العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ

بين دفتي ديسمبر 1971 وديسمبر 2003 سُطّر تاريخ مضيء

وطن صغير على الخريطة تبرهن كبره التجربة السياسية

لا يمكن العبور على ذكرى «16 ديسمبر» من أي عام دون تذكر البدايات، بداية دولة وبداية شعب، بداية وطن صغير يكاد لا يظهر بوضوح على خريطة العالم، ويحتاج شعبه إلى جهد مضاعف لشرح الموقع الجغرافي لبلدهم إذا ما سُئلوا في دول أخرى بعيدة عن موطنهم، لكن لا يعوزهم الجهد ذاته للبرهنة على ثراء تجربتهم العامة وأهمية الدور الذي أداه ويؤديه وطنهم الصغير عبر الحقب والأزمان؛ ذلك لأن التاريخ وحده الذي يتكلم هنا ويختزل فصولا تكاد لا تحصر، كتبت بحروف لا تمحى، تاريخ شعب قاوم كغيره من الشعوب الاستعمار بأشكال شتى، وناضل حتى نال الحرية والاستقلال، دافعا بذلك أرواحا تستحق التمجيد كلما مرت بنا ذكرى «16 ديسمبر».

لم تأت المكتسبات الحالية من فراغ، ولم ينمُ الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي الحالي هكذا فجأة ومن دون مقدمات، بل سبقت التجربة الحاضرة مقدمات طويلة حظيت بخصوصية شديدة وكانت السبب الأول والأكبر في نمو الوعي مبكرا قبل الاستقلال في العام 1971.

فلا يمكن الحديث عن «16 ديسمبر» من دون الرجوع إلى أول خطاب ألقاه الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، عند توليه الحكم في العام 1961، وإلى كلمته في عيد الجلوس في العام 1970 وإلى 14 أغسطس/ آب من العام 1971، ذلك اليوم المشهود الذي صدر فيه بيان إعلان الاستقلال في عهده والذي ألقاه رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان من مبنى إذاعة البحرين وقال فيه: «إن البحرين، الدولة العربية المسلمة التي تؤمن بالوحدة العربية كضرورة قومية ملحة يفرضها عليها التاريخ والدين واللغة والثقافة والمصير المشترك، قد عملت بجد وإخلاص وسعت جاهدة في سبيل تحقيق قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وذلك منذ أن اشتركت حكومة البحرين مع جاراتها الإمارات العربية في توقيع اتفاق مشروع اتحاد الإمارات العربية، الموقع في امارة دبي في 27 فبراير 1968، بدافع من إيماننا المطلق بضرورة قيام هذا الاتحاد للإمارات العربية واستكمال شكله الدستوري الصحيح النابع من صميم تطلعات وآمال شعب هذه المنطقة...»

وفي سياق فقرات أخرى من البيان جاء: «هذه المبادئ الأساسية التي تؤمن بها البحرين تتلخص في ضرورة وضع دستور حديث يقوم على مبدأ فصل السلطات، وتوزيع الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية، ويوفر للمواطنين الحقوق والحريات السياسية والمدنية، ويكفل قيام حكومة مركزية للاتحاد تملك سلطات واسعة في إدارة وتسيير مختلف شئون حكومة الاتحاد على الصعيد الدولي والداخلي بما يضمن تطور وتقدم ورفاهية شعب الاتحاد بمختلف أراضيه ودون تمييز أو تفريق بين المواطنين».

إنهاء العلاقات التعاهدية

في صباح 15 أغسطس/آب من العام نفسه، تم توقيع وثائق إنهاء العلاقات التعاهدية بين دولة البحرين وتوابعها، والمملكة المتحدة وايرلندا الشمالية، في حفل حضره أمير البلاد الراحل والمقيم السياسي البريطاني في الخليج السير جيفري آرثر ممثلا عن ملكة بريطانيا، وحلت محلها معاهدة صداقة.

وفي اليوم نفسه، صدر مرسوم أميري يقضي بتسمية دولة البحرين وأمير البحرين بدلا من إمارة البحرين وحاكم البحرين، وسمي مجلس الدولة مجلس الوزراء، وصدر أيضا مرسوم بإعادة التنظيم الإداري للدولة.

وقبلت الجامعة العربية عضوية البحرين في سبتمبر/أيلول من العام 1971، كما قبلت عضويتها أيضا في الأمم المتحدة فأصبحت البحرين دولة ذات سيادة على شئونها الخارجية والداخلية واعترفت جميع الدول بذلك.

مشروع الدستور

وفي 16 ديسمبر من العام 1971 كلف مجلس الوزراء بوضع مشروع لدستور حديث متطور للبلاد، يكفل تطبيق المبادئ الديمقراطية السليمة. وجاء في سطور الكلمة التي ألقاها الأمير الراحل في العيد الوطني الأول: «... أما على الصعيد الداخلي، فإننا نشعر مع شعبنا العزيز بأن من أولويات واجباتنا هو العمل على رفع المستوى المعيشي لأفراد شعبنا والتخفيف عليه من آثار موجة الغلاء العالمي في أسعار الأطعمة والبضائع المعيشية الضرورية، وقد اتخذت حكومتنا الخطوات الأساسية في هذا المضمار...».

توالت الخطب وكان مضمون رفع المستوى المعيشي وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن محورا متكررا لا تخلو منه أية كلمة تلقى في «16 ديسمبر»، وبتوالي الخطب توالت الحوادث والإنجازات فمن بناء مدينة عيسى إلى مدينة حمد إلى مدينة زايد كتبت فصول من جهد التنمية والنماء، وتحقق جزء كبير من آمال المواطن وتطلعاته وخصوصا فيما يتصل بالمستوى المعيشي، غير أن حاجة المواطنين إلى خدمات الإسكان تظل ملحة وتعتلي هرم المطالبات بالمقارنة مع التعليم والصحة على سبيل المثال.

إلى جانب المطالبة بالخدمات، بقى صوت المطالبة بالإصلاح السياسي ذاك الصوت القديم الذي يعود مولوده إلى بدايات القرن الماضي، وعلى رغم مضي العقود فلايزال ذاك الصوت مسموعا مصدره من اتجاهات فكرية مختلفة كلها ساهمت في نمو الوعي السياسي.

التحول الديمقراطي

بالعودة إلى بدايات تجربة التحول الديمقراطي، فإن أبرزها كان وضع دستور دائم يعود تاريخ وضعه إلى العام 1973، ومعه تشكيل المجلس الوطني الأول الذي كان معظم أعضائه من المنتخبين الذين أعطوا صلاحيات واسعة على الصعيد التشريعي والرقابي، بيد أن هذه الصلاحيات ما لبثت ان انهارت بعد شهور قليلة من حل المجلس الوطني وصدور عدد من القوانين التي عطلت جوانب مهمة من هذا الدستور.

يقول الكاتب أحمد منيسي في مقدمة كتابه «البحرين من الإمارة إلى المملكة: دراسة في التطور السياسي والديمقراطي»: «مع مطلع التسعينات وتحت وطأة تصاعد القوى المطالبة بعودة المجلس الوطني والآثار التي أفرزتها حرب الخليج الثانية في العام 1991 شهدت البحرين تجربة أخرى للتحول الديمقراطي، كان أبرز معالمها تشكيل مجلس شورى في العام 1992، ولكن لأن هذا المجلس كان يشكل عن طريق التعيين ومنحت له صلاحيات استشارية فقط، فإنه لم يستطع أن يشكل بديلا للمجلس الوطني ومن ثم ظلت الأزمة القائمة بين الحكومة والمعارضة على حالها ودخلت البلاد في حال من عدم الاستقرار منذ منتصف هذا العقد بعد تفجر حوادث عنف شديدة وضعت استقرار النظام السياسي على المحك أكثر من مرة، وقد استمرت حوادث العنف بشكل متقطع حتى رحيل أمير البلاد السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في مارس/ آذار من العام 1999».

تجربة ثالثة

ويمضي أحمد منيسي في القول: «بعد تولي الشيخ حمد مقاليد السلطة خلفا لوالده الراحل، بدأت البلاد تشهد تجربة ثالثة للتحول الديمقراطي من خلال إطلاق ما عرف بالمشروع الإصلاحي للخروج من الأزمة (...) كان الميثاق الوطني الذي تم التصويت عليه في استفتاء عام في فبراير/شباط من العام 2001 هو الأساس الذي انطلق منه وعليه المشروع الإصلاحي، وبالنظر إلى أن الميثاق قد جاء غير متعارض مع ما كانت تطالب به القوى المعارضة من تأكيد حاكمية دستور 1973 وعودة الحياة البرلمانية من خلال تشكيل مجلس تشريعي منتخب له صلاحيات السلطة التشريعية كافة ومجلس آخر معين للاستشارة، فقد دعت كل هذه القوى السياسية إلى التصويت بالإيجاب على الميثاق الذي حاز قبول أكثر من 98 في المئة من جملة المقترعين في الاستفتاء الذي أجرى في فبراير من العام 2001».

واستمر المشروع الإصلاحي يتمتع بزخم شديد لمدة عام بعد التصويت على الميثاق، أي حتى إجراء التعديلات الدستورية التي تمت في فبراير من العام 2002، والتي كانت مرحلة مهمة جدا في مسيرة المشروع الإصلاحي. إذ نصت هذه التعديلات، ضمن أمور أخرى على أن تكون الصلاحيات التشريعية مقسمة بالتساوي بين مجلسي السلطة التشريعية المنتخب والمعين مع تساوي عدد الأعضاء في كل منهما أيضا.

الانتخابات والمشروع الإصلاحي

واجه دستور العام 2002 الكثير من الجدل، ورفضت أطراف من القوى السياسية في البلاد تلك التعديلات وقاطعت الانتخابات البرلمانية التي أجريت على أساس الدستور المعدل في أكتوبر/ تشرين الأول 2002، الأمر الذي خلق أزمة جديدة بين الحكومة والمعارضة، وذلك على رغم أن البلاد قد شهدت في إطار المشروع الإصلاحي الكثير من الخطوات الهادفة إلى تصفية الأزمة القديمة بين الطرفين.

وبعد التعديلات الدستورية، شهد التحول الديمقراطي سلسلة من الخطوات الهادفة إلى استكمال بناء المؤسسات السياسية، وتعديل بعض جوانب الإطار القانوني في ضوء الدستور المعدل، بعدها مارس الشعب حقه في الانتخاب والتصويت من جديد في الانتخابات البلدية والبرلمانية، تخلل الانتخابين تشكيل مجلس الشورى.

وفي خضم الحوادث المتلاحقة التي صاغت دورا مهما في تشكيل الوعي السياسي وإضافة فصول جديدة تبدو أكثر أهمية لكتب التاريخ، يظل السؤال عن الآفاق المستقبلية لعملية التحول الديمقراطي قائما وخصوصا أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن الطموحات الكبيرة التي رافقت عملية التحول لم يعقبها حصاد وافر

العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً