كثيرة هي الوعود، وجميلة هي التصريحات، ولكن أن تدخل حيّز التنفيذ فهذا هو الأجمل.
فمن عيدنا الوطني السابق إلى عيدنا الوطني الحالي، ثمة قضية لاتزال تعكّر صفو احتفال المواطنين في كبرى أعيادنا الوطنية، إنها الملف الإسكاني الشائك الذي تتعلق به آمال شريحة عريضة من أبناء البحرين، فإما أن يكون احتفالهم بالعيد حقيقيا... ظلال بيت هانئ ومستقر يجمع شملها بعد طول معاناة، وإما تتنكس لديهم مظاهر الاحتفال وتجرح.
و«الوسط» تستعرض في هذا اليوم الوطني عاما كاملا من ملفات القضية الإسكانية التي عاصرها المواطن، في الوقت الذي كانت فيه التوجيهات الملكية قد عملت على إعادة الأمل لترتسم الفرحة مرّة أخرى على قلوب هذه العائلات الحالمة بالسكن اللائق.
المدن الأربع... الحلم الأكبر
في الأيام الأولى من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2002، حظيت الزيارة التاريخية التي قام بها سمو ولي العهد - رئيس لجنة الإسكان والإعمار - للمحافظة الشمالية في الثالث من الشهر ذاته بمتابعة إعلامية كبيرة، ففي الأيام الثلاثة الأولى من أكتوبر نشرت «الوسط» تفاصيل الزيارة على صفحاتها الأولى، و توّجت في الرابع من الشهر نفسه عندما نقلت حفل وضع حجر الأساس للمدينة الشمالية التي ستضم 20 ألف وحدة سكنية على مساحة تقارب 1500 هكتار من المساحات البحرية المتاخمة للمحافظة الشمالية. كما نشرت «الوسط» في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني تصريحا لعضو لجنة الإسكان والاعمار ورئيس المجلس البلدي في المحافظة الشمالية مجيد سيدعلي كشف فيه «أن العمل في المدينة الشمالية سيبدأ خلال العام المقبل (الجاري)، مؤكدا أن الشركة الفرنسية لتخطيط المدن ستفتتح مكتبا لها في البحرين لهذا الغرض».
وتعتبر المدينة الشمالية إحدى أربع مدن تعتزم الحكومة بناءها، للمساهمة في حل أزمة السكن التي تعاني منها المملكة.
وكانت لجنة الإسكان والإعمار، التي يترأسها سمو ولي العهد، قد أقرت في أكتوبر من العام الماضي أربع مناطق للتعمير، كجزء من الخطة الوطنية الشاملة للتنمية الإسكانية والعمرانية.
تقع المدينة الأولى شرقي جزيرة المحرق، في منطقة بحرية منخفضة نسبيا، بمساحة تقريبية تبلغ أربعة كيلومترات مربعة في ستة كيلومترات مربعة. وتشكل منطقة التعمير جزءا من المخطط العام لجزيرة المحرق وتبلغ المساحة الإجمالية للموقع حوالي 2150 هكتارا سيتم تعميرها على مراحل.
والمدينة الثانية تقع شرقي سترة، في المنطقة الضحلة من الساحل الشرقي لجزيرة سترة وعلى مساحة تقريبية تبلغ حوالي 350 هكتارا.
أما المدينة الثالثة فتقع غربي مدينة حمد، إلى الشرق من قريتي دمستان وكرزكان، وتبلغ مساحة الموقع حوالي 80 هكتارا، منها 20 هكتارا من الملكيات الخاصة.
وتقع المدينة الرابعة على المنطقة الضحلة من الساحل الشمالي لجزيرة البحرين الأم.
مواطنو هذه المناطق الأربع - الذين لايزالوا في انتظار تنفيذ هذه المكارم الملكية - عبروا لـ «الوسط» عن قلقهم لتأخر هذه المشروعات الإسكانية عن مواقيتها المحددة، خوفا من أن يعفي عليها الزمن لتكون نسيا منسيا.
القرى المحرومة
لم تكن قضية القرى غائبة عن عدسات «الوسط»، بل كان حالها المأسوية الحاضر الأكبر فيها في عام كامل، ففي السابع عشر من يوليو/ تموز من هذا العام نشرت «الوسط» تحقيقا موسعا عن قرية صغيرة من قرى البحرين الجميلة، قرية لطالما عايش أهلها الحرمان، وكأنها تحولت - على رغم جمالها - إلى سجن كبير يخنق أبناءها المعتقلين في بيوتات متهالكة - ان جاز لنا التعبير - لا تنم عن العيش في مملكة تنعم بالرفاه الاقتصادي. إنها «أبوقوة»... بيوت آيلة للسقوط على رؤوس ساكنيها في أية لحظة، وعائلات معدومة تقطن في بيوت خربة.
حملت «الوسط» الحصيلة التي خرجت بها إلى رئيس بلدي الشمالية سيدمجيد الذي علّق قائلا: «إن القضية الإسكانية تمت إثارتها في أروقة المجلس البلدي غير مرة، وتمت مناقشتها بشكل مستفيض في اجتماعات لجنة الإسكان والإعمار برئاسة سمو ولي العهد باعتبارها مشكلة وطنية لا تقتصر على هذه القرية وحدها، وإنما يتسع إطارها ليشمل كل قرى المحافظة الشمالية من دون استثناء(...) إنها مشكلة اقتصادية بحتة، إذ إن المسكن الكريم لكل مواطن يجب أن يكون دائما على رأس الأولويات الحكومية في المرحلة المقبلة، ويجب علينا الضغط بهذا الاتجاه».
مأساة تراوح 20 عاما
في الواحد والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، كان الناس على موعد مع مفاجأة من العيار الثقيل، ولكن في الرفاع هذه المرة... بجوار قلعة الشيخ أحمد الفاتح الأثرية، هنالك أزقة قديمة تملكها البلدية، تقع بمحاذاة سلسلة جبلية تعزل المنطقة عن محيطها الديموغرافي، يعرفها الأهالي بـ «فريج لبنان». أهل المنطقة يصرخون ملء أفواههم، راح بعضهم يستجدي كل ذي شفقة طوال عشرين عاما. 25 أسرة تقطن صناديق خشبية، أصبحت الملاذ الوحيد الذي يتوارثه الأبناء طوال عقدين من الزمن.
«الوسط» التقت رئيس اللجنة الشبابية في الصندوق الخيري خالد موسى، الذي حدد معاناة أهالي منطقته شبه المنكوبة قائلا: «بدأت المعاناة قبل ما يربو عن 20 عاما، عندما وافقت البلدية - بإلحاح من الأهالي المعوزين - على تأجير المنطقة لهؤلاء الفقراء، ليقيموا عليها منازل خشبية مؤقتة لأشهر معدودات، ريثما يحالفهم الحظ في الحصول على وحدات سكنية من وزارة الإسكان التي أكدت حينها أن العمل جار على قدم وساق لبناء وحدات سكنية جديدة، لكن الكارثة تمثلت في تحول هذه الصناديق الخشبية إلى منازل دائمة، وقد بلغت المشكلة ذروتها عندما تلقى الأهالي ذات صباح إنذارات رسمية من البلدية تأمرهم بإخلاء هذه المنازل سريعا، وفي غياب البديل يكون الشتات حتما هو سيد الموقف».
عضو المجلس البلدي المنتخب عن المنطقة خالد العاثم فجر قضايا مهمة ذات صلة وثيقة بمعاناة الأهالي إذ قال: «إن مشكلات هذه المنطقة تمت إثارتها مع وزير الإسكان السابق، وتم الاتفاق على إلغاء الرسوم التي تفرضها البلدية مقابل تأجير هذه المنازل - وهذا ما نفاه السكان - وكانت هناك عقبات (لم يسمهّا) كانت تحول دون إحراز أي تقدّم في هذا الملف (...) وقد أثير هذا الموضوع في اللقاء الأخير الذي جمع الأهالي بمحافظ الجنوبية الذي زار المنطقة برفقة سمو ولي العهد».
بعد أيام من نشر «الوسط» لهذا التحقيق الصحافي أعلن محافظ الجنوبية سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة عن مكرمة ملكية بحل مشكلة الأهالي بتنفيذ مخطط سكني يستفيد منه جميع المعوزين من أبناء المنطقة، وأعلنت الكثير من الفعاليات السياسية والنيابية والبلدية عن فرحتها إزاء هذا المشروع الطموح، إلا أن السكان مازالوا ينتظرون بأحر من الجمر تنفيذ هذه المكرمة.
القرية المنسية
من منطقة «لبنان» إلى قرية تضاهيها في درجة السوء، إنها القرية المنسية أو هكذا يسميّها الأهالي، التي نشرت «الوسط» معاناتها في تحقيق موسّع نشر في يوم الأحد الموافق للسابع عشر من أغسطس من هذا العام، و التقت نشطاء القرية، وممثلها في المجلس البلدي.
الناشط في الصندوق الخيري أمير أحمد صرّح لـ «الوسط» قائلا «هناك أكثر من 60 طلبا من القسائم السكنية مودعة في أدراج وزارة الإسكان، منذ ما يربو على عشر سنوات، على رغم وجود الكثير من أراضي القرية توهب لموسرين، وخصوصا تلك الواقعة عند مدخل القرية، وقد وعد سمو ولي العهد خلال زيارته الأخيرة للقرية على هامش تفقده لقرى المحافظة الشمالية بحل المشكلات التي تعاني منها القرية، وبعد هذه المبادرة الموفقة قام الأهالي بمراجعة الوزارة المعنية (الإسكان) غير أن تقدما لم يطرأ حتى الآن».
الفلل أكذوبة مُرّة
هكذا كان العنوان الأنسب الذي اختارته إحدى المحررات في «الوسط» لتحقيقها الصحافي عن قرية الصالحية، والذي يختزل معاناة هذه القرية التي لا تبعد سوى أمتار عدة عن ناطحات السحاب في المناطق المجاورة.
وجاء في التحقيق الذي نشرته «الوسط» في 12 أغسطس الماضي أن السواد الأعظم من الأهالي ذوي الدخل المحدود - أو معدومي الدخل أساسا - يفتقرون لأدنى مقومات العيش الكريم، فواقع الخدمات في هذه القرية يكاد أن يصل إلى درجة الصفر تقريبا، فنظرة خاطفة للقرية كفيلة بتدارس حجم المعاناة التي يعايشها الأهالي ليل نهار.
وفي تعليقه على مطالب الأهالي أكد عضو البلدي صادق رحمة «ان المجلس رفع توصية بخصوص المنازل الآيلة للسقوط إلى لجنة الإسكان والإعمار من خلال رئيسه، كما أن وزير الإسكان قد وعد بخطة لإعمار القرية»، متمنيا على الوزارة الإسراع في تنفيذها.
الوزير في البلاد القديم
تحت عنوان «لإعادة إعمارها... الجودر في البلاد القديم»، نشرت «الوسط» يوم الأربعاء 27 أغسطس الماضي خبرا عن الزيارة التفقدية التي قام بها وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر لمنطقة البلاد القديم، ووفقا للنائب البرلماني عبدالله العالي فإن الزيارة تأتي بهدف إعادة إعمار المنطقة، والاطلاع على الأوضاع الصحية والخدمية المتردية فيها، إضافة إلى البيوت الآيلة للسقوط، إذ سبق أن تقدم مجلس النواب بمقترح لإعادة ترميم البيوت الآيلة للسقوط فيها، فيما أوضح رئيس بلدي المنامة مرتضى بدر «ان المجلس البلدي سبق وأن قام بحصر هذه البيوت، ورفعت إلى وزارة الإسكان للبت فيها».
ولكن منذ ذلك الوقت لا أحد يسمع بذكر هذا المشروع الإسكاني، هل هو خاضع لمزيد من الدراسة أم أنه سيبصر النور قريبا؟
الزنج تلتحق بالمشروع
في 28 من الشهر ذاته (في اليوم اللاحق لزيارة الوزير) استبشر أهالي الزنج بالتحاقهم بركب المشروع الإسكاني الذي شمل البلاد القديم أيضا، بعدما نشرت «الوسط» خبرا مفاده أن وزير الأشغال والإسكان أبدى دعمه للمشروع المقترح من قبل مجلس بلدي العاصمة والمتعلق بإقامة مشروع إسكاني في منطقة الزنج، وذلك بعد تحويل قطعة ارض تقع ضمن الحزام الأخضر لإنشاء وحدات سكنية يستفيد منها الأهالي في منطقتي الزنج والبلاد القديم. لكن لسان حال الأهالي يقول: «مشروع حيوي وجميل هو الآخر لا ينقصه سوى التطبيق».
شقق الجفير محاصرة
في الثالث من أغسطس الماضي نشرت «الوسط» خبرا عن المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب حسن بوخماس، والذي أعلن فيه توجيهات سمو رئيس الوزراء بإقامة مشروع الشقق السكنية لأهالي منطقتي الجفير والغريفة، ويتمثل في استغلال المنطقة المسماة بمنطقة «القاعدة البريطانية» سابقا في الجفير لبناء ثماني عمارات سكنية عليها.
وقد أوضح النائب بوخماس أن سمو رئيس الوزراء «أصدر توجيهاته إلى جميع الوزارات ذات الاختصاص لإعداد الدراسات الخاصة تمهيدا لتنفيذ هذا المشروع في أسرع وقت ممكن واعتماد الموازنة الخاصة بالمشروع». موضحا أن عدد المستفيدين منها سيفوق المئة عائلة بحرينية. وأكد بوخماس أن وزارة الأشغال أبدت استعدادها للبدء في التحضير للمشروع بعد موافقة رئيس الوزراء.
وفي استتباعات القضية نشرت «الوسط» في الثامن من أغسطس الماضي تصريحا آخر للنائب بوخماس أشار فيه إلى أن «تنفيذ المشروع سيبدأ مطلع أكتوبر من هذا العام، بالتزامن مع انعقاد الدورة المقبلة (الحالية) لمجلس النواب، وأن موازنة التشييد - وفقا لتأكيد وزير المالية - تقرر استقطاعها من موازنة العامين 2003 - 2004م، وان السجل العقاري بدأ فعلا عملية المسح في خطوة أولى للمضي في تنفيذ المشروع».
وعلى رغم مرور أشهر عدة على توجيهات رئيس الوزراء - على لسان النائب بوخماس - فإن شيئا لم يتغير بعد ليبقى مشروع الشقق محاصرا في الأدراج.
«كشكول»... الأوفر حظا
على رغم المنافسة الشديدة بين صفحات «الوسط» في استقطاب المعاناة الإسكانية الفردية منها والعامة للمواطنين، فإن صفحة «كشكول» (المعنية باهتمامات ومشكلات القراء في الصحيفة) كانت الأوفر حظا؛ إذ حازت نصيب الأسد من قضايا الملف الإسكاني، فمنذ الاحتفال بالعيد الوطني السابق إلى الاحتفال بعيدنا الوطني الحالي، لا يكاد يمر أسبوع على هذه الصفحة يخلو من الهموم الإسكانية، وهذا مؤشر على أن السنة الماضية يجب أن يطلق عليها بجدارة «عام الإسكان».
فعلى مدار العام كان محررو هذه الصفحة على موعد مع اتصالات لا تهدأ، ورسائل تنهمر على فاكس الصحيفة بلا توقف.
حاولنا أن ننقل نزرا يسيرا من أوراق الملف الإسكاني الشائك والمتعثر في أرشيف «الوسط» على مدار عام كامل، ولكن بالتأكيد فإن ما خفي أعظم، وعصيّ أن تحصره هذه الأسطر، على أمل أن تكون جميع أيام البحرين أعيادا
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ