أوضح وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر في حديث إلى «الوسط» (نشر بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري) أن السياسة الإسكانية تبحث إعادة دراسة قوانين البناء، في ضوء توجهات المستفيدين من الخدمات.
فالموضوع - بحسب الجودر - لا يتعلق بمعالجة النقص الموجود في الوحدات السكنية، وإعطاء الأرض للأشخاص الذين لا يملكون أراضي وحسب، وإنما معالجة ثقافة سائدة، إذ لا يرغب أناس كثيرون في السكن في الشقق، «ونحن سنضطر في يوم من الأيام إلى اللجوء إلى البناء العمودي، ولابد أن نتساءل إلى متى سيستمر التوسع الأفقي، فنحن نتوسع إلى أن تنتهي الأراضي عندنا، وماذا بعد؟».
وبيّن الوزير أن الخطة تتطرق إلى هذا الموضوع، في إطار يفصل إشكالية الإسكان لمدة 20 سنة مقبلة، كما تشير الخطة إلى وضع تفاصيل لتنفيذها. وإذا أقرت الخطة ستشكل عدة لجان، كل لجنة تختص بمعالجة موضوع إسكاني محدد، لجنة بشأن أنظمة البناء، وأخرى بشأن الموارد المالية، وثالثة بشأن نظام الاقتراض، ورابعة معنية بإيجاد المواقع والأراضي وكيفية التصرف.
قامت «الوسط» بمحاورة عدة شخصيات من مواقع مختلفة في موضوع البناء العمودي للتعرف على رأيهم في هذا الموضوع.
عنصر الوقت مهم
يستهل الخبير الاقتصادي جاسم حسين حديثه قائلا: «مقترح الوزير بشأن البناء العمودي مقترح واقعي، ويتناسب مع واقع البحرين حيث المساحة الصغيرة التي تبلغ حوالي 700 كيلومتر مربع. وهذا المشروع يطبق في مناطق مختلفة من العالم مثل هونغ كونغ وسنغافورة اللتين تعانيان من مشكلة تزايد الكثافة السكانية مع قلة مساحة الأراضي».
وبخصوص تقبل الناس لهذا المشروع يقول حسين: «تقبل الناس لمثل هذه المشروعات بحاجة إلى بعض الوقت، فيجب على الوزارة العمل على توعية المواطنين لتغيير الواقع الثقافي الذي يعيشون فيه، فالتفكير السائد في البحرين هو ضرورة أن يسكن المواطن في منزل مستقل (...) ويمكن أن يساهم هذا المشروع في حل مشكلة السكن التي تعاني منها البحرين، وخصوصا مع وجود المئات من الطلبات الإسكانية لدى الوزارة. ومن جانب آخر فإن الشقق تتناسب مع دخل الفرد في البحرين، إذ تبلغ كلفة الشقق نصف كلفة المنازل».
ويتحدث حسين عن جوانب لابد أن تنتبه لها الوزارة، إذ يقول: «لابد من مراعاة معايير محددة في البناء، من توفير الأمان والخدمات كمواقف السيارات، وضرورة وضع إجراءات قانونية لمنع إزعاج الآخرين».
حل واقعي
ويقول الاقتصادي إبراهيم شريف في هذا الموضوع: «يجب على الوزارة تركيز مشروع البناء العمودي في المناطق القديمة، أو تلك المناطق التي تعاني من كثرة الازدحام السكاني (كالمنامة والمحرق)، فعمل هذه المشروعات في تلك المناطق يسهل الكثير من الأمور على المواطنين، كون هذه المناطق قريبة من مواقع عملهم، وقريبة من المدارس وغيرها من الخدمات، بالإضافة إلى أن هذه المشروعات لا تتطلب شبكة طرق جديدة».
ويشير شريف إلى أن «مشكلة الإسكان في البحرين تتعقد كل عام، فلابد أن تفكر الوزارة في مشروع الشقق ضمن نظام التمليك، وأن تضع معايير معينة لصيانة هذه الشقق».
ويضيف شريف: «الناس لابد وان تقبل بهذا الواقع، فعلى سبيل المثال هناك بيوت تقطن فيها ثلاث أو أربع عائلات، فلو عرض عليهم السكن في الشقق فلابد وأنهم سيوافقون».
مشاركة القطاع الخاص ضرورية
رئيس لجنة العقارات في غرفة تجارة وصناعة البحرين حسن كمال يقول: «ما طرحه وزير الأشغال والإسكان خطوة على الطريق الصحيح لمستقبل البحرين، وهو طرح عملي واقتصادي، ففي ضوء الكثافة السكانية العالية التي تعاني منها البحرين ومحدودية الخدمات (الطرق والبنية التحتية) من جهة، وصعوبة الحصول على أراض من جهة أخرى، فإن المستقبل سيكون للبناء العمودي، والبحرين تميل إلى أن تكون بلدا للعمارات ناطحات السحاب».
ويشير كمال إلى أن «الباب مفتوح أمام الشركات الاستثمارية للمشاركة في البناء العمودي، والمساهمة مع القطاع الخاص في بناء هذه الوحدات في مناطق البحرين، كذلك لابد أن تنطلق شركات التمويل العقاري في هذا المشروع. ومن المتوقع أن يجذب هذا المشروع المستثمرين من أجل الاستثمار في البحرين». ويشدد كمال على ضرورة أن تحدد الوزارة المناطق من الآن.
ويضيف: «أعتقد أن المتوسط العام للأدوار في البحرين هو ما بين 5 و10 أدوار، وهو عدد مناسب للبحرينيين. يجب على الوزارة عند التخطيط لهذه الشقق مراعاة معايير معينة من قبل مهندسين مختصين، وبالنسبة للشقق القديمة لابد من عمل مسح دقيق عليها».
الحلول المقبولة
ويمسك بخيط الحديث رئيس الخليجية العالمية للاستشارات حسين المهدي ليقول: «الكثير من رجال الاقتصاد والعاملين في مجالات العقار والتشييد في الدول ذات المساحة الصغيرة التي تعاني من الاختناق السكاني، يلجأون إلى التوسع العمودي بسبب محدودية الأراضي، وقد تتجاوز مساحة هذه المدن أضعاف مساحة البحرين، ويعيش عليها مثل عدد سكان البحرين، على سبيل المثال جزيرة منهاتن التي تبلغ مساحتها ربع مساحة البحرين، ويستخدمها خلال النهار حوالي خمسة ملايين نسمة، نجد التوسع العمراني فيها يكون من خلال البناء العمودي».
ويمضي المهدي في حديثه «بالنسبة إلى البحرين، فإن التوسع العمودي هو حل مقبول للمشكلة الإسكانية وخصوصا مع الضغط الحاصل على البنى التحتية، وفي ظل مملوكية غالبية الأراضي لجهات خاصة فلن يكون بمقدور الأفراد التوسع في النطاق الأفقي».
ويتطرق المهدي إلى نظام بيع الشقق، إذ يقول: «هذا النظام لم يعمل به لعدم توافق نظام الشقق مع المجتمع البحريني، ولكن من المتوقع أن يتقبل الناس هذا الأمر في السنوات المقبلة. نظام الشقق يحتاج إلى نسبة أكبر من الصيانة مقارنة بالمنازل، وخصوصا أن البنى التحتية مشتركة بين جميع السكان، فمن الضروري أن تكون الصيانة دورية». ويرى المهدي أن هذه الشقق تعتبر حلا لمشكلة شريحة كبيرة من المواطنين.
المواصفات متقاربة
المذيعة التلفزيونية إيمان مرهون تقول: «قرار وزير الأشغال والإسكان قرار حكيم، فمساحة البحرين محدودة مقارنة بحجم الكثافة السكانية، وهذا الأسلوب متبع في كثير من الدول المتقدمة».
وتشير مرهون إلى «ضرورة تغيير المفهوم السائد في المجتمع بخصوص السكن في شقق، فالسكن في الشقق لا يختلف عن المنزل فالمواصفات متقاربة بينهما».
وبخصوص قبول الناس لهذا الموضوع، تبيّن مرهون: «الشيء الجديد لابد وان يواجه معارضة في البداية، ولكن في النهاية لابد من قبول الأمر الواقع، فإذا لم يحدث هذا الأمر الآن فلابد وأن يحدث في المستقبل».
إلى ذلك تقول المديرة الإدارية لشركة يوسف المؤيد وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين منى المؤيد: «أؤيد هذا المشروع لأن الأراضي محدودة في البحرين، فلابد أن يكون البناء بشكل عمودي من أجل سد حاجات الناس، وهو ضروري للطبقة المتوسطة».
وتضيف المؤيد: «بخصوص تقبل الناس لهذا الأمر، أعتقد أنها ستتقبل هذا المشروع، وخصوصا مع توافر شقق مريحة. ونطلب من الحكومة أن ترفع من موازنة البناء لذوي الدخل المحدود من أجل مساعدتهم».
أما سمير جعفر حبيب فيقول: «نحن لا نرفض فكرة إقامة الشقق أو كما يسمى بالبناء العمودي، ولكن في حالة وجود المنازل فإن ذلك سيكون أفضل، كونه يحقق الاستقرار للفرد. المنازل أفضل بكثير وأعتقد أن الأراضي متوافرة، والدفان مستمر... على رغم عدم موافقتنا على ذلك».
ويقول محمد أحمد: «الكثير من المناطق البحرينية تشهد ازدحاما سكانيا كبيرا، فهناك منازل تقطن فيها أكثر من أسرة، وهي معرضة للسقوط في أية لحظة فوق رؤوس ساكنيها، فلابد من إيجاد حل سريع لهذه المشكلة التي تتفاقم في كل عام، ووزارة الأشغال والإسكان مطالبة بالتدخل السريع لحل أزمة الإسكان في البحرين»
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ