مشهد لم نحصل عليه من فيلم سينمائي أو من مسلسل يعرض علينا في شهر رمضان المبارك، بل هو واقع عشنا تفاصيله يوم الجمعة الماضي عندما قام والد السيدة «س. ب. م» بطردها هي وابنتيها من منزله؛ لأنها امتنعت عن دفع المال الذي ينفقه على شراء المشروبات الكحولية التي أدمن عليها منذ سنوات طويلة.
السيدة لم تجد سوى بيت الله لتلجأ إليه في محنتها... ولكن إلى متى ستبقى بلا مأوى؟
المنامة - تمام أبوصافي
كانت الساعة تشير إلى الخامسة من مساء يوم الجمعة عندما التقت «الوسط» بمحدثتنا في جامع الفاتح، دعوناها إلى تناول وجبة الإفطار فاستجابت على خجل، كان الوهن وعلامات الضعف بادية عليها وعلى طفلتيها بعد يوم شاق قضته في الدفاع عن نفسها وعن طفلتيها من والدها الذي انهال عليها بالضرب والشتائم التي باتت أمرا رويتنيا اعتادت عليه منذ سنوات طفولتها. هذه المرة كانت اشد قسوة من المرات السابقة بعدما هددها بالقتل إذا لم تدفع له المال أو تغادر المنزل، ووسط صراخ طفلتيها هرب الجميع من منزل ستبقى ذكرياته تجول في أذهانهم وتغتال طفولتهم بشيء من الحرقة والألم.
تقول «س»: والدي مدمن على الكحول منذ سنوات طويلة، كانت والدتي رحمها الله تعاني الأمرين بسبب إدمانه واعتدائه الدائم عليها بالضرب وبكل أشكال العنف قبل أن تحصل على الطلاق منه وتتزوج بآخر، أنا الابنة الوسطى في اسرة مكونة من شقيقين وشقيقة جميعهم يعيشون خارج المنزل بعد ان قام بطردهم، لكنهم ورثوا سلوكه. فالشقيق الأكبر أدمن تناول الكحول وشاركه شقيقي الأصغر في الإدمان، ولكن على المخدرات أما شقيقتي الصغرى فلا اعلم شيئا عن مصيرها بعدما طردها والدي منذ عام.
وتضيف: «ما ان أنهيت الثانوية العامة حتى وافقت على الزواج بأول شاب تقدم لي، كان زواجي سعيا إلى الخلاص من الحياة مع أب مدمن لا يخجل من فعل أي شيء، ولكن الحياة ابت ان تكرم هذه المرة ايضا وعرفت ان اختاري لم يكن موفقا على الاطلاق، فبعد زواجنا بمدة قصيرة ألقي القبض على زوجي في قضية تعاطي المخدرات وتم فصله من عمله، وبدأت رحلة معاناتي مع الزوج الذي لم يكن يتوانى عن ضربي وشتمني بأقبح الألفاظ، والأكثر من هذا انه لم يكن ليتحمل أية مسئولية تجاه طفلتيه فالتجأت للقضاء وحكم لي بالطلاق بعد معاناة سنوات وبعدما اثبتُّ للمحكمة سوء سلوكه واستحالة الحياة معه بسبب سجله الحافل بقضايا يندى لها الجبين».
وتضيف «س»: «بعد أن حصلت على الطلاق ذهبت للعيش مع والدتي رحمها الله في بيت زوجها الذي كان يعاملني معاملة الاب لكن المنية وافت امي واضطررت للعودة إلى منزل والدي. وعادت معي فصول مأساتي مع هذا الاب المدمن الذي دأب على شتمي وطردي حتى في ثياب النوم احيانا دون ان يتسنى لي ارتداء حجابي، جميع من يسكن حولنا لديهم الكثير من القصص المخجلة عن سلوكه الذي لا يرضي احدا».
في ظل هذه الظروف اضطرت س للعمل للانفاق على طفلتيها لكن سلوك الاب يزيد من صعوبة التعامل مع ظروف عملها تقول «س»: «اعمل بدوام لفترتين وبراتب بالكاد يغطي نفقات طفلتي وخصوصا ان والدهن لم يسدد أية نفقات لهن، ساعات عملي الطويلة جعلتني اضطر لجلب خادمة للاعتناء بالطفلتين اثناء وجودي في العمل، للأسف الكثير من الخادمات اللواتي عملن لدي غادرن المنزل هربا بسبب تحرشات والدي اللاخلاقية».
وعندما سألنا «س» اذا كان لديها أي اقارب قد يستطعيون مد يد العون لها في مثل هذه الظروف أجابت: «والدتي رحمها الله اجنبية وليس لديها أي أقارب في البحرين اما عائلة والدي فهم منقطعون تماما عن الاحتكاك بنا بسبب سلوك والدي، لدي عمَّان وهما يختلفان كليا عن والدي من حيث السلوك فهما ملتزمان دينيا ولكنهما يمتنعان عن التدخل في اي امر يتعلق بوالدي بسبب سلوكه وادمانه على الكحول، لا احد يريد التدخل او خوض أي نقاش معه لان الجميع فقد الأمل في اعتداله، حتى الشرطة عندما ذهبت في احدى المرات لتقديم بلاغ ضده بعدما كان قد اعتدى علي بالضرب وهو في حال سكر شديد كان جميع من في المركز قد عرفوه على الفور لكثرة قضايا السكر التي تورط فيها طيلة حياته واكتفوا فقط باستدعائه وتأنيبه على افعاله وعاد إلى المنزل وكأن شيئا لم يكن».
وتضيف «س»: «لقد اعتاد إنفاق راتبه التقاعدي على شراء الكحول وجلب فتيات الهوى إلى المنزل الذي يفترض ان يكون منزل العائلة أمامي وامام طفلتي اللتين لم تتجاوزا الرابعة والثامنة من العمر، وعندما ينفد راتبه يلجأ إلى راتبي تحت التهديد بالطرد والضرب، لا يمر يوم واحد لا يتناول فيه الكحول. طفلتي ينالهما أيضا جانب من شتائمه وألفاظه البذئية، في إحدى المرات كان يحاول طردي وكنت اطلب منه ان ينتظر حتى اضع حجابي فقام بفتح نوافذ حجرتي وبدأ يصرخ باتجاه البيت المجاور وهو يردد اذا كان هناك من يرغب بمشاهدتي من دون حجاب وبثياب النوم! اقسم لكم أنني لا أثق أن أنام دون أن احضن طفلتي خوفا عليهما من والدي!
أحوال «س» الاجتماعية قادتنا لسؤال عن ملكية المنزل الذي يعيش فيه والدها وفيما اذا كانت قد حاولت الانتقال للعيش خارج هذا المنزل فقالت: «هذا المنزل كان قد حصل عليه منذ سنوات من وزارة الإسكان بحجة ان لديه عائلة بعدما قدم أوراقه الثبوتية كما يقتضي الإجراء في هذه الحال، وكما ذكرت جميعنا طردنا منه، وهذه ليست المرة الاولى التي يقوم بطردي بها من المنزل، ولكن في كل مرة أعود لانني لا املك البديل وبالطبع ثمن قبول عودتي هو كل ما املك من مال لكي ينفقه على ملذاته، قبل عامين تقدمت بطلب لاحدى الجمعيات الإسلامية في البحرين، كنت اسعى فقط إلى الحصول على أي مسكن متواضع يضمني ويضم طفلتي وجاءت باحثة قانونية واطلعت على أوضاعي ووعدت بالمساعدة ولكن للاسف لم اتلق أي رد حتى الآن».
في هذا الاثناء سعت «الوسط» للاتصال بإحدى الجمعيات الإسلامية لكي تحصل على أي مسكن ولو مؤقت وخصوصا انها امرأة ولديها طفلتان لكن الإجابة كانت ان الجمعية يقتصر دورها على تقديم بعض المساعدات كتوفير قسائم شراء بعض المواد الغذائية وما شابه وبالتالي امور السكن يناط بها إلى جهات الشئون الاجتماعية. وبالتأكيد لا يوجد أي خط ساخن يتعامل مع هذه الحالات فلم نحصل على أية استجابة.
حتى كتابة هذه السطور بقيت «س» وطفلتاها بلا مأوى في شهر التقرب لله عز وجل كما ستبقى «س» حاضرة بضمائرنا فهي ابنتنا جميعا
العدد 422 - السبت 01 نوفمبر 2003م الموافق 06 رمضان 1424هـ