سجلت مملكة البحرين إنجازا كبيرا في مجال التنمية البشرية وفقا لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لهذا العام، إذ حصلت على المركز الأول على مستوى الدول العربية وتقدم ترتيبها إلى المركز السابع والثلاثين دوليا من بين 174 دولة شملها التقرير. وترجع أهمية المركز الذي حصلت عليه البحرين في مجال التنمية البشرية إلى أنه سيفتح لها مجالات أخرى كثيرة للنجاح والتقدم وخصوصا أنها مكان مناسب لجذب الاستثمارات الخارجية والتي تبحث عن الربح الذي يحتاج إلى عدة مقومات أهمها توافر البنية الأساسية الملائمة والعنصر البشرى الكفء والاستقرار السياسي والاقتصادي. وقد حفل التقرير بالكثير من الأرقام والإحصاءات التي تؤكد العلاقة الجدلية بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين التنمية البشرية التي تصب في النهاية في قناة تأمين الحرية والرفاهية والكرامة لجميع الناس.
ويعتمد التقرير على الكثير من العوامل التي تأخذ في الاعتبار نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليم والصحة والبيئة ومستوى المعيشة ونسبة المواليد والوفيات في 17 دولة. ويقوم بإعداد هذا التقرير الذي دأب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إعداده كل عام منذ العام 1990 فريق مستقل من الخبراء والمتخصصين في استطلاع القضايا الرئيسية التي تمثل الشاغل الأساسي للبشرية في جميع أنحاء العالم.
التنمية في الصدارة
ولاشك أن حفاظ البحرين على موقعها يعد دليلا قاطعا على أن موضوع التنمية البشرية في البلاد يتصدر اهتمامات الدولة باعتباره الأولوية القصوى والآلية الأساسية التي تضمن تطور البلاد نظرا إلى أن الإنسان هو الثروة الحقيقية لأية دولة تنشد أن تتبوأ مركزا في الصدارة في عالم اليوم. ولعل هذه الإنجازات التي حققتها البلاد في الكثير من المجالات البشرية تدفع للسؤال عن العوامل التي أوصلت البحرين إلى هذه المكانة التي تحافظ عليها منذ ثماني سنوات. وفي الواقع، فإن تجربة البحرين في مجال التنمية البشرية تقوم على رؤية أساسها التوازن الدقيق بين التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية فالتنمية الاقتصادية لخدمة التنمية البشرية والتنمية البشرية تقود التنمية الاقتصادية. كما تؤمن القيادة البحرينية بأن الإنسان هو محور التنمية وهدفها في آن واحد وأن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار الذي ينمي طاقات الفرد ليلحق بحركة التطوير والنهضة الحديثة. وقد طبقت حكومة البحرين هذه الرؤية على أرض الواقع إذ وجهت أكثر من 40 في المئة من مصروفاتها المتكررة إلى الخدمات الاجتماعية.
تحدي الزيادة السكانية
وعلى رغم ارتفاع معدل الزيادة السكانية السنوية الذي يبلغ 3,5 في المئة، فقد آمنت البحرين بأن الاستثمار في بناء الإنسان هو الاستثمار الحقيقي لأنه هو العنصر الأساسي والمحوري من عناصر التنمية البحرينية. وإذا كان التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة قد عدد الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها البحرين طوال العام الماضي وجعلها تتأهل لتبوؤ مركز الصدارة فإن هناك الكثير من العوامل المهمة الأخرى غير المادية التي لعبت دورا مهما في تحقيق هذا الإنجاز. ومن هذه العوامل المهمة، التلاحم القوي بين الشعب والقيادة والإيمان بهدف واحد يسعى الجميع إلى تحقيقه وإنجازه وإحساس المواطنين بالعوائد المباشرة لبرامج التنمية. ومن العوامل المهمة الأخرى هو العدل الاجتماعي والمساواة بين كل أفراد وفئات الشعب البحريني، ما ساهم في توفر حماية اجتماعية لمسيرة التنمية حفظتها من أية محاولات للعبث بها، كذلك الانفتاح على العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
إدارة رشيدة للموارد
إن الإدارة الرشيدة والحكيمة للموارد المحدودة اعتمدت على عدة أسس أهمها تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة من خلال توجيهها إلى المجالات المناسبة وتنويع مصادر الدخل وإعطاء أهمية خاصة للجوانب التي تتمتع فيها بميزات نسبية، ومن هنا جاء الاهتمام البحريني بالسياحة والفنادق وقطاعي المصارف والمعارض وغيرهما. كما أن تبوؤ البحرين هذه المكانة ثماني سنوات متتالية يعكس مجموعة من الدلالات والحقائق أهمها أن الإنجاز البحريني يعني أنه نتاج سياسة ثابتة ومتزنة تير باطراد وتقدم وثانيا يعتبر البحرين دولة صغيرة المساحة ومحدودة الموارد إلا أن ذلك لم يمثل قيدا على طموحاتها أو يقف عائقا أمام تطلعاتها، إذ أثبتت أن الاهتمام بالإنسان هو مفتاح التقدم وأن تنمية الموارد البشرية هي التنمية الحقيقية التي تقود إلى التقدم والرقي.
شهادة نجاح مهمة
وثالثا ان ما حققته البحرين في مجال التنمية البشرية هو شهادة نجاح على سياستها الداخلية بشكل عام اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، إذ لا يقتصر تقرير الأمم المتحدة على معيار واحد أو يركز على أحد الجوانب دون الأخرى للخروج بتصنيفه النهائي للدول ومنها مجالات الاقتصاد والتجارة والخدمات الصحية والاستثمار والتعليم ودور المرأة والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان ومبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية إضافة إلى الانضمام للاتفاقات الدولية ومحاربة العنف ضد المرأة وغيرها من المعايير. وفي اطار الحديث عن هذه الجوانب، يمكننا الإشارة إلى أن البحرين خصصت الجزء الأكبر من إجمالي مصروفاتها للإنفاق على الخدمات الاجتماعية وتحديدا الصحة والتعليم. وفيما يتعلق بالتعليم فقد استطاعت البحرين القضاء شبه نهائيا على الأمية، إذ يبلغ عدد مراكز محو الأمية في البحرين 42 مركزا للرجال والنساء ينتظم فيها 4388 دارسا ودارسة. وتوضح الأرقام نجاح هذه الجهود في تخفيض نسبة الأمية، كما حرصت القيادة العليا على توفير مقعد دراسي لكل طالب في البحرين وهى ماضية في ذلك باستمرار كثابت من ثوابت سياستها ولم يكن هناك أي تأثير للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها المنطقة بكاملها أو العجز في موازنة الدولة على مستوى الخدمات التعليمية في البلاد. وفيما يتعلق بالصحة فإن تطور الخدمات الصحية في البلاد من خلال اهتمام الحكومة بتمويل البرامج الصحية غير المحدود والدائم ساهم في زيادة متوسط العمر المأمول عند الإنسان وزادت نسبة كبار السن في المجتمع حتى وصلت في الوقت الحاضر إلى 2,2 في المئة من نسبة السكان ممن تزيد أعمارهم على 65 سنة. وتوضح دراسات استشراف المستقبل أن نسبة كبار السن ممن تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستتضاعف ثلاث مرات في البحرين عما هي عليه الآن مع نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
توطين العمالة
وفيما يتعلق بتوطين العمالة فإن من الأهداف الرئيسية التي تسعى إلى تحقيقها الحكومة في المرحلة الحالية توفير فرص العمل للعمالة الوطنية واستيعاب أكبر عدد ممكن من الداخلين في سوق العمل باعتبار أن إيجاد وخلق فرص العمل للمواطن هو السبيل لتحقيق أمن واستقرار المجتمع. وينظر المحللون بتفاؤل إلى جهود وزارة العمل في هذا الصدد إذ تظهر النتائج والاحصاءات اطراد خلق فرص عمل جديدة تزامنا مع إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الاجنبية. وقد خصصت الدولة اربعة في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي لقطاع الاسكان ما أدى إلى أن نصف سكان البحرين يعيشون في بيوت وثلثهم في شقق فيما تسكن البقية في مساكن تقليدية.
التزام الدولة بالتمليك
ومع تولي حضرة صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة مهمات الحكم، وعلى رغم الملفات الكثيرة أمام جلالته فقد أكد في خطابه بمناسبة العيد الوطنى للبلاد يوم 16/12/1999 التزام الدولة بتمليك كل أسرة بحرينية مستحقة أرضا سكنية عن طريق الهبات بحسب نظام محدد ومع توفير الخدمات الاساسية لها. وفي مجال المرأة فقد فتح المجال واسعا أمام عمل المرأة بحيث أصبحت تشغل أكثر من 19 في المئة من سوق العمل وتبوأت مراكز قيادية ولها الكثير من الجمعيات الأهلية التي تقودها نساء أيضا تدافع عن حقوقها وتفعّل دورها في المجتمع. كما شهدت البحرين عناية خاصة بالأسر المحتاجة من خلال الإعانات والعمل على تحويلها الى أسر منتجة عبر دورات تدريبية لتعليم أفرادها الأعمال المهنية المنتجة اضافة إلى الاهتمام بالمسنين والمعوقين، وقد تزامن مع ذلك إيمان الدولة والمجتمع ككل بدور المؤسسات التطوعية ما أدى الى تزايد عددها بحيث وصلت الى 186 مؤسسة
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ