بات الارتفاع السريع لليورو أمام العملات الرئيسية الاخرى لاسيما الدولار مصدر ازعاج كبير للمؤسسات السياسية والاقتصادية الاوروبية التي أعربت عن خشيتها من انزلاق اقتصاداتها الى الركود المزمن.
وحذر خبراء اقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي من ان الزيادة الملحوظة في قيمة اليورو ستنعكس بصورة سلبية على احتمالات النمو بمنطقة اليورو التي تعاني الدول الكبرى بها كالمانيا وفرنسا من تراجع حاد في معدل النمو.
وقال رئيس البنك المركزي الهولندي نوت فيلينك إن ارتفاع اليورو الى معدلات قياسية في مواجهة الدولار يمثل خطورة بالغة على الاقتصادات الاوروبية لانه يضفي مزيدا من التشاؤم على نمو الناتج المحلي الاجمالي بمنطقة اليورو ومستقبل الصادرات للاسواق العالمية.
وتخشى الشركات الاوروبية من تراجع لصادراتها الى الاسواق العالمية لاسيما الاميركية نتيجة فقدان الميزة النسبية للمنتجات الاوروبية التي تقلل من فرصها في منافسة المنتجات الاميركية والآسيوية.
وتطالب الشركات الاوروبية البنك المركزي الاوروبي بمحاولة التدخل لإيجاد حلول عملية للتعامل مع قضية الارتفاع المتزايد لليورو بدلا من التقليل من أهمية تلك المشكلة، مشيرة الى وجوب عودة اليورو الى المعدلات الطبيعية التي كانت سائدة عند اطلاقه رسميا للتداول بالاسواق العالمية.
ويرى مسئولون بالبنك المركزي الاوروبي ان ارتفاع اليورو ليس سيئا على الاطلاق لأنه يمثل دعما قويا للعملة الاوروبية الموحدة. مشيرين الى ان انخفاض معدل النمو بمنطقة اليورو يرجع الى تباطؤ النمو العالمي. إلا ان الخبير الاقتصادي اندرياس كروستا يرى ان الارتفاع المتواصل لليورو يقلق البنك المركزي الاوروبي الذي يخشى من تداعياته السلبية على الصادرات الاوروبية.
وحذر محللون اقتصاديون بالبوندسبانك (البنك المركزي الألماني) ان استمرار العجز في الموازنة الاميركية يلقي بتداعياته السلبية على الدولار ويؤثر بالتالي على اليورو والنمو الاوروبي.
وأوضحت شركات أوروبية تعمل في مجالات السيارات والكيماويات تراجع مبيعاتها بالاسواق العالمية نتيجة ارتفاع قيمة اليورو أمام الدولار.
وقال محللون اقتصاديون في اتحاد الصناعات الالمانية إن سعر صرف اليورو تجاوز الخط الأحمر بالنسبة الى الشركات الاوروبية التي باتت تخشى من انخفاض مبيعاتها وأرباحها بالاسواق الدولية.
وتشير الاحصاءات الى ان اليورو ارتفع مقابل الدولار العام الجاري بنحو 16 في المئة. ويحذر خبراء اقتصاديون ألمان من ارتفاع اليورو الى 1,40 دولار في نهاية العام 2004 حال استمراره في الزيادة بالمعدل نفسه مع تزايد معدل العجز في الموازنة الاميركية.
ويتوقع محللون اقتصاديون اوروبيون انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالى بنحو نصف نقطة مئوية العام 2004 حال استمرار الارتفاع في قيمة اليورو خلافا للتوقعات السابقة التى اشارت الى ان معدل النمو بمنطقة اليورو سيشهد تسارعا في العامين المقبلين بنحو 1,6 و2,4 في المئة على التوالي.
وفي السياق نفسه قال محللون اقتصاديون اوروبيون إن مطالبة عدد من الدول الاعضاء في منطقة اليورو بتعليق اتفاق النمو والاستقرار النقدي الذي يستهدف خفض معدل العجز في الموازنة في دول منطقة اليورو الاثنتي عشرة الى 3 في المئة يكشف النقاب عن خلافات عميقة داخل الاتحاد الاوروبي بشأن السياسات الجوهرية للاتحاد.
وأوضح المحلل الاقتصادي الآن فريمان ان إحجام فرنسا وألمانيا عن الالتزام باتفاق النمو والاستقرار يعرض للخطر استقرار العملة الاوروبية الموحدة، مشيرا الى ان الاتحاد الاوروبي يحتاج الى التعاون وتنسيق الجهود لصوغ رؤية موحدة تجاه القضايا الاوروبية والدولية.
وأضاف ان احجام فرنسا والمانيا - أكبر قوتين اقتصاديتين بالاتحاد الاوروبي - عن خفض معدل العجز بالموازنة الى ثلاثة في المئة ستكون له انعكاسات خطيرة على صدقية السياسات المالية والنقدية الاوروبية على المدى الطويل واجراءات توسيع الاتحاد الاوروبي ليضم 25 دولة بحلول الربيع المقبل.
ويعرب المحلل الاقتصادي الآن فريمان عن خشيته من تأثر الاسواق الاوروبية بالتداعيات السلبية لاخفاق فرنسا والمانيا في الالتزام باتفاق النمو والاستقرار.
وفي الوقت نفسه ترى ألمانيا وفرنسا ان الابقاء على معدلات الانفاق في الموازنة عند معدلاتها الحالية وخفض الضرائب تعتبر من الامور الحيوية لتحقيق النمو الاقتصادي.
وأوضح فريمان ان التداعيات السلبية التي ستنجم عن رفض باريس وبرلين خفض معدل العجز في الموازنة الى 3 في المئة ستدفع البنك المركزي الاوروبي الى رفع معدل الفائدة إضافة الى خفض معدل النمو بدول منطقة اليورو.
وأشار الى ان الفشل فى تنشيط اتفاق النمو والاستقرار سيلقي ظلالا من الشك في صدقية وفاعلية آليات اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الاوروبي إضافة الى عدم استقرار اليورو وربما إضعاف الاقتصادات الاوروبية.
ومن جانبه قال بيتر نورمان الخبير الاقتصادي الشهير إن الاستراتيجية الحالية التي تتبناها المفوضية الأوروبية لتحقيق الوحدة الأوروبية غير كافية في ضوء التباين الموجود في مواقف عدد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وتزايد النزعات القومية التي تغذي التعصب في مجال الأعمال وتعوق مشروع السوق الأوروبية الموحدة.
وأكد نورمان ان اوروبا تحتاج الى فلسفة مشتركة للترويج لفكرة أوروبا الموحدة إضافة الى مشروع السوق الموحدة والقوانين التى تنظم الشئون المالية بدول منطقة اليورو مشيرا الى أن احجام عدد من الدول الأوروبية على إقرار الكثير من مشروعات القوانين التي تنظم العمليات المالية والمصرفية والاندماج وبيع الشركات تعرقل النمو الأوروبي
العدد 474 - الثلثاء 23 ديسمبر 2003م الموافق 28 شوال 1424هـ