العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ

مناهضة التمييز تتطلب ثقافة مدعومة بالقانون

المنتدون في ندوة «مركز البحرين لحقوق الإنسان» عن التمييز والامتيازات:

«التمييز والامتيازات في البحرين ... القانون غير المكتوب» كان عنوان الندوة الجماهيرية التي نظمها مساء امس مركز البحرين لحقوق الانسان في نادي العروبة وادارها عزيز أبل بمشاركة عدد من المتحدثين.

طالب المنتدون بـ «الشفافية الكاملة في التوظيف واستملاك الاراضي والمناقصات والبعثات الدراسية والخدمات ومنح الجنسية وعموم سياسات المؤسسات الحكومية، لضمان كشف ممارسات التمييز والفساد المالي والاداري، واعادة بناء الثقة بين مؤسسات الحكم والمواطنين».

المتحدثون طالبوا ايضا بـ «اعادة توزيع الثروات والأراضي العامة بما يحقق العدل والرفاهية الاجتماعية، ويسهل توفير المسكن، ويحد من الفقر والبطالة ويزيد من فرص التنمية والتعليم لجميع المواطنين، واعادة تنظيم الهيكل القضائي بحيث يحقق الاستقلالية ويضمن حاكمية القانون على جميع الافراد من دون استثناء».

كما طالبوا بـ «ايجاد تشريعات فاعلة تستأصل الامتيازات، وتعاقب على ممارسات التمييز، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة التمييز وذلك بأن يدخل ذلك هدفا ضمن برامج المؤسسات والجمعيات بمختلف أنواعها، مع تشكيل أطر ومنظمات غير حكومية تعمل في ذلك الاتجاه بشكل حثيث، أو العمل على تطبيق وتفعيل الاتفاق الدولي لمناهضة التمييز العنصري سواء من قبل السلطات الثلاث أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني، وبتشكيل هيئة وطنية مختصة بذلك، وكذلك انشاء هيئة وطنية مستقلة تعمل على مراقبة المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، لضمان عدم ممارسة التمييز في التوظيف او في السياسات والخدمات».

عضو جمعية العمل الوطني الديمقراطي علي ربيعة قال في مداخلته «طالما لا ينص الدستور على تحرير الدولة من سيطرة اصحاب الامتيازات فإن هيمنة الدولة على المجتمع ستستمر الامر الذي يترتب عليه استمرار التمييز بجميع اشكاله وألوانه» مشيرا الى «ان قضية التمييز لا يمكن معالجتها الا عن طريق الملكية الدستورية... التي تفصل بين الدولة والمجتمع، وهذا يقود الى الغاء الامتيازات، ويصبح بالامكان تقلد الوظائف العامة بغض النظر عن الجنس او الاصل او المذهب او العنصر».

المحامية جليلة السيد ذكرت ان الدستور البحريني تضمن «المساواة بين المواطنين حين ذكر ان العدل اساس الحكم وان المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة، وان الناس سواسية في الكرامة الانسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة». الا انها اشارت الى انه وعلى رغم ذلك «فان التشريع البحريني لايزال يحتوي على امثلة عديدة صارخة على التمييز ضد المرأة يأتي على رأسها قانون الجنسية للعام 1963 الذي يعترف لابناء المواطن البحريني بحق اكتساب جنسية والدهم ولا يعترف بذلك الحق لابناء المواطنة البحرينية». كما اشارت الى ان المرأة لم تصل الى مستوى تولي القضاء بسبب الواقع المضاد للمرأة، بالاضافة للتمييز ضدها في المحاكم الشرعية. وتحدثت السيد عن التمييز بين المواطنين على اساس مذهبي ايضا مشيرة الى المفارقات في الارقام والاحصاءات والمناصب .

وطالبت السيد بضرورة اعتماد مبدأ «الكوتا» للنساء لممارسة التمييز الايجابي وتعويضهن عن حرمانهن في شتى مجالات الحياة العامة. واشارت الى ان التبريرات التي يطرحها البعض ضد اعتماد مبدأ «الكوتا» تبدو في ظاهرها وجيهة و«لكنها تسقط من حساباتها الواقع العملي».

الناشط حسين الحداد استعرض التمييز فيما يتعلق بمنع بناء مساجد لمذهب معين في مناطق معينة في البلاد ومناطق لا يسمح فيها الا بالترميم، مشيرا الى ان المدن والاحياء الجديدة شهدت تناقضات من هذا النوع.

المدير التنفيذي لمركز البحرين لحقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة تطرق في ورقته إلى الخلفيات التاريخية لملفات الامتيازات والتمييز بدءا من «التمييز في التوظيف والاستحواذ على الأراضي والمخصصات المالية»، مرورا بالتمييز في أجهزة الدولة، وايضا سياسة التمييز في منح الجنسية.

وتطرق الى الفساد المالي والإداري والجمع بين المنصب الحكومي والنشاط التجاري وسوء استخدام السلطة، ما ادى الى «استفحال أزمة التمييز وسبب ديمومة الاضطراب الاجتماعي والأمني». وخلص الخواجة إلى عدة توصيات لحل مسألة الامتيازات والتمييز وهي: «اعطاء المجلس الوطني سلطات حقيقية في التشريع والرقابة ليقوم بدور حقيقي في تحقيق المشاركة السياسية للشعب، وليحقق التوازن مع السلطة التنفيذية، والسماح بتشكيل أحزاب سياسية تمثل قوى المجتمع وتفعيل العملية الديمقراطية بشكل حقيقي، ما ينجح دور البرلمان، ويمنع تحول الاحتقان الاجتماعي والسياسي الى اعمال اضطراب وعنف خارج التنظيم والسيطرة».

الصحافي غسان الشهابي قال في مداخلته «يظل موضوع التمييز ومناهضته من الموضوعات الجادة التي تؤشر على مدى ما يتوافر للمجتمع من وعي بحقوقه وكيفية المطالبة بهذه الحقوق. ودعم كل التوجهات التي تنحو إلى محاربة التمييز بكل أشكاله الواضحة والخفية هو أمر واجب، وكعادتنا دائما، نتكلم كثيرا عن المطالبة بالحقوق».

واضاف «ليس هناك من يسأل الناس عن واجباتهم هل أدوها أولا أم لا؟»، مشيرا الى انه من الناحية التاريخية فان «أشكال التمييز تتخذ لبوسا دينيا، حتى يمكن تسويغها وتمريرها على الجماهير وهي راضية، أو على الأقل مترددة في مناقشته خوف النار، وطلبا لرضى الخالق، وليس التاريخ الإسلامي عن هذا ببعيد، وفي الحقيقة ان المستفيدين من هذا التمييز ـ الذي يجعلهم أشباه آلهة ـ هم من طرّزوا هذه الأساطير ونسجوها، لا التعاليم الدينية الصافية».

وتابع «وكأنه قدر أيضا ألا ينفك التمييز متبادلا بين الناس، فإن لم يكن لسبب فإنه سيكون لسبب آخر، فالفقير يمارس التمييز ضد الغني، بشكل عكسي، والمرأة تمارس التمييز ضد الرجل بالوحشية ذاتها التي يمارس بها الرجل التمييز ضدها». وقال «ولذا لنسأل أنفسنا، كمؤسسات وأفراد عما بذلناه من جهد في ترسيخ مبادئ مناهضة التمييز، بدءا من السخريات اللاذعة بالأصول واللكنات واللهجات والمناطق والألوان والأجناس والجنسيات، وخصوصا الجنسيات الآسيوية، وكم عملنا على إزالة الثنائيات التمييزية من حياتنا وشددنا على بعضنا البعض لعدم استخدامها، وأخرسنا ألسنا طالما استخدمتها من أجل نفي الآخر وإقصائه... وأعود هنا للتذكير بأن الأمر لا يقتصر على فئة دون فئة، فالكل يمارس التمييز ضد الكل، من منطلقات شتى، ولا يظنن أحد أنه بريء من هذه التهمة، ولنا أن نراجع ما نقوله ونفعله يوميا لنرى كم من المصطلحات والعبارات التي نستخدمها تجاه الآخرين تعبر عن ممارسة أنواع متباينة من التمييز، ولكننا لا نشعر بوخزها إلا إن كنا نحن ضحاياها».

المعارض السياسي المقيم في السويد عبد الهادي خلف أشار في كلمته الى تاريخ البحرين منذ ان ضربت هيئة الاتحاد الوطني العام 1956 لم تفرق السجون بين شيعي وسني او بين قروي ومنامي ومحرقي ولا هولي ولا عربي. وتطرق الى ان الحركة الوطنية تواجه عائقين اولهما حاجز الخوف الذي كمّم الافواه والثاني هو الطمع الذي سقط فيه كثيرون.

المعارض السياسي المقيم في لندن سعيد الشهابي اشار في مداخلته الى السنوات التي سبقت العام 1923 عندما كان هناك نظام تمييز يستخدم السخرة والرقابية وضريبة النخيل، معتبرا ذلك التأريخ الثقيل سببا لتكريس سياسات التمييز. وتحدث عن دور اللجنة المعنية بمكافحة التمييز العنصري التابعة للامم المتحدة والتي تجتمع سنويا في جنيف، والبحرين واحدة من الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز، ما يعني ان اللجنة يمكنها استطلاع الامر.

التمييز... البوح الصعب

الوسط - سلمان عبدالحسين

«التمييز» من أصعب المعادلات السياسية التي لا يستطيع المتضرر منها البوح بها في الواقع الخارجي، نظرا لإضرارها بأنظمة مصالح مجموعات كبيرة، في قبال تضرر مجموعات كبيرة أخرى منها. وتتعمق صعوبة البوح بخطأ هذه السياسة كلما رسخ هذا المفهوم كواقع ميداني تبتني عليه مجموعة من المقتضيات الاجتماعية والسياسية، لتتحول إلى عرف أو قانون اجتماعي أشبه بالمحاصصة السياسية غير المكتوبة ولا المعلنة، ما يجعل مهاجمتها أمرا مثقلا بتبعات، قد تثوِّر مجموعة من القطاعات المتضررة من إلغاء هذه السياسة.

نقطة أخرى يمكن إثارتها، تتعلق بالمجتمعات الإثنية والتعددية، في إطارها المركب أو في إطارها البسيط المنسرح إلى فئات ومجموعات وتشكيلات سياسية. ففي الأولى يصبح البوح بالتمييز في ظل ترسخه كواقع ميداني وعرف اجتماعي أمرا في غاية الصعوبة، لأنه سيضر بأنظمة مصالح تشكلت منذ زمن بعيد على طريقة محاصصة سياسية كما هو موجود في لبنان منذ العام 1920. أما في الثانية، فإن الحديث عن التمييز قد يكون ممكنا ما لم تتشكل بؤر قيادية مغلقة تجر هذه الحال إلى الحال الأولى.

إلا أن الإشكالية الأعمق من كل ما ذكر، هو عدم وجود تفهُّم قيمي على مستوى النخب السياسية، وقيادات المواقع الاجتماعية والدينية لهذه السياسة «المحرقة»، ما يجعل الاختراق للوجدان الشعبي بمفهوم مغاير لأعراف التمييز غير المكتوبة، وتحذيره من خطورة هذه السياسة، يساعد على إيجاد خلل قيمي أوسع على مستوى القواعد التي تتلقى مثل هذا الكلام، في قبال مقولات أخرى تتلقنها، تختلف في نسيجها وهلاميتها عن الكلام الأول، خصوصا إذا ما أصرت النخب السياسية والمواقع القيادية، على التمسك به كجزء من المضاربة السياسية لكل الواقع السياسي عند أي تقدم يحصل على مستوى إلغاء التمييز أو تعريته وكشفه.

وفي الواقع البحريني، يتداول الناس هنا ملف التمييز بصفته واحدا من الملفات الشائكة جدا، والذي تتضافر فيه جملة من المفردات الحقوقية والسياسية، إلا أن البعد الحقوقي لا يمكن استدعاؤه بشكل كبير لغلبة الصيغ السياسية القائمة في تحريك هذه الملفات، وبالتالي فإن المخرج الوحيد الذي يحفظ حقوق الإنسان في البحرين، هو استدعاء المفهوم القيمي والحقوقي عند النخب السياسية والمواقع القيادية تحديدا، وخصوصا وأن تصنيف المجتمع البحريني يندرج ضمن الاثنيات البسيطة المتعايشة والمترابطة، التي لا يمكن أن تنغلق على أي واقع حزبي يضر بنسيجها العام، وبالتالي فإن أي قصور في هذا الملف لا يتحمله الجمهور، وإنما تتحمله القيادات والمواقع الرمزية

العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً