كشف النقاب أخيرا عن خطة بشأن إجراء تخفيضات ضخمة في المعدات العسكرية من أجل ضخ مزيد من المال لعمليات الاستخبارات ذات التكنولوجيا العالية. ومن المحتمل أن تثير تلك الخطة حربا سياسية لا هوادة فيها مع رؤساء الوحدات العسكرية. مادام وزير الدفاع جيف هون قد اقتنع بأن التهديدات الأساسية لبريطانيا تأتي من الارهابيين والخارجين عن القانون، الذين تجب مهاجمتهم بدقة متناهية بدلا عن الأسلحة التقليدية.
وكان من المقرر أن ينشر هون تقريرا رسميا عن الدفاع طال انتظاره، ولكن من الواضح أن هذه التخفيضات لم يعلن عنها في حينها لأن الوزير يريد أن يقلل من رد الفعل السياسي المنتظر، ومع ذلك ربما تظهر هذه التخفيضات خلال الفترة المقبلة.
ويخشى رؤساء الوحدات من خسارة ملايين الجنيهات المستحقة لمعدات عسكرية موعودة. وسيحتدم الجدل بسبب الفشل المدهش لأجهزة الاستخبارات في الحكم على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وقبل ارسال القوات البريطانية للحرب على العراق، ادعى طوني بلير في ملف منشور أن نظام صدام حسين لديه «إمكانات أسلحة كيماوية وبيولوجية صالحة للاستعمال» تمثّل تهديدا «خطيرا ووشيكا للغرب». ودأب مئات المفتشين لفترة طويلة على تمشيط العراق طولا وعرضا، بحثا عن هذه الأسلحة لكن دون جدوى.
وربما تكون احدى ضحايا السياسة الجديدة مقاتلات اليوروفايتا تايفون بقيمة 50 بليون جنيه استرليني التي طوّرت بالاشتراك مع فينميكانيا الإيطالية ومجموعة صناعة الفضاء الأوروبية. والدفعة الأولى المكونة من 620 طائرة هي الآن تحت التصنيع، ولكن هناك مخاوف من أن تتأثر الدفعة الأخيرة المكونة من 236 طائرة بهذه التخفيضات.
وهيأت البحرية الملكية أيضا نفسها لتشهد هزّة بسببها، إذ يمكن أن تعني التكنولوجيا المحسّنة أن الطائرة الجديدة يمكن أن تفقد 10 في المئة من حجمها من دون الاضرار بفعاليتها. وهناك شكوك بأن تتضرر الناقلات المصغّرة بالمقاتلة متعددة المهمات التي من المقرر أن تدخل الخدمة مطلع العقد المقبل. وسيكون عدد الطائرات المشتراة أقل بنحو 40 طائرة مما كان مخططا له في البداية.
وتحدّث جيف هون عن الفلسفة من وراء التقرير الرسمي الدفاعي في كلمة له في يوليو/ تموز الماضي قائلا: «ان الخطة تركز على إضعاف إمكانية العدو لممارسة قيادة وسيطرة فعالة على قواته بدلا من الاستنزاف الذي يجري في ساحة المعركة». كما وجّه هون أيضا كلمة إلى مدينة لندن الشهر الماضي لمواجهة المخاوف بأن الآلاف من منتسبي الجيش سيصبحون فائضين عن الحاجة عندما يجري تخفيض وجود الجيش في ايرلندا الشمالية من 14 ألف جندي إلى 5 آلاف خلال السنتين المقبلتين. وجزم هون بأنه يرغب في الابقاء على الجيش في حجمه الحالي الذي يقدّر بنحو 103 جندي مدرب، وحتى ذلك سيترك الحكومة عرضة للانتقاد بأنها تطلب من عدد قليل جدا من الجنود القيام بمهمات كثيرة.
وقال رئيس هيئة الدفاع سابقا المشير بيتراينج في مجلس اللوردات الأسبوع الماضي: «إن قواتنا المسلحة قليلة مقارنة بالمهمات الملقاة على عاتقها، اذ يحتاج الجيش إلى حد أدنى يقدر بنحو 4000 إلى 5000 رجل وامرأة لزيادة وحدات معينة وجعلها أكثر قوة».
ويخشى أن يكون التقرير الرسمي مجرد مقالة مطوّلة تستخدمها وزارة الدفاع كتمويه لتغطية ما يمكن أن يكون في نهاية المطاف تخفيضات مؤلمة. ومن المحتمل أن تكون غالبية عمليات المستقبل مثل تلك التي جرت في أفغانستان أو سيراليون، إذ لا يوجد جيش نظامي كبير يمكن التغلب عليه كما كان الحال في العراق.
واظهر هون ابتهاجه لنجاح «العمليات» المبرمجة بالكمبيوتر المرتكزة على صورة الأقمار الاصطناعية والاستخبارات التي وفرت خمسة خيارات للاستيلاء على البصرة جنوب العراق نهاية مارس الماضي.
يذكر أن فريقا من خبراء الكمبيوتر في وزارة الدفاع اخترع نموذجا كمبيوتريا يتضمن معلومات عن مواقع القوات العراقية وأسلحتها وحتى ثكناتها والخنادق التي يختفي فيها أفرادها.
ينشر المقال بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية
العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ