لماذا يُحاصر مشروع الاتحاد الطلابي؟ولماذا رفضت وزارة العمل طلب مؤسسيه العام 2001؟ ولماذا اشترطت تزكية وزارة التربية والتعليم؟ ومتى سيتوقف اصرار «التربية»، و«جامعة البحرين» على عدم مقابلة الطلبة؟ وكيف ستتم هيكلة الاتحاد من جديد؟ وأي من السيناريوهات المطروحة في طريقها إلى التنفيذ؟ وماذا عمّا نسمعه من امكانية تقديم استقالة جماعية من قبل بعض أعضاء مجلس الطلبة لتشكيل لجنة تحضيرية للاتحاد؟
لم يكن الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، الذي تأسس العام 1972 بداية انطلاقة الحركة الطلابية، اذ سبقت الاتحاد تجمعات وروابط طلابية، وتأسس أول تجمع طلابي في بيروت العام 1945 تحت اسم الحلقة الطلابية البحرينية، وتشكلت أول رابطة العام 1955 تحت اسم رابطة طلبة البحرين، إلى ان تظافرت الجهود نحو تشكيل تنظيم مستقل (الاتحاد الوطني)، وعلى رغم ما طال كوادره القيادية من ايذاء ومضايقات وتقييد، وممارسات تعسفية ومعاملة اعضائه كجزء من «منظمة حزبية ارهابية» على حد تعبير رئيسه السابق فؤاد سيادي، الا ان النفس الطلابي مازال مشتاقا للتمثيل الحر في السبعيات.
جمعية «الاتحاد الطلابي للبحرينيين»
مع هبوب نسيم الانفتاح المشوب بالتوتر والحذر في العام 2000، تقدم عدد من الطلاب بطلب مقابلة رئيس الجامعة محمد الغتم (آنذاك)، لاطلاعه على فكرتهم المتمثلة بالرغبة في انشاء «مجلس طلابي» ينتخب انتخابا مباشرا من الطلاب، ليتولى مهمة التعبير عنهم، وتحقق ما أرادوا، وقابلوا الرئيس... حدثهم وحدثوه، إلا ان شيئا مما طالبوا به لم ينفذ!
وبعد انقشاع قانون أمن الدولة، تقدمت مجموعة طلابية مغيبة إلى وزارة العمل بطلب تأسيس جمعية «الاتحاد الطلابي للبحرينيين» في منتصف شهر ابريل/ نيسان في العام 2001 وعزز الطلب بثلاثة آلاف توقيع من الطلبة انفسهم، إلا ان وزارة العمل رفضت طلبهم متذرعة بأن «النشاط الطلابي تنظمه الجمعيات العلمية واللجان الطلابية، كما أن النشاط الطلابي في جامعة البحرين يحكمه المرسوم بقانون رقم (12) للعام 1986 وتعديلاته»، ويبدو أن الوزارة لم تنتبه إلى ان النقاط الخاصة بالنشاط الطلابي المشار إليها في المرسوم خصوصا النشاط الذي ينظم داخل جامعة البحرين، ليس فيه إشارة تمنع ممارسة هذا النشاط أهليا أو تنظيم أطر أخرى لرعيته.
وبما أن حجة وزارة العمل «ضعيفة» على حد تعبير المؤسسين فقد سألنا مدير ادارة الرعاية والتـزهيل الاجتماعي في «العمل »بدرية الجيب عن ذلك، وبينت إن «الاتحاد الطلابي» لا يعد مؤسسة مهنية، لذلك فهو يتبع وزارة التربية.
ووفق هذا التحليل اشترطت وزارة العمل تزكية وزارة التربية إلا ان التربية لم تبد أي استعداد للتعاون مع الطلبة، بل رفضت مقابلتهم.
وعلى رغم تمكننا من الحصول على تصريح مقتضب من «العمل» إلا اننا لم نحصل على تصريح أو تبرير حتى من «التربية» بشأن ذلك.
مجلس الطلبة
جاء مجلس الطلبة لخلق ذريعة على رفض وزارة العمل لاشهار مشروع اتحاد الطلبة البحرينيين، اذ جاء «بالنص» في رد الوزارة على الطلبة المتقد مين للاشهار في يوليو/ تموز العام 2001:«مستقبلا سيتم تأسيس مجلس طلبة جامعة البحرين». ما يعني انه جدير بأن يسد فراغ الاتحاد، إلا ان الرد يعد حجة مفندة إذ ان مشروع الاتحاد لا يتعارض مع المجلس، وإنما يمكنه ان يتكامل معه وذلك لاتساع صلاحياته ولعدم تقيده بأنظمة جامعة البحرين.
كان حريا بالطلبة ان يتبعوا سياسة سحب الذرائع على وزارة العمل بعدم القبول بالبنود الهزيلة للمجلس، والذي يكون فيه العضو بلاحقيبة، إلا أن البعض تهافت للدخول فيه بهدف اقحام ملف الاتحاد عليه إلا انهم صدموا بصلاحياتهم، ما ادى إلى استقالة اثنين منهم، وانشغلوا واشتغلوا وانغمسوا في هموم المجلس ناسين أو متناسين الطموح الطلابي المتعطش لتشكيل الاتحاد.
محاولا ت التحجيم
على رغم من (مرمطة) المؤسسين ما بين «العمل» و«التربية»، إلا أنهم طلبوا مقابلة ممثل عن الجامعة لاحتضانهم، إلا أن الجامعة لم تقابلهم وقتذاك.
وقال رئيس العلاقات العامة في الجامعة خالد بومطيع عن السماح للاتحاد (فيما لو شكل) بممارسة انشطته في الجامعة: «لدينا مؤسسات داخل الجامعة مخولة من قبل الطلبة والادارة ومنها مجلس الطلبة، وأي نشاط لابد ان يمارس وفق القنوات الرسمية، اذ لدينا قناة بديلة تم اختيار اعضائها بالانتخاب».
وأضاف: «الجامعة تعطي جميع منتسبيها كامل الحرية للتصرف بما يشاؤون خارج أسوارها من خلال الاتحادات والأندية». وبسؤال له عن موقف الجامعة من الطلبة المؤسسين أجاب: «لن يكون لنا موقف سلبي منهم، فالطالب من حقه أن يشارك في الاتحادات ما دام القانون يسمح له بذلك».
ويذكر أن الجامعة في العام 2001 منعت (الطلبة المؤسسين) من توزيع اعلانات انشطتهم ومن اجراء البحوث والدراسات الاستبيانية، وتعرض بعضهم للتحقيق من قبل أمن الجامعة، ومنعوا من استخدام إحدى القاعات أثناء وقت النشاط الطلابي، ومنع البرنامج التلفزيوني المحلي «للشباب فقط» والذي من المفترض ان يستقبل المؤسسين.
لجنة الإعداد للمؤتمر الطلابي
بعد كل محاولات التحجيم، واتهام المشروع بالطائفية والتسييس، دعا المؤسسون التنظيمات الشبابية وشكلوا لجنة (ملونة) مكونه من 14 تنظيما شبابيا، لإعادة صوغ وهيكلة الاتحاد من جديد تحت اسم «لجنة الإعداد للمؤتمر الطلابي» إلا ان اللجنة سرعان ما تفككت، واتفق عضوا اللجنة حسين زينل وراشد الغايب على اتجاه الطلبة نحو تجمعاتهم الشبابية، وعدم تمكنهم من الوصول لصيغة مشتركة، أثر على سير العمل وجمد اللجنة». وذكر أحد الاعضاء ان سبب التفكك يعود إلى عدم تناغم واتفاق الاعضاء، ونشوء الخلافات السطحية بينهم.
بعد أن تفككت اللجنة طرحت الكثير من السيناريوهات من قبل الكثير من الاطراف... فهل يتقن الطلبة تنفيذ أحدها... ام سيستمر التخبط والتفكك؟
سيناريو محمد أحمد
دعا المحامي محمد أحمد إلى التقدم بتأسيس جمعيات طلابية طبقا لقانون الجمعيات الأهلية لسنة 1989 كخطوة أولى، ثم تتقدم هذه الجمعيات مجتمعة بطلب تأسيس الاتحاد الطلابي. وبسؤال له عن امكان تنفيذ هذا السيناريو الذي يتطلب من الوقت والجهد الكثير أجاب: «يستطيع الطلبة اذا ان يتقدموا بطلب الى وزارة العمل تحت مسمى جمعية وفي حال رفض الوزارة يتم مقاضاتها».
سيناريو فولاذ
يعتزم عضو مجلس الشورى فيصل فولاذ التقدم بمشروع بقانون لتأسيس الاتحاد العام لطلبة البحرين وفروعه داخل خارج البحرين الذي سيحتوي على مواد تسمح لجميع الطلبة والطالبات من دون تمييز الحق وبكل حرية ان يكوِّنوا فيما بينهم فروعا للاتحاد». وبين انه سيجتمع مع مختلف اللجان الطلابية ومجلس الطلبة واللجنة التحضرية لمشروع الاتحاد الطلابي.
وردا على ذلك قال مطر مطر عضو اللجنة التحضيرية في مشروع الاتحاد إن القانون لا بد ان يشتمل على ثلاثة بنود رئيسية منها «ان لا يحل إلا تحاد ولايمس أعضاؤه الا بقرار قضائي وطلب الحل لا يقدم إلا بالوزير نفسه، والشرط الثاني ضرورة أن يمثل شركة اساسية في المجتمع من حقها أن تشارك في قضايا الشأن العام، والشرط الثالث عند وجود لجان تحقيق فلا بد أن تشمل ممثلا عن الإتحاد».
سيناريو الخواجة
اقترح نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الانسان عبدالهادي الخواجة على اعضاء مجلس الطلبة «استقالة جماعية» ردا على فصل شرف من المجلس، واستثمار الاستقالة بتشكيل لجنة تحضيرية تعمل على اشهار الاتحاد الطلابي.
اما جمعية الجامعيين ففي نيتها (حسب تصريح رئيسها عبدالجليل خليل ابراهيم) عقد اجتماع عام يضم كل من يتعلق بهم الأمر من طلبة ومؤسسات للخروج بصيغة مشتركة متوافقة على تشكيل الاتحاد.
الحق القديم
الطلبة الآن أمام عدة سيناريوهات، إما تشكيل جمعيات طلابية لبلورة الاتحاد، وذلك سيأخذ وقتا طويلا، في حين ان الواقع الطلابي المتأزم لا يحتمل تأجيل نهوض هذا الكيان، وإما المطالبة باستقلال المجلس (وهذا مستحيل) ليكون أحد فروع الاتحاد، ومن ضمن السيناريرهات التعاون مع فولاذ لصوغ قانون ينظم عمل الاتحادات.
اما السيناريو الاكثر تصعيدا فهو تقديم استقالة جماعية من المجلس لتشكيل لجنة تحضيرية تتقدم بطلب إلى وزارة العمل باشهار الاتحاد تحت مسمى جمعية وفق قانون الجمعيات للعام 1989، ومقاضاة الوزارة في حال الرفض.
مازالت السيناريوهات فوق طاولة البحث... إلا ان تلويح عدد من اعضاء المجلس بالاستقالة قد يرجح تنفيذ السيناريو الأخير، لا سيما أنه سيخلق حال استنفار لدى الطلبة بإعادة المطالبة بحقهم القديم.
مدينة عيسى - حسين الدقاق
واقع طلابي لا نحسد عليه، بل هو واقعٌ يبعث على الشفقة، ويبرهن يوما بعد آخر على غياب أبسط الحقوق الطلابية عن ساحتنا الجامعية البحرينية. ففي الوقت الذي تدأب فيه جامعات العالم العريقة على خلق بيئة جامعية متميّزة تحترم فيها حقوق طلبتها، وتعرّفهم بها، وتحثّهم على الدفاع عنها، تمضي جامعتنا الوطنية قدما في محاولات تحجيم الارادة الطلابية. إذ للطلبة في الجامعات العريقة حق طرح وتبادل الأفكار والرؤى المختلفة بصورة سلمية سواء في داخل أو خارج الفصول الدراسية، وهو كما تسميه الجهات الحقوقية «حق الطالب في التعبير Expression ».
كما للطلبة حق التجمّع في الجامعة وردهاتها، وعليه فيحق للطالب الجامعي أن يجتمع مع قرنائه الطلبة بطريقة لا تتعارض وحقوق الطلبة الآخرين،Association .
حق ثالث يضعه الحقوقيون في سلة الحقوق الطلابية الملحة، وهو حق التحرّر من التمييز بشتى أنواعهFreedom from Discrimination، فالطلبة من حقهم المشاركة الفعالة في الحياة الجامعية من دون أن يُمارس ضدهم أي تمييز أو ظلم، وهو حق يضمنه لهم الدستور، ومَـنْ يعلم، فقد تضمنه لهم قوانين جامعتنا الوطنية في المستقبل الآتي، وإنْ كان الأفقُ لا يوحي بذلك.
إنّ المتابع لما يجري على الساحة الجامعية البحرينية مدرك لحقيقة غياب الواقع التطبيقي في ما يخص هذه الحقوق الثلاثة... فمازال حق التعبير، وحق التجمّع، وحق التحرّر من أنواع التمييز - مازالت كلها، وللأسف الشديد - سجينة الورق، والتنظير... مازالت الكثير من الأمزجة الإدارية الجامعية تنتهج سياسة «الريّ بالتنقيط» قبالة طلبة تقرّحت شفاههم من شدة التعطّش إلى ممارسة حقوقهم من دون تعقيد، أو استصغار لشأن أهم أضلاع المثلث الجامعي، وهو الطلبة.
وليس أدل على ذلك من تجريد محمد شرف من عضوية المجلس الطلابي، إذ كان فصله بمثابة إثبات عملي لغض الطرف عن الحقوق الثلاثة، وإجراء صريح لاختيار الجامعة خيار الانفصال عمّا يدور حولها من إصلاحات، ومن إطلاقٍ للحريات المغيّبة في سنين مظلمة خلت... وفوق ذلك وذاك، أصبحت عضوية المجلس الطلابي، وللأسف الشديد، لعنة تطارد الجميع، وباتت مرمى لسهام التأديب والتحقيق الانتقائيَيْن.
سؤال مؤلم يتراءى للمتابع للشأن الطلابي الجامعي: «مَـنْ التالي يا ترى؟!»، وجوابٌ أكثر إيلاما يطرح نفسه، فهلامية الأمزجة هي مَـنْ يختار التالي، وهي مَـنْ يصدح ويتبختر على حساب الحقوق الطلابية المهملة.
مخطئ مَـنْ يتكـئ على رغوة المزاج الصابونية، وظالم لنفسه، ولمَـنْ انتخبوه، مَـنْ يضع الحق الطلابي في آخر أولوياته، بل يتمادى في خطئه عندما يغمض العين عن كبريائه متعاليا أو عاضّا على جروحه.
فصل شرف فتح أعيننا على تقاسيم حقيقة موجعة أصابت هيبة عضو مجلس الطلبة وخصوصيته في مقتل يصعب الشفاء منه... خصوصا ذلك العضو المنتخب الذي يفترض به أن يمثل مَنْ أوصله إلى المجلس الطلابي أعزّ تمثيل، وأن يحمل همهم ويستمد مكانته وسلطته منهم، وما يلفت هو الصمت الغريب للأعضاء سوى تلويح أحدهم بالاستقالة.
وقد يكون أصدق ما يقال بشأن ما تبقى من أعضاء لمجلس الطلبة هو قول الكاتبة: «رجَوْتُكَ لا تتــكئ على وجعي كلانا سينكسر قريبا!!».. فهل يلملم أعضاء مجلس الطلبة أوجاع مَـنْ انتخبوهم، فيرتفعوا بها عن قفص الوصاية، و«مرمطـة» الأمزجة؟ أم سيواصلوا تلك الأهزوجة الضبابية وسط زحام الفقاقيع المنكسرة؟
ولكن يبدو أن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن إدارة الجامعة، إذ نبه قرار الفصل إلى ضرورة قيام كيان طلابي مستقل، يُنتخب انتخابا مباشرا من الطلبة، بعيدا عن الطريقة الفوقية التي صُبغ بها المجلس، ليحمل على عاتقه الدفاع عن هذه الحقوق، وعن غيرها، كحق الشكوى والتظلّم، وحق الخصوصية، وحق التعلّم الراقي، وحق تنمية الشخصية، وحق المشاركة والاتصال بشئون المجتمع العامة. حقوق طلابية كثيرة ضائعة وحائرة، لا تجد مفرا من قيام اتحاد طلابي مستقل يدافع عنها، فيكمل المثلث الجامعي، ويرجع إلى الجامعة عافيتها وعنفوانها الحقيقيين
العدد 441 - الخميس 20 نوفمبر 2003م الموافق 25 رمضان 1424هـ