حطت طائرة الرئيس الأميركي في بريطانيا ليقوم بأول زيارة دولة لرئيس أميركي لبريطانيا منذ قرن تقريبا. ويكمن جزء من المشكلة بالنسبة الى زيارة الدولة في أن المراسم والتشريفات تطغى على جوهر الزيارة.
وتختبر المأدبة التي أقيمت في قصر بكنغهام وحفل الغداء الذي أقيم في المقابل في السفارة الأميركية ما يدور في بطني الزعيمين السياسيين وليس ما بداخل عقليهما.
وفي الواقع فإنه لتقليد غريب ما وجدناه في طريقة جلوس الزعيمين، اذ انهما كانا متباعدين بطريقة توحي بأنهما لن يناقشا مسائل جدية.
ومع ذلك فإن زيارة الدولة تسمح بنوع من الفرصة لاجراء محادثات مباشرة بين رئيس الوزراء والرئيس الاميركي، كما توجد قضايا حقيقية لابد من معالجتها لتبرير تحويل عُشر قوة الشرطة البريطانية لتأمين الحماية للرئيس الأميركي. فما الذي سيكتبه طوني بلير في مفكرته على أساس انها أولويات يجب حلها؟
ان أول قضية ملحة تتمثل في الحصول على التزام من الرئيس بوش بقبول قرار منظمة التجارة العالمية )طد( الذي يتطلب قيامه بإلغاء تعرفة الحماية الجمركية التي فرضها على صادراتنا من الصلب. ومن بين السخريات الكثيرة لهذه الزيارة انها تأتي قبل اسبوعين فقط من انتهاء المدة الممنوحة للولايات المتحدة للامتثال لقرار منظمة التجارة العالمية أو مواجهة اجراءات انتقامية من قبل الاتحاد الأوروبي. وسيكون الامر غريبا اذا انتهى العام -الذي شهد تحالفا بين الدولتين في حرب اجنبية- باندلاع حرب تجارية بينهما.
وقد سمعت السير كريستوفر ماير وهو يعبّر عن الاحباط قائلا: «انه بينما يعمل طرف من إدارة بوش مع الجيش البريطاني في التخطيط لغزو مشترك للعراق، ينشغل طرف آخر في التخطيط لهجوم أحادي الجانب على صناعة الصلب البريطانية».
وكان كريستوفر يعمل سفيرا لبريطانيا في واشنطن عندما كنت في منصب وزير الخارجية وأعرف انه ملتزم تماما بتقوية العلاقات عبر الاطلسي.
الإضرار ببريطانيا
وعلى طوني بلير أن يحذّر الرئيس بوش من ان ولاء أكثر الدول المؤيدة لحلف الاطلسي سيتعرض لضغط شديد عندما يقوم البيت الابيض بإلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية البريطانية في الوقت الذي تطالبها فيه الولايات المتحدة بدعم المصالح الاستراتيجية الاميركية.
ولكن قضية اعتراف الرئيس الاميركي بخطأ فرض التعرفة على الصلب لا ترتكز فقط على مطالبة بريطانيا بشكل خاص بإلغاء هذه الضرائب. وواشنطن لا يمكن ان تكون مدافعا له صدقيته عن حرية التجارة في المنتديات العالمية في الوقت الذي تقوم فيه بدور المدافع المحلي عن مذهب حماية الانتاج الوطني في الولايات الانتخابية التي تتأرجح فيها اصوات الناخبين مثل بنسلفانيا.
وبعد مؤتمر منظمة التجارة العالمية في كانكون يواجه العالم مهمة صعبة للتوصل الى اتفاق بين الشمال والجنوب بشأن كيفية جعل التجارة حرة وعادلة من دون أن تؤدي العقبتان الرئيسيتان للشمال في النهاية الى حدوث مواجهة.
الوضع العراقي
أما الأمر الثاني الملح على قائمة بلير فيمكن معرفته من المذكرة الأخيرة لدونالد رامسفيلد الذي اعترف فيها بأننا نواجه خطر الخسارة في الحرب ضد الارهاب، فغزو العراق كان هدفا خاصا في الحرب على الارهاب.
وكان الرئيس بوش تحدث الى ديفيد فروست واصفا العراق بانه «مقدمة للحرب على الارهاب»، وهو اعتراف من رجلٍ أشاد منذ ستة أشهر فقط بغزو العراق بوصفه «انتصارا على الارهاب». وثبتت صحة تقييم الاستخبارات البريطانية بأن احتلال العراق سيفتح هذا البلد لتنظيم القاعدة ويثير حرب جهاد اسلامية.
ولن يتحسن الوضع في العراق بالقصف الجاري الذي تقوم به القوات الاميركية في العراق، بل المرجح ان يؤدي ذلك الى زيادة الدعم للمقاومة بدلا من اخمادها، فلو كنت مواطنا عراقيا لاستنتجت من قرار تسمية عملية الهجوم الاميركية الجارية بـ «المطرقة الحديد» ان هذا المخطط لا يقصد به استمالة قلبي وعقلي. فلا يمكن كسب حرب العصابات باستخدام قذائف موجهة بالاقمار الصناعية مهما بدا الانفجار مدوّيا في محطة تلفزيون ئدظ.
سياسة تدعم الارهابيين
ان الترحيب - على رغم انه جاء متأخرا- باعتراف واشنطن بأنها ستعمل على تسريع نقل السلطة إلى العراقيين لادارة شئونهم بأنفسهم، سيفقد معناه كلية في الوقت الذي تصعّد فيه الولايات المتحدة من قوة النيران التي تستخدمها ضد السكان المحليين.
وأصبح تفضيل لجوء ادارة بوش إلى اجراءات انتقامية يمثل تهديدا حقيقيا وعقبة رئيسية ستؤدي الى زيادة التأييد الشعبي لرجال المقاومة الذين سيكون من السهل عزلهم من دونه.
وفي الاسبوع الماضي رفض ديفيد بولتون (أحد المحافظين الجدد في إدارة بوش) المبادرات الأوروبية تجاه ايران قائلا: «انني لا أقوم بتقديم الجزرة».
وكان على بلير ان يقنع ضيفه بأننا سنعمل على نشر الارهاب، وليس ايقافه، اذا استخدمنا سياسة العصا الغليظة فقط.
ان الرئيس بوش سيكسب الحرب على الارهاب فقط اذا كان صارما بالدرجة نفسها بالنسبة الى أسباب الإرهاب. وهذا ما سيقود بلير منطقيا الى البند الثاني الذي لابد أن يناقشه مع بوش، وهو تذكيره بأنه وعد بأننا اذا ما ساعدناه في ازاحة صدام فإنه سيساعد من جانبه في تعزيز خريطة الطريق للسلام في الشرق الاوسط. ولكن بوش بدلا من دفع خريطة الطريق الى الامام، ترك التوتر بين الفلسطينيين والاسرائيليين يتصاعد ليصبح الشعبان في حال صراع دائم.
بوش والسياسة الاسرائيلية
ومن الملفت للانتباه اننا سمعنا في الآونة الأخيرة نقدا أكثر صراحة للسياسات الخطيرة لارييل شارون من قبل رئيس هيئة الاركان الحالي في الجيش الاسرائيلي ومن المديرين السابقين لأجهزة الأمن الاسرائيلية، وليس من رئيس الولايات المتحدة. واذا كان أربعة رؤساء في جهاز الشن بيت الاسرائيلي حذّروا من ان بناء الجدار الفاصل سيثير الاعمال العدائية ويطيل أمد النزاع بسبب الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية، فمن الصعب ان نفهم لماذا لا تكون واشنطن قوية بالدرجة نفسها في انتقادها لسياسيات الحكومة الاسرائيلية التي تتناقض بصورة تامة مع خطة خريطة الطريق.
فعلى الرئيس بوش ألا يتدخل بقوة في حل مشكلة الشرق الأوسط لمجرد انه قدم وعدا إلى رئيس وزراء بريطانيا بذلك، بل ان عليه القيام بذلك لأن إرساء السلام في الشرق الاوسط سيعمل على تعزيز أمن الولايات المتحدة أكثر من أي هدف آخر للسياسة الخارجية، لأن مثل هذا السلام سيزيل مرارة الظلم التي يشعر بها العالم العربي تجاه الغرب.
انني لم أضع في هذه القائمة أي موضوع تتعارض فيه النصائح البريطانية مع المصالح الاميركية، فمن مصلحة الشركات والمستهلك الاميركي ألاّ ندخل في حرب تجارية متصاعدة، ومن مصلحة القوات الاميركية عدم اتباع اساليب تعمل على زيادة تأييد الارهابيين. وقد حذفت عمدا أهدافا قد يكون مرغوبا فيها ولكنها قد تمثير خلافا مع الادارة الاميركية الحالية.
وقبل غزو العراق قيل لنا انه اذا اشتركنا في الحرب سيكون لنا نفوذ على واشنطن. والاختبار الأكثر نزاهة لهذا النفوذ هو تأمين التوصل الى اتفاق في جدول الاعمال يكون في صالح الدولتين بصورة متساوية.
وزير الخارجية البريطاني السابق
ينشر المقال بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية
العدد 445 - الإثنين 24 نوفمبر 2003م الموافق 29 رمضان 1424هـ