العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ

خطوة «الإسكان» محفوفة بالآمال وبعض التوجس المشروع

عندما أسفر وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر في لقائه مع «الوسط» عن مجموعة من التصورات والخطط المستقبلية المتعلقة بجوانب شتى من حياة المواطن البحريني وذكر أن الوزارة ليس لديها القدرة في السيطرة على أسعار الأراضي، ولكنها تتدخل بشكل ايجابي للحد من غلائها، وذكر أنه سيطرح قريبا مشروعا لبيع الأراضي في المنطقة الشمالية، ضمن مشروع تطوير المناطق المجاورة للقرى، في محاولة لخفض أسعار الأراضي إلى مستوى مناسب لا يقارن بأسعار السوق، كل هذه التصريحات أشاعت جوا من الأمل العظيم لدى أبناء المناطق التي طالما حلموا بامتلاك قطعة أرض كخطوة أولى، تليها الخطوات التي يستعينون فيها على كل ما علمتهم الحياة من مهارات لكي يبنوا عليها بيوتا تضمهم.

ذلك حلم جميل ولكن الوزارة ساعية فيه، وإذا ما تحقق حقق معه طموحات الكثير من الأسر الفقيرة التي أرهقها الغلاء الفاحش في سعر الأراضي. فكيف يرى الناس هذه الخطوة وهل يرونها خطوة عظيمة تشكر عليها الوزارة، أم يرونها تفتقر إلى أمور كثيرة وملابسات ربما قصرت كثيرا في نجاحها؟!

بداية تقول فاطمة عبدالجواد (موظفة): «أصبحنا نشعر بصدق بمدى الحب الكبير الذي تكنه لنا الحكومة، لذلك وعندما بلغنا الخبر المذكور لم نكن بالمستغربين من هذا القرار الصائب، فلا أجمل من أن يكون لكل فرد منا بيت في قريته، حتى لو دفع مبالغ كبيرة نسبة إلى راتبه المتدني لأجل هذا البيت الذي يعني بقاءنا مع أهلنا وأصدقائنا، ولا أتصور أحدا من أفراد المجتمع البحريني، لم يفرح بهذا الخبر، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الأراضي بشكل جعلنا دائمي التفكير في وضعنا وأوضاع أبنائنا، في الوقت الذي تبخر فيه حلم البيت السعيد إذا بسمو ولي العهد يبشرنا بهذه الخطة الجديدة التي أثلجت صدورنا وأقرت أعيننا».

حقوق في الأرض

ويقول صابر عبدالله (موظف في طيران الخليج)، مطالبا بالمزيد: «هل أطالب بالكثير عندما أقول إننا أبناء هذا البلد من حقنا الحصول على هذه الأرض من دون مقابل لنبني عليها بيوتنا ونؤسس فيها أسرا؟ وإلا فكيف نستطيع ذلك مع هذا الغلاء وهذه الحياة الصعبة؟ وكم أتمنى لو خرج علينا جلالة الملك المفدى بمكرمة تهبنا هذه الأراضي من دون مقابل لتسعدنا وتختصر مشكلات ومنغصات كثيرة، فهذه الخطوة التي دشنها الوزير ربما حققت الكثير، لكنها غير كافية بالنسبة إلى الإنسان الفقير».

بينما ميثم علي مسعود (موظف في جامعة البحرين)، والسعيد جدا بهذه الخطوة، يرى أنها ربما أفرزت مشكلات أخرى، إذ يقول: «هناك جانب مهم في هذه التجربة العظيمة والتي أرجو أن تتجذر وتعود على الناس بالخير الكثير، جانب يجب عدم إغفاله، فمن المؤكد أن شراء هذه الأراضي وبيعها على الناس بسعر لا يتجاوز الدينار والثمانمئة فلس للمتر، يعتبر خطوة عظيمة ولكن أين هو موقع هذه الأراضي؟ أليست موجودة في أماكن مأهولة بالسكان في القرى؟ فكيف هي حال الناس الذين يملكون بعض الأراضي ولكن ليس لها تسجيل أو توثيق بأسمائهم؟ هل يتصور إنسان أن أحدا سيقبل إعطاء أرضه إلى غيره، أو هل يقبل أي إنسان في المشاركة في «الاستيلاء على أرض يعلم أنها لآخرين؟».

وعلى المنوال نفسه تضيف ماجدة يوسف: «مع احترامي الشديد لمرامي وتوجهات وزارة الأشغال والإسكان لاحتواء مشكلة السكن، إلا أنني أرى أن الوزارة سائرة في طريقها من دون التعرف على أخطائها، فهذا المشروع الذي تنوي الوزارة القيام به، سبقه مشروعان وستليه مشروعات أخرى، فهل أخذت الوزارة باستفتاء آراء الناس قبل المضي فيه قدما؟ ذلك أن الدراز وسترة لاتزالان تعانيان من مشكلات حقيقية جراء هذا المشروع لم تحل، وبدلا من التوجه إليها ومحاولة احتوائها، تمضي الوزارة قدما في مخططها».

وتستطرد: «إن ما أستغرب منه حقيقة هو مباركة أعضاء المجلس البلدي لهذه المشروع، من دون أن يكلفوا أنفسهم نقل شكاوى الناس وهمومهم إلى الوزارة... نعم نحن محتاجون إلى هذه المشروعات ونثمن جهود المسئولين، ولكني أرى أن يتم حل مشكلات الخطوة الأولى قبل التوجه إلى الخطوة الثانية».

العقاريون أيضاَ

أما أصحاب مكاتب العقار فتراوحت آراؤهم بين مصالحهم كأصحاب عمل ومصالحهم كأفراد مثل غيرهم من الناس، اذ يقول عبدالله راشد صاحب «لآلئ للعقارات»: «نحن مع المصلحة العامة وهذا التوجه في مصلحة الناس وخصوصا محدودي الدخل منهم، فأسعار الأراضي قد ارتفعت بشكل جنوني، وهي تشكل بالنسبة إلى الناس مشكلة عظيمة يجب التصدي لها، فالناس لم يعودوا قادرين على شراء الأراضي لدرجة أن متوسطي الدخل أصبحوا في منزلة واحدة مع محدودي الدخل. فإذا أصبحت الأسعار في متناول أيدي الناس كان ذلك مفيدا لهم، وزاد بذلك انتعاش السوق، فالمصلحة متبادلة».

ويرى إبراهيم عبدالله صاحب «وكالة الموصل العقارية»، مؤيدا «لا شك أنها خطوة عظيمة متى حفظ حق المواطن فيها، بمعنى أن يكون هناك تأكيد أو شبه تأكيد من أن المستفيد منها هو هذا الرجل العادي ذو الدخل المحدود، وليس أناسا متنفذين يجدونها فرصة لبيع الأراضي بسعر مرتفع ثم شرائها بسعر زهيد ومن ثم بيعها على المواطنين، لذلك أنا في سؤال عمن يحفظ حق الناس من ألا تباع هذه الأراضي إلى المستثمرين الأجانب، من يضمن أن تكون للناس العاديين من أبناء هذا البلد الذين هم الأحق بها لأنهم لوحدهم من يعاني من هذه الحياة ومراراتها؟ وإنني لأشد على يد الوزارة المعنية بهذه الخطوة وأتمنى أن تكون على أرض الواقع».

ولكن فاضل جواد أحد المساهمين في «الخليل العقاري» له رأي مختلف مفاده أن هذه الخطوة ستضر سوق العقار ضررا كثيرا «فلا يخفى على أحد أن هناك قلة في عدد الزبائن ونحن نقع الآن في هذه المشكلة، لذلك أرى أن تتقدم الوزارة بمساعدتنا بمنع شراء هذه الأراضي إلا عن طريق المكاتب العقارية، ففي ذلك فائدة لنا وللمواطنين، فنحن لسنا مسئولين عن ارتفاع أسعار الأراضي حتى يتم إبعادنا، فالارتفاع في أسعار الأراضي ناتج عن أسباب أخرى أفرزتها تقلبات وتغيرات السوق البحرينية والخليجية» .

رئيس تسهيلات البحرين عبدالرحمن فخرو، أكد تخصيص هذا التوجه «السؤال الذي يطرح نفسه من هم المستفيدون من هذا المشروع الضخم؟ فإن كانت الفائدة تصب في مصلحة المواطن العادي ففي ذلك خير كثير، ولكن إذا انعكست الآية فاستغل التجار الكبار المسألة فاشتروا هذه الأراضي، أصبحت المسألة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الناس البسطاء، لذلك أجد أنه من الضرورة بمكان أن يكون هناك تخصيص للناس المحتاجين، فمن غير المرغوب فيه أبدا أن يستفيد أصحاب الأراضي من هذه العروض فيضعوها من جديد في السوق ويزايدوا عليها، فأسعار الأراضي تشهد ارتفاعا مطردا من الداخل ليس للمستثمر الأجنبي أي دخل فيه، فليس له ذلك التأثير الكبير في ارتفاعه، فهم لم يعطوا الحق إلا في مناطق معينة وإننا نحصل أيضا على فرصة الشراء خارج البحرين فما هو الفرق بيننا وبينهم؟».

خطوة موفقة

إلى ذلك يرى رئيس بلدي الشمالية سيدمجيد سيدعلي، أنها خطوة موفقة، وهو إذ يدلل على ذلك ويقول: «كيف لا وهي محاولة رائعة لمساعدة الذين لا يمتلكون بيوتا ومساكن لهم؟». مؤكدا أنها خطوة كبيرة، وخصوصا أنها تنسجم مع خطة إبقاء المواطنين في أماكنهم حيث قراهم، إذ لكل منطقة خصوصيتها. إن هذا المشروع قد شهد خطوتين مهمتين تمثلت الأولى في الدراز والثانية في سترة وجاءت بنتائج ممتازة، ونأمل أن يكون لها تأثير عظيم في المنطقة الشمالية، فتخطيط الأراضي الخام وتنسيقها بصورة تراعي مكانها الطبيعي، جهد مشكور».

ولا يخرج كلام رئيس بلدي المحرق محمد عيسى الوزان، عن ذلك فيقول: «إن لجنة الإسكان والإعمار التي يترأسها سمو ولي العهد، وضعت نصب عينها الاهتمام بهذا الجانب المهم من حياة المواطنين، ونحن كمواطنين وقبل أن نكون أعضاء في المجلس البلدي نثمن هذه الجهود العظيمة ونعلم علم اليقين بما تسعى إليه المملكة جاهدة في حل جميع مشكلات المواطنين. إن هذه الخطوة مع المكرمة السامية من لدن الملك بالاهتمام بالبيوت الآيلة للسقوط وترميمها خدمة للمعوزين والأرامل واليتامى إنما هو توجه حقيقي من قبل المملكة لخدمة الناس».

ويتكلم رئيس أمناء صندوق الدراز الخيري عبدالحسن المتغوي، فيقول: «هذه الخطوة الكبيرة لم تستطع أن تحل المشكلة، فقد كان الناس من قبل يحصلون على هذه الأراضي من دون أن يتكلفوا أثمانها الباهظة، ولكنهم الآن أصبحوا يحصلون عليها بالأموال، فكيف هو حال الرجل الذي ظل لفترة طويلة بانتظار هذا البيت وهذه القطعة من الأرض، ما حظه وهو لا يمتلك ما يشتري به الأرض، ولا يمتلك راتبا كبيرا يساعده؟ ثم إن التجربة التي حدثت في الدراز قد أفرزت مشكلات لم يتطرق أحد الآن إلى حلها، فهنالك من الأراضي ما هي تحت مسمى «الوقف»، ولا يوجد إثبات توثيقي لها في المحاكم، فكيف تم التعامل معها، وهنالك أراضٍ أيضا معروفة باسم عائلة معينة ويحفظ الناس أسماء أصحابها، فأين هو حل هاتين المشكلتين؟».

ويردف للكلام السابق نائب رئيس مجلس أمناء صندوق سترة الخيري علي عبدالنبي كاظم «لقد كانت لسترة تجربتان بهذا الخصوص، كانت الأولى فاشلة، بينما تكللت الأخرى بالنجاح، إذ أقيمت التجربة الأولى في قرية مهزة، على مساحة من الأرض وضعت عليها وزارة الأشغال والإسكان يدها بحجة أنها غير موثقة، ولكنها كانت معروفة عندنا بأنها لعائلة هاجرت إلى العراق، لذلك كان هناك تردد كبير من قبل من كانت هذه الأراضي من نصيبهم، وخصوصا أن العلماء أبدوا احتياطا كبيرا حينما سألهم الناس فقالوا: إنه لا بأس في أخذها على أن ترد إلى أصحابها فيما لو ظهر صاحب لها»

العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً