العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ

آرنولد: منشطات سياسية وانتصارات ساحقة

حمل آرنولد شوارزينغر، بطل كمال الأجسام، طموحات كبيرة في أن يصبح حاكم كاليفورنيا، واستطاع ان يحققها أخيرا، وهذه ليست المرة الأولى التي يتولى فيها أحد نجوم هوليوود منصب سياسي، ولكن كم سيكون الوضع مخيفا حين يقوم نجم Terminator بوضع القوانين.

عندما قرر رونالد ريغان خوض انتخابات ولاية كاليفورنيا، سخر منه المراقبون السياسيون في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأطلقوا حوله النكات ونعتوه بالمعتوه والغبي الذي ينتمي إلى جناح اليمين المتطرف، وبالأحمق الذي ظهر في سلسلة من أفلام الحركة والأفلام الكوميدية الضعيفة، لكن نعرف جميعا ما حدث بعدها، والآن قام آرنولد شوارزينغر بترشيح نفسه لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا وفاز بالمنصب، والأمر ليس مضحكا هذه المرة.

في بدايات العام الجاري، قام آرني بعمل مكالمة هاتفية لكاتب العمود في صحيفة «لوس انجليس تايمز» جورج سكيلتون وقال «وجدت في العشر سنوات الماضية أنني اشعر بسعادة كبيرة حين أساعد الناس أكثر من تلك التي أشعرها بعد حصولي على اجري من أي فيلم، وهو الأمر الذي يمكن أن يقودني واعتقد انه سيقودني للحصول على منصب سياسي ما. لا استطيع أن أقول ان هذا هو الوقت المناسب، ولكن النقطة الأساسية هنا هو أنه إذا كان غاري ديفيس سيرشح نفسه فأعتقد أن منصب حاكم الولاية سيكون شاغرا بعد عام واحد»، وتمادى آرنولد في إحدى المقابلات التي أجرتها معه صحيفة نمسوية عندما قال «لقد أصبح مؤكدا لي الآن إنني سأدخل عالم السياسة»، لكن الكثير من الناس في كاليفورنيا كانوا مرتعبين من احتمال أن يصبح شوارزينغر حاكما، وقد كتب أحد كتاب الأعمدة «الناس معذورون مع وجود كل الأمور التي مروا بها أخيرا، مثل انقطاع التيار الكهربائي وأزمة سندات كاليفورنيا».

لمعرفة جذور آرني السياسية يجب أن نعود أكثر من خمسين عاما إلى الوراء، إلى قرية «ثال» النمسوية النائية، والى ناز مستبد ومنتهك للقوانين يدعى غوستاف شوارزينغر، الذي كان مجرد ضابط شرطة يملك سلطة كسلطة الشريف في الأفلام القديمة. كان هو مصدر السلطة الوحيد في منطقته وكان ينفذ القانون بطريقة شاذة، أما حين يتعلق الأمر بولديه مينهارت وآرنولد الصغير، فلم يكن ينفذ أي قانون عليهم، ولا يعني ذلك انه كان أبا حنونا، بل كان أبعد ما يمكن عن ذلك فلقد كان يرعب ولديه بجعلهما يدخلان في منافسات عنيفة ضد بعضهما الآخر، وقد كان يسخر من الخاسر منهما ويستخف به، وغالبا كان مينهارت ذو الوجه الآري هو الفائز، أما آرنولد الأحمق فقد كان مصدر الخزي للعائلة. كان لآرنولد أذنان بارزتان ونظارات سميكة مضحكة حتى في النمسا وحتى في ذلك الوقت، وكان غوستاف يصاب في بعض الأحيان بنوبات عنف ويتهم زوجته بالخيانة، لأنه يعتقد أن آرنولد الغريب لا يمكن أن يكون ابنه.

كان حب السلطة مستحوذا على غوستاف، وعندما كان طفلا، اختاره الامبراطور فرانز جوزيف من بين الحشود ليصاحبه في العربة الملكية، وهو الأمر الذي لم ينسه غوستاف الذي نقل ولعه بالسلطة لابنه الأصغر. في العام 1938، التحق غوستاف بالحزب النازي، ولم يكن الجميع في النمسا يفعلون ذلك بل انه كان من بين الـ 11 في المئة من النمسويين الذين التحقوا بهذا الحزب في تلك الفترة.

وهكذا فقد كان العالم الذي نشأ فيه آرنولد يمينيا متطرفا يمتلئ عنصرية، كذلك فان ستيريا وهو الإقليم الذي توجد فيه قرية ثال، استقبلت هتلر بذراعين مفتوحتين، وقد ابتهج الدكتاتور بهذا الاستقبال لدرجة انه أعطى لعاصمة الإقليم «غراز»، لقبا خاصا.

قرر الطفل الصغير الهزيل أن يترك مدينته البائسة وان يجعل نفسه نجما بأية طريقة ممكنة، وقد ركّز طموحه العنيف في جسده بعمل التمارين الرياضية على الدوام، وعندما أصبح في سن الخامسة عشر، تخلص من النظارة وكان على وشك أن يصبح بطل العالم في كمال الأجسام. أصبح آرنولد مولعا بكسر حاجز الألم وكان مدربه كيرت مانويل يكرر عليه القول دائما «استمر في التدريب حتى تصرخ ألما، استمر حتى تصل إلى مرحلة لا يمكنك فيها تحمل الألم».

الحقيقة المهمة عن حاكم ولاية كاليفورنيا هي أن آرني مستعد دائما للقيام بأي شيء ليحقق أهدافه، ففي بدايات عمله كان يستخدم المنشطات، كما اعترف بذلك لاحقا، وقد تساءلت مجلة «PREMIER» الأميركية في ما إذا كانت حالة قلبه التي تطلبت إجراء علمية جراحية أخيرا سببها المنشطات التي تعاطاها. كانت دوافع آرني لبناء جسمه وعضلاته غريبة دائما، فعلى سبيل المثال حين سئل في بداية الثمانينات عن سبب دخوله المنافسة قال إن هدفه إدهاش خصومه وإرعابهم، وتحييرهم ومضايقتهم، وإحباطهم. ويعلق بعض أصدقاء آرني على حس الفكاهة الصاخبة لديه، إذ تذكر إحدى القصص غير المؤكدة أن آرنولد اخبر نادلة في أحد المطاعم أن الكريمة التي تغطي طبقة الحلويات التي طلبها فاسدة، وطلب منها أن تشم الطبق، وعندما حاولت فعل ذلك، دفع رأسها إلى داخل الطبق.

أما أسلوب آرنولد مع النساء فهو غريب في بعض الأحيان، تقول آنا ريتشاردسون التي أجرت معه لقاء لمجلة « Premiere »في مقالة كتبتها للمجلة نفسها «في اللحظة التي دخلت فيها الغرفة، كان ككلب ثائر»، كما تسرد قصة على لسان أحد المنتجين الذين تعاملوا معه تدور بشأن إساءة آرنولد لامرأة كانت في وسط الحشود التي تحييه، يقول أحد الحاضرين «لم أصدق ما رأيته، فقد كشف ارنولد جسد المرأة وكان هو وبعض أمثاله يضحكون». لكن زملاء آرنولد السابقين اعترضوا على هذه الأقوال، إذ تقول راي سانشيني، مديرة شركة المخرج جيمس كاميرون وزميلة شوارزينغر المعتادة «لم أشاهد أيا من الأمور التي وردت في مقالتكم، أو أي تصرف يتناسب مع الصورة المنحدرة التي رسمتموها لشوارزينغر، على العكس تماما فقد كان يعاملني أنا والمنتجات والتنفيذيات الأخريات العاملات في هذه المشروعات باحترام وأدب شديدين». أما الممثلة التي شاركته فيلم «True Lies» جيمي لي كرتيس فتقول «أبدا، لم يصدر عنه أي سلوك شبيه بما ورد في مقالكم الذي أرى له دوافع سياسية، يجب أن تخجلوا من أنفسكم لقد أعجبت به كرجل وكزوج وأب وصديق ورمز للقوة التي تمثل الحلم الأميركي». أما زوجة آرنولد، ماريا شريفر فتعمل كمذيعة تلفزيونية، وهي عضو من عائلة كينيدي، التي تمثل جزءا من النخبة الليبرالية في أميركا، وهي تقول إنها انجذبت إلى آرنولد لأنه كان مختلفا ومميزا، وتضيف أن الكثير من الأشخاص كانوا مندهشين عندما اختارته زوجا فهو جمهوري ينتمي إلى حزب اليمين المتطرف ولكن ربما يعود جزء من السبب إلى أن ماريا تحمل طموحات آرنولد الكبيرة نفسها.

إن الزواج من أحد أفراد عائلة كينيدي أعطى شوارزينغر احتراما اجتماعيا وجاذبية حزبية أكبر، وعلى رغم تداول بعض الإشاعات الحاقدة من حين لآخر، للترويج لبعض الأمور عن آرنولد ككونه معجبا بهتلر، وانه يحتقر السود، فإنه كان ينجح دائما في الحصول على تعويضات ضخمة عن التشهير به كما حدث في المملكة المتحدة في العام 1993 بعد أن قامت إحدى المجلات باتهامه بالعنصرية.

وتتركز فلسفته السياسية على نظرته النخبوية للعالم، أما فلسفته الأولى، وطبقا لكتاب ويندي لي «Arnold: the unauthorized biography آرنولد السيرة الذاتية المرفوضة» فقد كانت تتركز على نظرته لنفسه على انه إنسان ذو إنجازات كبيرة يستخف بغباء الغالبية من الناس، وينقل عنه «لي» قوله «أنا انظر إلى الناس الضعفاء نظرة دونية، أحب الأشخاص الذين يحملون أهدافا كبيرة لحياتهم»، كما يذكر عنه قوله «أريد أن أصبح جزءا من النسبة الصغيرة من الناس الذين يعتبرون قادة، وليس الغالبية الساحقة من التابعين»، وقوله «يدهشني الناس الذين يتحكمون في الآخرين». وبشكل مشابه تبدو الأفلام التي ظهر فيها آرني كبطل، مشابهة إلى حد كبير للأساطير الفاشية التي تدور حول الأبطال النورديين الذين عاشوا في فترة ما قبل الحضارة، والذين يهزمون الآريين ويحاربون الأشخاص البدائيين الأشرار.

في الثمانينات قام آرني علنا بدعم أحد النازيين السابقين الذين يدور حولهم جدل كبير، وهو كيرت ولديم الذي كان رئيسا نمسويا اكتشف بأنه عضو مخابرات سابق، ولم يدعمه آرني علنا فحسب بل انه قال في الخطبة التي ألقاها في زواجه (مباشرة بعد كشف ماضي ولديم للعلن) «أصدقائي لا يريدون أن أذكر اسم كيرت بسبب موضوع النازية الأخير، لكنني أحبه». كما أخبر مجلة «Playboy» في العام 1989 «أنا ضد النازية، وأكرهها»، لكنه هاجم يورغ هايدر السياسي النمسوي الذي ينتمي إلى حزب اليسار المتطرف والذي التحق بالتحالف الحكومي هناك في العام 1999 على رغم صيحات الشجب والاستنكار العالميتين، وهو الذي فعل الكثير لمقاومة معاداة السامية ولتعزيز ذكريات الهولوكوست حتى تم تكريمه بجائزة القائد الوطني من قبل مركز سيمون ويزنثال.

من الواضح أن هذه الإنجازات جاءت من قناعات حقيقية، ولكن إلى جانب هذا، فان تعطش شوارزينغر الشديد للسلطة تم توثيقه أيضا بشكل جيد، فعندما سئل عن سبب إعجابه برونالد ريغان، قال آرني «لقد حقق المستحيل، فهو لم يخسر في أية معركة انتخابية». ويعتبر آرني آخر ثلاثي نجوم أفلام الحركة في فترة الثمانينات والاثنان الآخران هما بروس ويليس وسيلفيستر ستالون، لكن آرني هو الأخير الذي لايزال يتبع أساليبه القديمة نفسها. إلى متى سيظل الناس مقبلين على أفلام رجل أجرى للتو عملية في قلبه وتخطى سن معاشه بعقد كامل؟ ولكن عند ما يعلق آرني على القضايا السياسية، يبدو تأثير كلامه سيرياليا، فلقد علق أخيرا على الحرب على الإرهاب قائلا «الملا عمر وبن لادن موجودان في مكان ما، من الواضح أنهما مختبئان، وأنا أعتقد بشكل كبير أنهما في باكستان»، وهكذا يمكننا تخيل آرنولد حاملا عتاده ومسدسه الآلي متجها إلى الكهوف الباكستانية ليطارد الاثنين بنفسه.

لقد استلهم ريغان الكثير من سياساته الإدارية من الأفلام التي قدمها، فقد كان هناك تفكير شائع من أن ريغان العجوز اخذ فكرة درع القذائف النووية الدفاعي من أحد أفلام الخمسينات التي مثلها. فما الذي سيفعله الرئيس شوارزينغر، هل سيرسل رجالا آليين إلى أفغانستان ليحافظ على الأمن والنظام في لوس أنجليس؟ وهل ستجهز رياض الأطفال في كاليفورنيا برجال شرطة متخفين يصل طولهم إلى ستة أقدام، لكنهم مع ذلك يكسبون ود الأطفال الصغار؟ ويبدو الطريق بعدها من منزل حاكم ولاية كاليفورنيا، إلى البيت الأبيض قريبا جدا استطاع ريغان تخطيه بسهولة، فهل سيحدث تعديل دستوري صغير يسمح للمهاجرين بالوصول إلى منصب رئيس الولايات المتحدة، وهو التعديل الذي تم التفكير فيه مسبقا وبشكل كبير؟

ما هو أسوأ سيناريو موجود؟ في فيلم «The Running Man» يظهر آرنولد وكأنه يعيش تحت جناح أول حكومة أميركية يمينية متطرفة، وهو الأمر الذي لا استطيع تصوره خارج الشاشة الفضية.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»

العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً