إن ما صرح به رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد في مؤتمر القمة الإسلامي يتسم بالجرأة والشجاعة المطلقة، وقلما نسمع بمثل تلك التصريحات الجريئة عن أفعال الصهاينة الغزاة، والتي يعرفها القاصي والداني، وخصوصا هؤلاء المنحازون والمتعصبون للصهاينة، ولكنهم يتغاضون عنها ويتجاهلونها، وقد جعتلهم تلك التصريحات ينفعلون ويجاهرون بتعصبهم وانحيازهم في ردات فعلهم المتشنجة، التي تعكس ما بداخلهم وربما حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين.
إن ما أدلى به مهاتير محمد، لا يعبر عن رأيه فقط وإنما هو يعبر عن رأي غالبية المسلمين فيما يحدث ونلمسه بوضوح من هيمنة الصهاينة على العالم، والدليل هو الصمت المطبق لهؤلاء المتحيزون وغض الطرف عن الجرائم البشعة والانتهاكات والتجاوزات على كل الأعراف والقوانين الدولية للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.
يقول مهاتير في خطابه أمام مؤتمر القمة الإسلامي في كوالالمبور: «إن الأوروبيين قتلوا ستة ملايين يهودي من إجمالي 12 مليونا، ولكن اليوم يحكم اليهود العالم بالوكالة، فهم يلجأون لغيرهم للقتال والموت نيابة عنهم، ولا يمكن لمليار وثلاثمئة مليون مسلم أن يهزموا على يد بضعة ملايين من اليهود».
وهذه هي الحقيقة والواقع الذي يعرفه الجميع، الذي يتحمل المسلمين كافة افرازاته وتداعياتها، ما دعى القادة المسلمين إلى التصفيق بحرارة، تأييدا له على ما أشار إليه وما يتمتع به من جرأة قل نظيرها في عصرنا هذا، إذ أصبح قادة الدول يتجنبون التصريح بمثل هذه الأقوال خوفا مما سيلحق بهم من استهداف وتهديدات من قبل أميركا والدول الأوروبية الأخرى، التي سرعان ما رأيناها أثارت العواصف والزوابع على تصريحات مهاتير محمد، وخصوصا الدول الكبرى منها، وفيما يأتي بعض ردات الفعل المدوية، التي تحمل في طياتها اتهامات أقلها معاداة السامية ترديدا للاسطوانة المشروخة التي يرددها الصهاينة ويتخذون منها ذريعة لاتهام الآخرين ومهاجمتهم، واحتجاجات واستنكارات وانتقادات نارية، كما ورد في تقرير الإذاعة البريطانية الاخباري، ليوم الجمعة 17/10/ 2003: «استدعت وزارة الخارجية البريطانية المفوض الأعلى الماليزي لدى لندن وأبلغته أن حكومة صاحبة الجلالة تعتبر التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الماليزي عن اليهود غير مقبولة. كما استدعت ألمانيا القائم بالاعمال الماليزي في برلين وابلغته برسالة مماثلة، كما انتقد التصريحات وزير الخارجية الاسترالي الكسندر داونر، ومسئولون من حكومات ألمانيا وايطاليا التي تترأس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية. وقال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني إن التصريحات تعتبر معادية للسامية وضد مبادئ التسامح والحوار والتفاهم. كما ندد الحاخام أبراهام كوبر من مركز سيمون فيسنتال بالخطاب واعرب عن صدمته لامكان أن يتفوه مهاتير محمد بعبارات كهذه خلال قمة ضخمة تعقد على هذا المستوى ويحضرها عدد كبير من قادة العالم، واعتبر الحاخام خطابه دعوة إلى مزيد من الكراهية والارهاب ضد اليهود».
وإن دل هذا على هذا شيء فإنما يدل على التعصب الأعمى لهذه الدول تجاه الكيان الصهيوني، وبذلك يكون مهاتير محمد قد فضح نواياهم وجعلهم يكشفون مواقفهم المنحازة دوما لهذا الكيان، ولم يبق للدول الإسلامية جمعاء إلاّ أن تتخذ مواقف أشد حزما وصلابة حتى يعرف هؤلاء المنحازون والمتشددون أن هذه الأمة الإسلامية، لا تقبل الذل والإهانة وإنها هي مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل كرامتها وعزتها وحريتها واستقلالها، ولا تقبل أن تكون في يوم من الأيام مستعبدة وذليلة ولا ترضى بأن تداس كرامتها وتسلب حريتها بأي حال من الأحوال.
ولقد دافع مهاتير محمد عن تصريحاته، مستنكرا ما تتعرض له الأمة الإسلامية من انتقادات واتهامات بلا وجه حق، ورافضا الاعتذار عن هذه التصريحات التي أحدثت زوبعة من ردات الفعل والانتقادات الملتهبة، وقال في معرض رده: «إن منتقديه منحازون ويطبقون معايير مزدوجة، ونفى أن تكون تصريحاته معادية للسامية قائلا إنه كان يذكر حقائق تاريخية، وإنه من غير العدل أن يتعرض المسلمون للانتقادات بينما لا يمكن للآخرين انتقاد اليهود، وقال من الواضح أنهم يعتقدون أنهم أناس متميزون ولكننا لا نعتقد ذلك، ولدينا الحق في انتقادهم أيضا».
وأضاف ملمحا إن هناك من يتصيد في الماء العكر، وهناك من ينتهز الفرص ليوجه الاتهامات جزافا، ويعبر عن تحيزه للصهاينة ليحظى برضاهم ويتخذ الذرائع والحجج لممارسة الضغوط والتهديدات وربما الاعتداء على بعض الدول: «من المؤسف أن أحدا لم يلتفت إلى ما قلته عن وقف العمليات الانتحارية والعنف والأعمال الانتقامية في الشرق الأوسط، وقال لعل ذلك هو ما يمنحهم مبررا لشن ضربات استباقية، وأكد أن معظم الدول الإسلامية تتفق معه في آرائه ولكنها غير قادرة على التعبير عن آرائها خشية أن تستهدف».
وهذا يبرهن على ما قامت وتقوم به أميركا من حروب غير مبررة ضد أفغانستان والعراق، وتهديدات لكل من سورية وإيران، وإتخاذ الإجراءات الظالمة والعدوانية بحقهما، وما ستئول إليه هذه الإجراءات من فرض عقوبات ظالمة، أقلها الحصار الاقتصادي وربما الضربات الاحترازية، وربما تحريض الكيان الصهيوني بالتحرش والاعتداء على هذه الدول لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار، ليتمكن الكيان الصهيوني من ممارسة عدوانه على الشعب الفلسطيني، وتمرير مخططاته وأهدافه العدوانية والاستيطانية، دون أن يتمكن أحد من وقف انتهاكاته وعدوانه، ووضع حد للعربدة والطغيان الصهيوني، ليمتد هذا العدوان ويشمل دولا أخرى كسورية ولبنان وإيران، وربما دول أخرى في المنطقة، تحت مباركة ومساندة وتشجيع من أميركا.
ونحن نقول، أين كان هؤلاء المتعصبون للصهاينة يوم أدلى ، نائب وكيل وزارة الدفاع لشئون الاستخبارات والمجهود الحربي الجنرال بويكن، في اول بيان صدر عنه بتصريحات أدلى بها في تجمعات كنسية أخيرا والتي صور فيها معركة الولايات المتحدة مع الراديكاليين الإسلاميين وكأنها صراع مع الشيطان.
وكذلك تحدث أمام عدد من التجمعات المسيحية، وقال أمام احدها إن الارهابيين يكرهون أميركا لأنها أمة مسيحية، كما قال إن الله هو الذي اختار جورج بوش ليكون رئيسا للولايات المتحدة.
كما قال إن المسلمين يعبدون «وثنا» وليس «إلها حقيقيا»...
إنه تهجم عنيف على الإسلام والمسلمين، لا يمكن أن يصدر عن شخص عاقل أو متزن، وإنما من إنسان معتوه وحاقد، قد أعمى الحقد بصيرته، فراح يقول ما لا يفقه، ويتفوه بما لا يدري، فجاءت أقواله تعكس ما يكنه هؤلاء من أحقاد وأضغان للإسلام والمسلمين، واستنكرها حتى بعض العقلاء من قادة الجيش الأميركي، في حين رفض الشرير رامسفيلد المتصهين إدانته أو حتى توبيخه. كما طلب منه النائب جون كونيرز باتخاذ إجراء تأديبي ضده، ولكنه على عكس ذلك أصبغ عليه كيلا من الثناء والمديح.
فكيف يسمحون لأنفسهم بالتهجم على الآخرين، في حين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يدلي الآخرون بدلوهم، وفي إطار الحقيقة والواقع وهذا يعكس تناقضاتهم وأنانيتهم في آن واحد؟
محمد خليل الحوري
العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ