بعد أن تمكن لينكس من إثبات نفسه بجدارة في سوق أنظمة التشغيل، وتحوّل إلى بقرة حلوب تدرّ مئات الملايين من الدولارات سنويّا على الشركات التي تدعمه، أصبح الجميع يتنافس في أن يحجز له مقعدا في طائرة لينكس، إلا أن شركة SCO تعتقد أنها تمتلك الطائرة بما فيها، ولهذا فإنها تسعى حاليا للمطالبة بحقها في لينكس، كما أنها تعمل على مقاضاة IBM بسبب المخالفات التي ارتكبتها أثناء تسويقها للينكس، وإذا ما تمكّنت SCO من إثبات ادعاءاتها فإنها ستتحول إلى عملاق جديد في سوق تقنية المعلومات، كما أنها ستمتلك القرار في نظام التشغيل الذي يعتبر المنافس الأول لويندوز الذي يحتكر السوق حاليا.

قبل ثلاث عقود وتحديدا في سنة 1969 قامت كبرى شركات الاتصالات في الولايات المتحدة AT&T بالتعاقد مع عدد من شركات البرمجة الكبرى آنذاك بهدف تصنيع نظام تشغيل خاص بها، وكانت IBM وشركة سن وSCO ومجموعة أخرى من الشركات من ضمن فريق التطوير، ونتيجة تضافر هذه الجهود تم تطوير أفضل أنظمة التشغيل وأكثرها أمنا واعتمادا إلى الآن والذي عرف باسم يونكس، وكانت AT&T تمتلك جميع حقوق النظام وحدها، ومن ثم انتقلت ملكية النظام من شركة إلى أخرى إلى أن استقر لدى شركة SCO التي عملت على تطويره، كما عملت الشركة على إدارة تراخيص النظام، ولا بد للشركات المصنعة ليونكس مثل IBM من أن تأخذ ترخيصا من SCO من أجل أن تباشر توزيع نسخها الخاصة من يونكس.

ومع تغير خريطة سوق تقنية المعلومات، تحوّلت SCO إلى لاعب صغير في ملعب الكبار مثل مايكروسوفت وابل ولينكس لاحقا، ما أدى إلى تحجيم الشركة فاقتصرت أعمالها على ترخيص يونكس وتصنيع نسختها منه، وفي العام 2001 قامت شركة كاليديرا (إحدى الشركات الصغيرة التي تعمل على توزيع لينكس)التي أنشئت سنة 1994 بشراءSCO، ومن ثم قامت بتغيير اسمها من كاليديرا إلى SCO، مفضلة أن تأخذ اسم شركة SCO الصغيرة الحجم على أن تبقى على اسم كاليديرا الأصغر حجما، وفي مطلع العام الجاري قامت الشركة بتأسيس SCO source الذي يتولى تسويق يونكس.

وقامت الشركة الجديدة باستئجار أحد الخبراء المعروفين في مجال التدقيق القانوني للتحقيق في وجود انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية الخاصة بيونكس من قبل أنظمة التشغيل الأخرى مثل ويندوز وماكنتوش ولينكس وبعض نسخ BSD من نظام يونكس، وبعد أن انتهت الشركة من مراجعة الانتهاكات المحتملة لحقوق الملكية الفكرية المتعلقة بيونكس، قامت SCO برفع قضية في محكمة مقاطعة يوتاه الأميركية، تتهم فيها شركة IBM بإساءة استغلال ترخيص يونكس الممنوح لها، وتسريب أجزاء من الشفرة المصدرية الخاصة به إلى مبرمجي المصادر المفتوحة التي استغلوها في بناء قلب نظام لينكس 2,4 و 2,5، وقد أعلنت أن حجم هذه الشفرة يبلغ 148 ملفا أو 168000 سطر من الشفرة، وتقدر الأضرار المالية المترتبة على ذلك ببليون دولار، وبموجب الاتفاق المبرم بين SCO وIBM فإنه في حال انتهاك IBM حقوق الملكية الفكرية ليونكس فبإمكان SCO إنهاء الترخيص الممنوح لشركة IBM خلال 100 يوم من إخطارها كتابيا بالانتهاكات (انتهت المدة في تاريخ 13 يونيو/حزيران من العام الجاري)، ولا يجوز لها أن تواصل بيع أنظمة يونكس بعد هذه الفترة، كما لا بد لها من تدمير جميع نسخ يونكس والمعلومات المتعلقة بالنظام، ولا تنحصر هذه الشروط في IBM بل تمتد للشركات التي قامت بشراء النظام من IBM، وعليه فلا بد لجميع الشركات العاملة بنظام يونكس AIX )نسخة IBM من يونكس) أن تتخلص منه أو أن تتعرض للمساءلة القانونية من قبل. SCO.

كما قامت الشركة لاحقا بالادعاء بأن لينكس يعتبر نسخة غير شرعية من يونكس، وبناء على ذلك قامت بمخاطبة 1500 شركة عبر العالم لإخبارها بأن استخدام لينكس يعتبر مخالفة قانونية، كما قامت الشركة في شهر يوليو/ تموز بإعلان فرض رسوم على مستخدمي لينكس، وقد حددت الشركة الرسوم بمبلغ 1400 دولار للجهاز ذي المعالج الواحد، وبسبب أن ادعاءاتها غير مثبتة قانونيا فالشركة لا تستطيع أن تفرض رسوما، بل إنها تقدم عروضا بالتغاضي عن الانتهاكات الفكرية في الشركات التي تدفع الرسوم في حال ما إذا أثبتت المحكمة ادعاءاتها، وذلك على رغم استمرار SCO في تسويق نسخة كاليديرا من لينكس.

نوفل تدخل الساحة

وقد أثارت ادعاءات SCO حفيظة شركة نوفل (Novell) ما جعل رئيسها التنفيذي يتحدّى SCO علنيا في إثبات المالك الحقيقي ليونكس، فشركة نوفل كانت إحدى الشركات التي امتلكت يونكس، وفي سنة 1996 قامت بتوقيع عقد مع SCO تتمكن الأخيرة بموجبه من استثمار النظام تجاريا على أن تدفع نسبة 95 في المئة من الأرباح إلى نوفل مقابل استغلال يونكس، فيما تحتفظ SCO بنسبة 5 في المئة فقط من الأرباح بوصفها رسوما إدارية، إلا أن العقد لا ينص على امتلاك SCO لينكس، وبحسب نوفل فان موازنة SCO المقدمة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري تبين دفع 3,3 ملايين دولار إلى نوفل جزءا من الاتفاق، وأشارت إلى أن SCO قامت بمخاطبتها مرارا خلال العام الجاري بشأن شراء حقوق يونكس كاملة، ما يدل على اعتراف SCO بملكية نوفل لنظام يونكس، فيما نفت SCO أن تكون هذه الادعاءات صحيحة، وتعتبر ملكية SCO ليونكس حجر الأساس في قضيتها المرفوعة ضد IBM ولينكس، وفي حال ما إذاتمكنت نوفل من إثبات ادعاءاتها فان القضية برمتها ستتعرض للانهيار، يذكر أن نوفل قررت حديثا الدخول في سوق لينكس عبر تطوير نظام نيتوير المبرمج للعمل في بيئة لينكس.

أما مؤسس لينكس لينوس ترافلادس فقد استغرب من أفعال SCO واعتبر أنها تلتف على الحقائق، كما صرح بأن أسطر الشفرة المختلف عليها تتعلق بأسلوب إدارة الذاكرة وأن هذه الأسطر ملك لشركة IBM، كما أنه تم نشرها عدة مرات، وبالتالي فان ادعاءات SCO غير مبنية على أسس سليمة، بالإضافة إلى أن هذه الأسطر كانت محذوفة من النسخة 2,6 من لينكس (قيد التطوير حاليا)، وأن سبب الحذف لا يعود إلى مسألة حقوق الطبع بل بسبب أن «البرمجة كانت قبيحة» على حد تعبيره، وفي الوقت نفسه وجه إليها الاتهام باستغلال 800000 سطر من برامج الشفرة المصدرية المفتوحة من دون نشر هذه الأسطر وفق معايير البرامج المفتوحة.

ومن جهة أخرى قامت شركة سوسي التي تسيطر على سوق لينكس في أوروبا باستصدار أمر قضائي في ألمانيا، يقضي بتوقف SCO عن ادعاء أن لينكس هو نسخة غير شرعية من يونكس، وفي حال عدم توقف هذه الادعاءات فان SCO تكون ملزمة بدفع غرامة قد تصل إلى ربع مليون يورو، وقد ربطتSCO القرار بموضوع مخاطبة الشركات التي تستخدم لينكس في ألمانيا، كما اعتبرت القرار مستعجلا، وأنه ينطبق على فرع الشركة الألماني فقط، مؤكدة أنها صاحبة الحق الوحيد في نظام يونكس ولينكس، وذلك على كل الإصدارات و النسخ كافة.

كما قامت بعض المجموعات التي تعمل على تطوير لينكس بتوجيه الاتهامات إلى SCO باختراق اتفاقات الملكية الفكرية المتعلقة بلينكس، وبحسب ادعاءاتهم فان SCO قامت باستخدام الشفرة المصدرية للينكس في نظام يونكس لتمكينه من تشغيل برامج لينكس، وبحسب اتفاقات لينكس فانه لا بد أن تقوم الشركة بإعادة نشر الشفرة المصدرية في حال تعديلاها، وهو ما لم تقم به SCO، كما جاء في ادعائهم أن عددا كبيرا من السطور تم نسخه من لينكس من دون إجراء أي تغيير يذكر.

أما شركة سن فقد استغلت فرصة وجود تهديد لزبائن IBM فأعلنت برنامجا لتحويل الأجهزة العاملة بنظام يونكس AIX الخاص بشركة IBM إلى سولاريس الخاص بسن، ومن الطبيعي أن يسيل لعاب سن بسبب حصة IBM من سوق يونكس إذ تتراوح عائدات الأخيرة من عمليات يونكس من 30 إلى 50 بليون دولار سنويا.

المحكمة سنة 2005

ومن الواضح جدا أن هدف SCO هو تحقيق أكبر قدر من الربح من وراء هذه القضية، فالشركة تتوقع أن تبلغ الأرباح مئات الملايين من الدولارات إن لم تكن بلايين الدولارات سنويا، وذلك بسبب الحجم الكبير لسوق لينكس، كما أن البعض يعتقد بوقوف مايكروسوفت خلف الستار، فقد قامت مايكروسوفت بعقد صفقة مع SCO للحصول على نسخة من يونكس في مقابل أكثر من 4 ملايين دولار، ولا يخفى على أحد أن مايكروسوفت تعتبر أكبر المتضررين من لينكس، وإذا ما نجحت SCO في الاستحواذ على حقوق نشر لينكس، فان ذلك سيكون أكبر هدية تتمناها مايكروسوفت، وتبدو آثار ذلك واضحة في تردد بعض الشركات في تبني لينكس حتى انتهاء القضية.

ومن المحتمل أن تكون SCO أكبر المتضررين في القضية التي رفعتها ضد IBM ولينكس، فمستخدمو نسخة كاليديرا من لينكس هم أكثر الشركات قلقا على مستقبل النظام، وغالبيتهم يفكرون في الانتقال إلى نسخة أخرى من لينكس في ظل عدم وضوح استراتيجية SCO في التعامل مع نسختها من لينكس، كما أن عددا من الشركات الكبرى اتخذ مواقف سلبية من SCO، فقد قام كل من انتل وHP بمقاطعة منتدى SCO السنوي، بالإضافة إلى أن عدد أنصار لينكس يعد بالملايين، وكلهم يوجهون أنظارهم الغاضبة إلى الشركة التي تهدد نظامهم المدلل.

وبحسب SCO فان المحكمة لن تنظر في القضية إلا في العام 2005 ما يعني أنها لن تستطيع منع انتشار لينكس أو تعطيل برامج IBM حتى 2006 أو 2007 أي عند انتهاء المحاكمة، وقد يضر هذا بسوق كلٍّ من لينكس و IBM على حد سواء، وIBM هي إحدى الشركات ذات الباع الطويل في المحاكم، كما أنها تمتلك رصيدا ماليا اكبر من مايكروسوفت ما يعطيها نفسا أطول في المحاكم، وخلافا لمايكروسوفت فان IBM لا تحب التسويات خارج المحكمة، إلا أن من المحتمل أن تقوم بحل النزاع عن طريق شراء SCO، إلا أن مايكروسوفت تعتبر منافسا قويا في عملية الشراء وذلك للمنافع المترتبة على وجود مثل هذه القضية التي تهدد أهم عدوّين لديها، والأمر الوحيد الذي سيمنع مايكروسوفت من شراء SCO هو موجات الكراهية الشديدة التي تتعرض لها، والتي باتت تتحول إلى هجمات منظمة على غرار الفيروس بلاستر ومن الطبيعي أن تشتد هذه الحملة في حال ما إذا دخلت طرفا رئيسيا في النزاع