تجاذب الحضور في ندوة جمعية العمل الديمقراطي مساء أمس الأول الحديث عن ندوة التمييز الأخيرة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على الأسلوب الذي أديرت به الندوة، إلا أن الجميع أجمع على أن الصحافة تناولت الموضوع بأسلوب تجاهل حدث الندوة نفسها، وما دار فيها من حقائق وأرقام، وما قدمت فيها من أوراق، وركزت الصحافة تحديدا على الإدانات.
من جهته، انتقد عضو جمعية حقوق الإنسان عبدالنبي العكري، وهي جهة منافسة للمركز، أساس الندوة التي قام بها المركز، معتبرا أنها ندوة خاطئة، باعتبار أن تقرير التمييز الذي أعدته الندوة سيقدم إلى الأمم المتحدة، في حين أن الأمم المتحدة لم تطالب الحكومة بتقرير عن التمييز لهذا العام.
وحمل العكري على طريقة إقامة الندوة قائلا: لم أسمع في حياتي أن تقريرا لحقوق الإنسان، يشارك في إمضائه 1500 إنسان، مشيرا إلى أن الانطباع الذي تَكَوَّنَ عن الندوة لدى الطائفة السنية بأن التمييز حاصل للشيعة في قبال السنة، وهو أمر خاطئ ورسالة خاطئة، إذ من المفترض - كما قال - أن يتم تناول جميع أنواع التمييز، إذ اعتبر أن الندوة فيما أوصلته من رسالة غير موفقة، «وكان المفترض أن تأتي بكل الأطياف السياسية لتداول هذا الموضوع، بعيدا عن تحشيد الجمهور».
ودعا نائب رئيس جمعية العمل الديمقراطي إبراهيم شريف إلى عدم القلق من انفلات الجمهور سواء على مستوى المعارضة أو الحكومة، مشيرا إلى أن الصحافة قد تلجأ إلى إبراز بعض الجزئيات لتنفخ فيها وتصورها بأنها شيء كبير.
وأشار شريف إلى أن التمييز في البحرين لا يطول الشيعة فقط، فهناك تمييز ضد المرأة كما قال، وتمييز ضد الفقراء عموما، في حين أن الوساطة تخدم الطبقات العليا من الطائفتين.
ولفت شريف إلى أن من يتصدى لهمِّ التمييز يحمل همَّ الطائفة ولا يحمل همَّ الوطن، إذ دعا في هذا المجال إلى أن يكون المتصدي وطنيا ولا يحمل أجندة طائفية، وأن يكون نموذجا في علاقته من الآخرين، مشيرا إلى وجود تمييز اجتماعي نمارسه ضد بعضنا وهو الأصعب.
ونبه شريف الى حساسية وخطورة موضوع التمييز وتداوله في الدائرة العامة بطريقة غير دقيقة، لأنه قد يسهم في شق وحدة الصف الوطني، لأن بعض الأطراف الرسمية إذا لم تستطع حل الملفات الساخنة، فستنفخ في ملف التمييز، داعيا الجمعيات السياسية إلى تداول هذا وقيادة الشارع بحكمة، إذ لا يمكن حل الملف إذا تم تناوله بشكل خاطئ.
أما الصحافي عقيل سوار، فاعتبر أن الخطأ في الندوة كلها، مؤكدا أن بعض التصورات التي طرحت في الندوة الحقوقية يجب أن تعالج في إطار حقوقي وليس جماهيريا، حتى لا تفهم عند الإخوة الآخرين بأنها ضدهم، معتبرا أن التمييز تمارسه بعض الأطراف الرسمية وليس أبناء الشعب. كما انتقد هجوم بعض المتداخلين على الصحافة، مبينا أن الصحافيين في شبه معركة مع رؤساء التحرير لنشر مقالاتهم، ولكن ما لا ينشر لا ينشر على حد تعبيره.
الكاتب الصحافي غسان الشهابي استقصى تعامل الصحافة المحلية مع ندوة التمييز وقال في حديث سيناريو التعاطي مع ندوة «التمييز» بدأ من ساعة متأخرة - شيئا ما في العمل الصحافي المحلي - إذ كان بعض الزملاء في «الوسط» يتابعون الندوة على الانترنت ويلخصون ما استطاعوا منها لنشر تغطية لها، فيما كان عدد من الزملاء في صحيفة محلية أخرى يستصرحون ثلاثة من المسئولين بشكل انتقائي، لينتقدوا ما دار في الندوة، ويتم اتصال مع صحيفة ثالثة يمرر اليها جانب مما سمي بيانا صادرا عن ثلاثة مجالس ادارات لأندية رياضية تشجب وتستنكر ما جاء في الندوة، ومن بعدها تكر حبات المسبحة على هيئة لقاءات وتصريحات ومقالات وصفحات تفتح كلها تصب في اتجاه واحد وهو القدح في ندوة «التمييز» ورميها بمحاولة لشق الصف الوطني، وهذه ليست مفاضلة بين الصحف الثلاث، ولكنه توصيف لما حدث في تلك الليلة.
وأضاف «كأحد العاملين في هذه المهنة، اعتراني خجل شديد امام المجتمع ان تعود صحافتنا وبعد كل هذا الوقت المكتنز بالتغيرات والافكار في التنظير للحرية والشفافية والى هذه الطريقة البالية في التعامل مع موضوع دقيق وحساس، بعد أن كنا قد خادعتنا انفسنا بالظن ان عصرا جديدا من الانفتاح والتقدم إلى الامام قد اثر في قيادات هذه الصحف، وغير نمط تفكيرها وايقاعها المفضوح في التودد إلى الآلة الرسمية، ولكن جملة من الوقائع التي حدثت في هذا العام، تقول ان لا شيء تغير البتة، فبدءا من شارع المعارض، مرورا بموضوع الخلية، وصولا إلى حادث سترة، وانتهاء بندوة التمييز، نكتشف ان الجسد القديم لايزال يتململ. اقول انني شعرت بالخجل لعدة اسباب، منها: ان عملية الاستقصاء الانتقائي لشخصيات بعينها يتوقع محررو هذه الاستقصاءات منها رأيا معينا، تعد عملية سلبية في عرف الصدقية الذي يجب ان تتحلى بها الصحافة من الافساح للآراء المتباينة حتى تظهر على الساحة، وبالتالي، فإن أكثر الآراء التي طرحت كانت تقول ما تود الصحيفة ان تنقله إلى الناس على اساس انه وجهة النظر الغالبة على الشارع البحريني، وان تغييب «الثيمة» الاساسية للموضوع عن القارئ، والتركيز على الشجب والاستنكار والتقزز والادانة والعبارات الأخرى الكابحة والمستاءة مما جرى في الندوة، من غير الاتيان ولو بتلخيص موجز لما دار، والاكتفاء بالتعليق على أمر مجهول لدى شريحة ليست قليلة من الناس، كل هذا يعد تجهيلا واستخفافا بالرأي العام الذي يجب ان يعرف على أي شيء يعترض هؤلاء الناس حقيقة، وما النقاط الدقيقة التي جعلت الصحافة تتورم هكذا وتتهيج؟».
وتابع «أيضا تم الابتعاد عن الموضوع نفسه (التمييز) وتم تجاهل الجهد الذي بذل فيه، ولم يناقش الموضوع - ولو من باب التفنيد - ان كان خطأ ما ورد في الندوة من ارقام وجداول، والاكتفاء - بدلا من ذلك - بترديد عبارات انشائية، والتعقيب بجمل مبهمة من مثل «اثارة الفتنة الطائفية»، و«الاساءة إلى الرموز»، و«شق الصف الوطني»، و«تهييج الشارع»، و«التحشيد» ... إلخ، هذه الاسباب الثلاثة ربما هي اهم الاسباب - في هذه القضية تحديدا - التي تشي ان عددا من الصحف المحلية اليومية قد تعامل مع هذه القضية من منطلق لم يخف يوما الانحياز الكامل للجانب الرسمي ايا كانت توجهات الجانب الرسمي، في محاولة تدعو إلى الشفقة لاسترضاء هذا الجانب، واما ما يدعو إلى الشفقة حقا، فهو اولئك الصحافيون، المجبرون منهم والمتطوعون لكتابة هذا النوع من الموضوعات، الذين يدركون تمام الادراك ان الطائفة الأكبر من القراء لا تؤثر في قناعاتهم ما يقومون بنشره، وانه لا توزن في موازين القراء هذه الحملات التي لم يعد القارئ ذلك الساذج لكي ينخدع بها، وانهم - هم الصحافيين انفسهم - انما يقومون بهذا العمل كجزء من الواجب النازل عليهم من عليين، اما قناعاتهم الخاصة فيمارسونها سرا، ولا يجب عليهم اظهارها... ومن المؤسف ان من بين الصحافيين من يتلونون بحسب امزجة مانحي الخبز في أية مؤسسة كانوا، فأي تشكيل للرأي العام ننتظر؟!».
وأوضح الشهابي: «ان الخشية الآن ان يكون موضوع التمييز - والتمييز ليس فقط هو ما تم الحديث عنه في الندوتين اللتين اقامهما مركز البحرين لحقوق الانسان، واللتين ركزتا أكثر ما ركزتا على التمييز الواقع ضد الشيعة في الترقي إلى المناصب العليا في الوظائف الرسمية - ولكنني اعيد واؤكد كل انواع التمييز، صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، اقول ان الخشية اليوم، ان يقع هذا الموضوع الحساس والمهم والخطير، في زوايا «الفيتو» الصحافية، وان يحاول مسئولو التحرير جاهدين الا يفتحوا باب الاصطدام والملامة مع الحكومة، فيغلقون بذلك باب الكتابة في هذا الموضوع وتناوله، وتكتسي مفردة التمييز - شيئا فشيئا - ذلك الرداء الذي اكتسته مفردات أخرى من قبل، فصار محرم تداولها في فترات ماضية، عندما كانت كلمتا «ديمقراطية» و«برلمان» بمثابة تهمتين ناجزتين قد توديان بمن يكتبهما إلى التهلكة».
واختتم بالقول «ان ما قامت به بعض الصحف المحلية من منح تفويض اثيم للسلطة التنفيذية كي تبطش وتتربص بمن يتناول موضوع التمييز والتمايز والامتياز - وذلك عبر ما يمكن الاستناد اليه بانه اجماع شعبي تبدى في الصحف، امتد من البرلمان حتى مجالس القهوة للمحافظين، مرورا بالجمعيات المهنية والسياسية والأندية الرياضية - اقول ان هذا التفويض ان «يبس» من بعد حرارة، واتخذ شكله الأخير القميء، فمن الصعب من بعد ذلك ان يتم تغييره الا بالكسر، وكم هي مؤلمة عملية الكسر من أجل اعادة التجبير، واذا كانت لنا من فرجة وفسحة لنكتب فيها اليوم شيئا عن هذا الموضوع تحديدا، وبأقل قدر من التعقيدات، فلنا الاتكاء على كلمة جلالة الملك في هذا الشأن حين نشر عن جلالته قوله: «اننا لا نسمح فقط بالحوار الديمقراطي، وانما نشجع عليه، وندعو إليه، وللجميع حرية مناقشة التمييز، دستورا وقانونا»، فدعونا لا نتوقف عن مناقشة هذا الشأن الوطني، بروح وطنية خالصة، تبث في المجتمع ثقافة التقزز من أية ممارسة تهدف إلى أي نوع من انواع التمييز»
العدد 413 - الخميس 23 أكتوبر 2003م الموافق 26 شعبان 1424هـ