما كان مدمنا على عادة اختلاس النظر والتحديق في النوافذ في كل ليلة ثم تطور به الأمر لملاحقة النساء وضربهن على رؤوسهن بالعصي.
كذلك لم يحمل برايت تعاطفا كبيرا مع مرافعات الدفاع المتسامحة بشكل معلن التي وردت في فيلم Dead Man Walking، التي تقدم دليلا على الشعور بالذنب.
يعترف برايت قائلا بلا خجل «لقد صورنا هيبة الاعدام ولكن ذلك كان متعة أيضا، هذا فيلم يؤيد عقوبة الموت، أنا لا أحب هؤلاء الأشخاص. أما فيما يتعلق بفيلم Bundy فقد ظل المجرم هاربا طوال الوقت ولم يكن أحد يشعر بالاطمئنان على بناته، وأنا لم أقبل ذلك إذ اني ارفض فكرة انه يكفي ان تكون انسانا لتكون حياتك مقدسة حتى لو ارتكبت مثل تلك الجرائم، كما ارى ان من صالح أسر الضحايا ان يعلموا ان المجتمع يرفضون ما تعرضوا له».
أحد أكثر اللحظات المضحكة بشكل قذر في فيلم برايت المزعج بشكل غريب تأتي عندما يصرح بندي بسخط وهو في أوج غضبه القاتل بأنه جمهوري وكأن تلك اشارة إلى كرم أخلاقه الفطري، وهذا يبرر عروج برايت إلى التأملات المعقدة في الطبيعة والتي تحمل نبرة ولاء سياسية، وهو الأمر الذي يؤكد برايت كونه أمرا عاطفيا أساسا. معظم الناس لا يتوصلون إلى قناعاتهم السياسية بدراسة هذه القضايا بل ان ذلك يتوقف على شخصيتهم، كما ان قضية الانتماء إلى الديمقراطيين والجمهوريين، ليست سوى مسألة كمالية نفسية. فولر كان فاشيا تابعا للخضر، وهذا ما أقوله عن نفسي، في بعض الأحيان، اما عاطفيا فأنا جمهوري، ولكنني لم أصوت أبدا لهم لأنهم دائما يفعلون شيئا ما يجعلني أعتقد أنني اذا صوت لهم فسيخسرون، كأن يقوموا بالتعامل مع الشاذين جنسيا على انهم مواطنو درجة ثالثة.
«ولكن مرة اخرى، الديمقراطيون متساوون ما يعني أن الجميع الذين يرتفعون في الحياة يسقطون مرة أخرى، وهكذا فان الجميع متساوون، لا يمكنك أن تربي الناس ولكن يمكنك أن تسقطهم، وهكذا تحصل على الألفاظ السياسية التي لا تحمل اي هوية والتي تشكل ألفاظا قبيحة. في النهاية أعتقد أن هذا ما يقول عنه نيتشه، ان الحريات الوحيدة التي نملكها تأتي عند ما ينشغل هؤلاء الأشخاص بالصراعات فلا يلاحظون الآخرين، الجمهوريون ايديولوجيون، كما انهم أوغاد وأشبه لي من غيرهم، لكن لا يمكن ربطي ببعض الأشياء الشريرة التي يفعلونها. وهكذا فانني عادة ما أصوت للرئيس الديمقراطي، وارى انه يجب علي فعل ذلك بسبب المحيط الذي أعيش فيه لكنني أحتقر كل شئ آخر يتعلق بهم».
كل هذا يأخذنا بشكل طبيعي إلى فيلم Little People of America Convention، والى خلفية فيلم Tiptoes إذ يتجمع الجمهوريون والديمقراطيون والنساء الفاسقات وجميع أنواع المتدينين، لأنهم يشتركون في أمر واحد. حتى بحسب مقاييس برايت الغريبة، فان ملحمة الشاشة الأخيرة (التي احتوت على طاقم ممثلين من الدرجة الأولى مثل غاري أولدمان، وماثيو ماكونغي، وباتريشيا ارغوييت) تبدو غير معتادة وقد استلهمت من الاهتمام بالقزمية التي تعود إلى الأيام التي كان يعيش برايت في غرفة واحدة مع نجم العمل الذي لم يظهر بعد Fantasy Island هيرف فيليشايز وذلك في بداية السبعينات.
يبدأ الفيلم مثل عمل كوميدي يحوي الكثير من الفكاهة الهزلية الصاخبة ثم يصبح جادا، ويقول برايت يتحدث الفيلم عن ولادة طفل معوق، حيث تصبح كيت بيكينغسايل تصبح حاملا بابن ماثيو ماكونغي، ولا تعرف انه حمل بعض جينات الأقزام، تخبره بأنها حامل فيغضب ثم يقول «حسنا لنحاول ان نجعل الأمور تسير على ما يرام»، ثم يولد الطفل ليتضح انه قزم وانه بحاجة إلى جراحة وكل ما شابه من أمور، وهكذا ينفصلان، ثم يظهر غاري أولدمان الذي يلعب دور أخ ماكونغي القزم ثم يلتقيان ويقعان في الحب لتصبح حاملا مرة أخرى.
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ