قال الباحث الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاديين البحرينية هاشم الباش إن برنامج الحكومة الذي تم عرضه على المجلس الوطني في ديسمبر/كانون الأول الماضي والذي استهدف تحقيق معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي بين 5 إلى 6 في المئة سنويا يتطلب توافر استثمارات في حدود 650 إلى 700 مليون دينار بحريني سنويا.
وأضاف إن ذلك يثير عددا من القضايا تتمثل في قدرة الدولة على جذب هذه الاستثمارات وحسن اختيارها وتحقيق توازن بين القطاع الحكومي ودوره في الحياة الاقتصادية وإعطاء القطاع الخاص الفرصة للمشاركة في التنمية إذ إن القطاع الحكومي في مملكة البحرين مازال يؤثر في طاقة النمو الكلية للاقتصاد عن طريق الأنفاق العام، وتؤكد البيانات المنشورة أن نسب الأنفاق العام إلى إجمالي الناتج المحلي لا تقل في المتوسط عن 29,6 في المئة خلال الفترة 1995/2000م.
ويلاحظ الباحث أن الاعتمادات المرصودة للنفقات العامة في البحرين في تزايد مستمر إذ بلغت في العام 2003م نحو 1158مليون دينار، وفي العام 2004 وصلت نحو 1190 مليون دينار، في حين لم تتجاوز هذه الأعتمادات العام 1990م 537 ملايين دينار، أي أن الأعتمادات قد تضاعفت خلال 15 سنة وان هذه الزيادة في النفقات تحتاج إلى موارد لتغطيتها.
ويشير الباحث إلى أن عالما جديدا قد تشكل مع ظاهرة العولمة وربما يعتبر البعد الاقتصادي لهذه الظاهرة بعدا رئيسيا وبارزا للعيان، وانتصارا لإرادة الاقتصاد عن طريق آلية السوق وما يصاحب ذلك من مصاحبات سياسية واجتماعية، وقال الباش لاشك أن هذه الظاهرة الكونية تشكل واقعا يوميا معاشا، يؤثر على نمط إنتاجنا وإستهلاكنا وعلاقاتنا إذ أن هذه الظاهرة في حال من التنامي الذي يتمثل في إندماج الأسواق الوطنية في السوق العالمية والى حرية البضائع والخدمات ورأس المال وعوامل الإنتاج عبر الحدود. وقال الباش إن ما يتشكل في عالم الاقتصاد كأفرازات لهذه الظاهرة تعد من الفرص النادرة غير أن ما تلقيه تلك الإفرازات من عبء على المجتمع يشكل تحديات ومشكلات جديدة، فإذا كانت تقنيات الاتصالات وتكنولوجية المعلومات قد قربت الجغرافية واختصرت الزمن أنتاجا وتوزيعا فلماذا لا يعاد النظر في شبكة مفاهيمنا في إدارة الاقتصاد وفي فهم التحديات التي تواجه البحرين لبناء تصور مستقبلي له.
وأكد الباش أن البحرين تخوض سياسة جديدة تقوم على المشاركة، وهذه المشاركة تمثل محورا أساسيا للتنمية إذ أن الديمقراطية لا تختزل الطاقات البشرية إلى مجرد مواطنين، بل تعترف بهم كأفراد أحرار وينتمون إلى تجمعات اقتصادية وثقافية، إضافة إلى أن هذه المواطنة تفرض وجود دولة هدفها الرئيسي تعزيز مجتمعها وذلك عن طريق تطوير وتجديد الاقتصاد أي أن الديمقراطية تساهم في عملية الانتقال من اقتصاد السوق إلى التنمية القائمة على المشاركة. فالدوافع الاقتصادية الذاتية التي تقوم على الفردية والتنافس من أجل المصلحة الذاتية فقط لا يمكن أن تحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد التوازن المطلوب بين مختلف أطراف الإنتاج أي العاملون وأصحاب العمل والدولة.
وقال الباش عند قراءة الفصل الثالث من ميثاق العمل الوطني والمعنون بـ «الأسس الاقتصادية للمجتمع» نجد أنه يسلط الضوء على ثلاث نقاط أساسية، وهي الموارد، الطموح، والبيئة الاقتصادية والتشريعية التي تحتضن العمل من أجل الوصول إلى الأهداف التنموية المستقبلية. كما أن مقدمة هذا الفصل تعطي صورة عن موارد البحرين وهي في الحقيقة تحديات دائمة في قلة المياه الطبيعية، وندرة المياه، ومحدودية رقعة الأرض، والكثافة السكانية العالية، إلا أن هذه التحديات يمكن أن تكون حافزا للتفكير للخروج برؤية اقتصادية جديدة، وعمل أستراتيجي يكون الإنسان هدفه ووسيلته ضمن اطار من المشاركة المجتمعية والمصلحة الوطنية.
وبين الباش أن السنوات المقبلمة ستشهد ازدياد المنافسة ولن يصبح دخول الأسواق امتيازا، فلابد أن يكون عملنا المستقبلي مبنيا على رؤية واضحة لطموحاتنا الكبيرة المتمثلة في:
- استمرارية التنمية الاقتصادية والبشرية والاهتمام خصوصا بمكافحة ودراسة مستويات الجور والإنتاجية.
- رفع معدل النمو وجعله يفوق معدل الزيادة السكانية.
- زيادة الناتج المحلي الاجمالي ورفع مستوى دخل الفرد عن طريق التوزيع العادل للمحافظة على مستويات المعيشة الحالية واستمرار تحسينها.
وقال الباش إن تنمية تقوم على آلية السوق تحتاج إلى دولة قادرة على القيام بالدراسة والتحليل واتخاذ القرار، بالإضافة إلى قطاع من المتعهدين للأعمال وقوى تتولى إعادة التوزيع وان هذه العوامل ترتبط بمقومات الديمقراطية الثلاثة المواطنة وتمثيل المصالح والحرية التي تهتم بالتحديث الاقتصادي والاندماج المجتمعي وأحد عوامل إعادة توزيع ثمار التنمية والمشاركة واحترام التنوع والحريات وهذا لا يتم إلا عن طريق الاستثمار الذي يخلق نظم جديدة تحمل صفة الديناميكية.
وأضاف أن زيادة معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي والاهتمام بتوزيعه للمحافظة على مستويات المعيشة واستمرار تحسينها يتطلب تشريعات وضوابط قد لا تستطيع آلية السوق تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فإن غياب تلك التشريعات والضوابط قد يفسح المجال لآلية السوق إلى افتراس الضعيف وابعاده عن المشاركة في الحياة والمجتمع. فالحديث عن الحرية الاقتصادية لا يلغي دور الدولة في الإشراف والرقابة على الأنشطة الاقتصادية وتوفير الخدمات الضرورية والأساسية، وهذا يؤكد عدم امكان إلغاء دورها بل يتجه إلى التناقض بقدر ما يعني أن هناك تغيراؤ في شكل وطبيعة هذا الدور بمعنى أن هناك مجال أكبر للسياسات ودورا أقل من التدخل المباشر في الإنتاج.
وأجمل الباش التحديات التي يمكن أن تواجه التنمية مستقبلا في البحرين وتحتاج إلى رؤى واستراتيجيات وسياسات مستقبلية تتمثل في:
- الفكر والممارسة الاقتصادية التين أعطيا أدلة جلية في الدور الكبير للإنسان على الاقتصاد والمنافسة، وهذا ما أكده التحولات والتغيرات التكنولوجية من خلال انتشار التصنيع، وفك الارتباط التدريجي للمادة مع الإنتاج، وهيمنة قطاع الخدمات.
- مشكلة البطالة التي تأتي على رأس قائمة المشكلات التي تشكل أرقا اجتماعيا واقتصاديا وفرديا.
وقال الباش إنه نظرا لفتوة شعب البحرين فإن الفئة العمرية 15 سنة فأكثر للبحرينيين تتزايد بسرعة كبيرة فبعد أن كان حجمها 86,5 ألف شخص في العام 1971م، وصلت إلى 257,5 ألف شخص في العام 2001م، وهذا يشير بشكل جلي إلى أن العدد قد تضاعف ثلاث مرات تقريبا. أن هذا التزايد ينعكس بشكل أساسي على الأعداد التي يمكن أن تدخل سوق العمل وخصوصا من الذكور لأن الإناث قد يواجهن صعوبات تعيقها من دخول سوق العمل .
وأكد الباش أن الصلة بين التنمية والديمقراطية تقوم على علاقات تبادلية تتضمن عناصر سياسية واقتصادية ومجتمعية. فقد تبدو هذه الصلة متعارضة ومتنافرة، إذ إن هناك توترات تنشأ من مقابلة الاستثمارات وتوزيع ثمارها أو تمثيل المصالح المجتمعية ووحدة وتكامل المجتمع، إلا أن ما يجمع بين التنمية والديمقراطية وهو ما يحملانه من صور التغيير المجتمعي المتكاملة والشاملة، أو بكلمات أخرى أن الموقع المتوسط بين إلغاء الحواجز والعوائق التي تعرقل عمل آلية السوق وبين التبعية السياسية والمجتمعية، قد يؤدي إلى إعادة توزيع الثروات والحد من تدخل الدولة في الاقتصاد... وهكذا اقترنت الديمقراطية والتنمية بوصفهما قوتين تعملان لأجل التحرر من الفقر والجهل والتبعية
العدد 455 - الخميس 04 ديسمبر 2003م الموافق 09 شوال 1424هـ