العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ

رباني: «الانسحاب الأميركي» من أفغانستان تكرار لما فعله الجيش السوفياتي

رأى الكولونيل المتقاعد بالجيش الأفغاني، غلام رباني أن الجدول الزمني الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما لانسحاب قواته يعد مؤشرا واضحا على أن قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) ستتخلى عن أفغانستان تماما مثلما فعلت القوات السوفياتية قبل عقدين من الزمان.

أوباما في معرض إعلانه عن إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان لاستكمال المهمة حدد أيضا في تحرك غير متوقع صيف العام 2011 لبدء انسحاب القوات الأميركية. إرسال هذه القوات الإضافية سيجعل عدد الجنود الأميركيين وحدهم في البلاد يقفز إلى 100 ألف جندي. وقال أوباما إن قوة منظمة حلف شمال الأطلسي سيتركز عملها على تدريب المزيد من القوات الأفغانية وتجهيزها بالعتاد بشكل ملائم لكي تتولى مسئولية الأمن في البلاد.

لذا يرى رباني (62 عاما) الذي خدم كضابط ومعلم بالجيش لمدة 20 عاما إبان الحكومات الشيوعية والإسلامية والذي يمتلك الآن متجر بقالة في كابول أن هذا يعد صورة كربونية مما حدث في الثمانينات.

فعندما أدرك الروس عدم قدرتهم على إحراز النصر في الحرب في أفغانستان أعلنوا عن نيتهم في الانسحاب لكنهم سيساعدون القوات الأفغانية في الدفاع عن البلاد. بعد ذلك ترك الروس البلاد فريسة لدول الجوار لكي يقوموا بمهمة تدميرها. وأردف يقول “كل المؤشرات نفسها تدل الآن على أن الناتو سيفعل الشيئ نفسه”. فقد ألمحت دول أخرى كبرى بالناتو من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى نيتها في سحب قواتها وأنها ستعقد مؤتمرا مشتركا الشهر المقبل في لندن لتحديد خطوات واضحة بشأن انخراطها العسكري في المستقبل. هذه الدعوات إلى الانسحاب تأتي في وقت تتعرض فيه أفغانستان لحالة من الشلل بسبب تراجع الأمن وتصاعد الفساد واعتماد اقتصادها على تجارة المخدرات إضافة إلى المسلحين الذين ينعمون بملاذات آمنة عبر الحدود مع باكستان. غير أن الزعماء الغربيين يقولون إن الهدف من الجدول الزمني للانسحاب هو الضغط على إدارة الرئيس حامد قرضاي لكي تضطلع بقدر أكبر من المسئولية على صعيد الحكم والأمن، لكن المراقبين يعتقدون أن القرار يتعلق بدرجة أكبر بحالة الإحباط التي تسود دول الناتو في ظل تزايد حجم الخسائر البشرية ووصولها إلى مأزق واضح مع حركة طالبان الإسلامية المتطرفة التي كانت تتولى الحكم قبل غزو البلاد. ذلك أن العام 2009 يعد العام الأكثر دموية بالنسبة للناتو منذ 2001 حيث لقي قرابة 490 جنديا مصرعهم من بينهم 300 أميركي و100 بريطاني. وأكثر من ثلث الخسائر البشرية الأميركية والبريطانية في الحرب وقعت هذا العام.

وتظهر استطلاعات الرأي أن نحو نصف المواطنين الأميركيين و ثلثي الألمان والبريطانيين يعارضون الحرب في أفغانستان. كما أن تأييد الحرب آخذ في التراجع أيضا في دول أخرى بالناتو حيث حددت الحكومتان الهولندية والكندية عامي 2010 و 2011 على التوالي لانسحاب قوتيهما. في المقابل يبدو أن “طالبان” صارت أكثر قوة عن ذي قبل في ظل تصاعد الهجمات التي شنها مسلحوها في العام 2009 مقارنة بأي عام آخر منذ الإطاحة بحركتهم. صحيح أن إنتاج الأفيون بالبلاد واصل تراجعه خلال العامين الماضيين لكن أفغانستان لا تزال تنتج أكثر من 90 في المئة من الأفيون في العالم ويعتقد أن الأموال التي تدرها تجارة المخدرات تستخدم في تمويل حركة التمرد.

أما على الصعيد السياسي فقد تحطمت الآمال الغربية في وجود حكومة نظيفة خاضعة للمساءلة في أفغانستان إثر اكتشاف أن ثلث الأصوات التي منحت لقرضاي في الانتخابات التي أجريت في أغسطس/ آب الماضي كانت مزورة. ولم يعلن عن فوز قرضاي بمنصب الرئيس إلا بعد انسحاب منافسه الرئيسي عبد الله عبد الله من جولة الإعادة. كذلك صار الفساد متوطنا في البلاد التي احتلت المركز قبل الأخير في قائمة الدول الأكثر فسادا التي أصدرتها منظمة الشفافية العالمية هذا العام. في الوقت نفسه لم تؤت الجهود الرامية إلى تشكيل ميليشيات تتولى التصدي لـ “طالبان” وكذلك الخطط الرامية إلى إغراء المسلحين المتمردين بالانسلاخ عن “طالبان” من خلال برنامج للمصالحة ثمارها حتى الآن.

في ظل هذه الأحوال ضيق زعماء الناتو أهدافهم من تحويل أفغانستان إلى دولة ديمقراطية إلى مجرد تدريب قوة أمن أفغانية. والفكرة هي أن تعمل القوات الأميركية وقوات الناتو على تحجيم قوة “طالبان” في المدى القصير وشراء الوقت لكي تستطيع كابول في ظل الولاية الرئاسية الجديدة لقرضاي بناء قوات أمنية يكون في وسعها الاضطلاع بمهمتها مع بدء الانسحاب المرحلي للقوات الدولية. هذا الهدف الجديد يعتبر على نطاق واسع بمثابة محاولة لمنع فشل المهمة الوحيدة للناتو خارج منطقة نفوذه منذ تأسيسه قبل 60 عاما لكن حتى هذا الهدف يبدو طموحا.

هذا يتضح من قول قائد الناتو في أفغانستان الجنرال الأميركي ستانلي كريستال إن مضاعفة حجم الجيش والشرطة الأفغانيين لكي يصل قوامهما إلى 400 ألف جندي ورجل شرطة ستستغرق أربع سنوات على الأقل. بل أن قرضاي حدد إطارا زمنيا مدته أربع سنوات لتولي قوات بلاده مسئولية الأمن بالكامل. والواقع أن الناتو ليس فقط في معركة مع “طالبان” ولكن أيضا في حرب ضد قلة الموارد التي يوفرها الغرب وارتفاع معدلات الفرار من الخدمة بين القوات، فضلا عن خوض معركة علاقات عامة في بلد تبلغ فيه نسبة الأمية 90 في المئة. هذا الوضع جعل رباني يقول “بالنسبة لنا هي مسألة أعوام قليلة وسنرى أفغانستان عادت إلى قبضة طالبان ما لم تلزم الدول الغربية نفسها بالبقاء لمدة أطول. على الأقل عقد آخر”.

العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً