العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ

عبدالرحمن تلفت *

المضاربة

تعتبر المضاربة من أهم الأدوات الاستثمارية لدى المصارف الاسلامية والتي تقوم على أساس الربح والخسارة بين الطرفين. ومعظم العملاء يتعاملون مع المصارف الاسلامية من خلال هذا العقد بينما يجهل تفاصيله الكثير منهم، إذ تبنى معظم الودائع التي يقوم العملاء بإيداعها وحسابات الاستثمار في المصارف الاسلامية على أساس عقد المضاربة. وسنسلط الضوء في هذا المقال على أهم الأمور المتعلقة بعملية المضاربة وبعض أحكامها.

المضاربة هي عقد ينظم التعاون الاستثماري بين صاحب المال الذي قام بتوفير رأس المال والجهة التي تقوم على تشغيل هذا المال واستثماره، بحيث يكون الربح الناتج عن هذه المضاربة مشتركا ومشاعا بين الطرفين على أساس ما يتفقان عليه في بداية العقد. ويسمى الطرف الذي يدفع المال (رب المال) والطرف الذي يقوم بالعمل (المضارب). ومن حكمة الاسلام أنه شرع هذا النوع من العقود لما له من أهمية بالغة في تحقيق مصلحة الطرفين، إذ ان المال لا ينمو إلا باستثماره فاصحاب الأموال لديهم الأموال الكثيرة لكنهم غير خبراء في استثماره وفي المقابل أصحاب الخبرة في الاستثمارات لديهم الخبرة والمعرفة بينما تنقصهم الأموال اللازمة.

وبالتالي فإن المصارف الاسلامية توفر لعملائها من خلال عقد المضاربة الحسابات الاستثمارية. فعندما يأتي العميل ويودع أمواله في المصرف الاسلامي يعتبر هو رب المال والمصرف الاسلامي هو المضارب إذ يقوم استثمار أموال أصحاب حسابات الاستثمار لما له من خبرة ودراية بمجالات الاستثمار. يشار هنا إلى ان المصرف الاسلامي لا يضمن الربح أو نسبة فائدة محددة كما هو الحال في المصارف التقليدية وانما يتفق أرباب الأموال (العملاء) والمضارب (المصرف) على نسبة اقتسام الربح عند تحققه بينهما في بداية التعاقد. فعلى سبيل المثال عندما ينتج عن المضاربة أرباح وكان الطرفان قد اتفقا في بداية العقد على أن تكون نسبة اقتسام الربح 70 في المئة لرب المال و30 في المئة للمضارب. وعليه فيأخذ المضارب (المصرف) نتيجة الجهد الذي بذله في استثمار هذه الأموال 30 في المئة من الربح المتحقق بينما يذهب لأرباب الأموال 70 في المئة.

كما يشار هنا إلى أنه في حال وقع الخسارة فإن الطرفين يشتركان في الخسارة إذ يخسر رب المال (العملاء) اموالهم بينما يخسر المضارب (المصرف) جهده الذي قام ببذله في استثمار هذه الأموال إذا لم يكن المضارب (المصرف) قد أخل بشروط العقد أو كان مقصرا في استثمار أموال أرباب الأموال. أما إذا ثبت ان المضارب قام بالتعدي أو التقصير فإنه يكون ملزما بإرجاع رأس المال لأرباب الأموال. وأحب أن أوكد هنا أن المصارف الاسلامية لها الخبرة الواسعة لاستثمار هذه الأموال وتقوم باستثمارها في ادوات ليس فيها نسبة مخاطرة كبيرة ما يلغي ويضعف نسبة خسارة أي عميل لرأس ماله. كما أن بعض المصارف الاسلامية تقوم برصد بعض الاحتياطات اللازمة لتعويض المودعين في حال أية خسارة قد تحدث للاستثمار مثلا احتياطي معدل الأرباح واحتياطي مخاطر الاستثمار. وتقوم بعملية التعويض هذه ليس من باب الالزام لها إذ ان العقد لا يشترط ذلك بل من أجل ان تحافظ على سمعة ومكانة المصرف بين عملائه.

ويتضح من عملية المضاربة الفرق الكبير بينها وبين حسابات التوفير والودائع في البنوك التقليدية. ففي المصارف الاسلامية لا يوجد أي منتج يسمى وديعة أي يعطى عليه العميل مبلغ فائدة ثابت بل توجد الحسابات الاستثمارية والتي تقوم على أساس عقد المضاربة. فالمصارف التقليدية تضمن للعميل نسبة فائدة محددة بغض النظر عن حجم الأرباح التي حققتها تلك البنوك. فمثلا قد يستثمر البنك التقليدي أموال المودعين ويحصل على أرباح تصل إلى 15 في المئة أو أكثر من ذلك بينما هو يعطي المودعين نسبة فائدة تصل الى 4 في المئة فقط وهي النسبة التي قام بضمناها للعميل عند تسلمه لأمواله ما يوقع الظلم على أحد الطرفين هنا وهو العميل. والعكس صحيح فقد يستثمر البنك التقليدي الأموال ويكسب من ذلك الاستثمار فقط ما نسبته 2 في المئة وبما أنه ضمن للعميل نسبة الفائدة 4 في المئة فبالتالي هو ملزم لأن يدفع للعميل باقي المبلغ من حاسبه ما يؤدي إلى ظلم أحد الطرفين وهو البنك. وعليه فقد حرم الاسلام الظلم ووضع القاعدة الرائعة «لا تظلمون ولا تظلمون» فنرى أن عقد المضاربة خال من الظلم والغرر لكلا الطرفين فكلما زادت الأرباح استفاد كلا الطرفين. *مؤسسة نقد البحرين

العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً