وصف موقع «محيط» على شبكة الانترنت الهجوم الانتحاري الذي نفذه الطبيب الأردني همام خليل البلوي وتبنته حركة «طالبان»، تنفيذا لوعيدها بأن يكون العام 2009 الأكثر دموية للقوات الأميركية في أفغانستان، بأنه يبقى الحدث الأقوى في هذا الصدد لأن أبعاده لم تكن عسكرية فقط وإنما امتدت أيضا لتشكل فضيحة استخباراتية مدوية لكل من واشنطن وعمّان.
فقد نجحت «القاعدة» و»طالبان» في تجنيد الأردني همام الذي يعرف أيضا بـ «أبو دجانة الخراساني» في تجنيده لصالحهما على رغم أن أجهزة الاستخبارات الأميركية «سي اي ايه» والأردنية كانت تعتقد أنه يدين بالولاء لها وسيساعدها بلا شك في تحديد مكان الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري.
وبدأت القصة عندما أعلن في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي وخلال احتفالات أعياد الميلاد عن مقتل 8 من عناصر «سي اي ايه» وجرح 6 آخرين في هجوم انتحاري وقع في قاعدة عسكرية أميركية في مدينة خوست جنوب شرقي أفغانستان. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن همام أفلت من التفتيش الأمني بتفجيره نفسه، وذكرت على موقعها الإلكتروني أمس الأول (السبت) أن رجال الأمن على مدخل قاعدة خوست هموا بتفتيشه ولكنه سارع لتفجير نفسه.
وذهبت الصحيفة إلى أن أحد رجال الأمن طالب همام بنزع يده من سرواله ورفعها كي يستطيع موظف الأمن تحسس جسمه لتفتيشه ولكن الأردني أشعل فتيل القنبلة التي كان يلفها حول جسده ما أدى إلى تفجيرها وقتل ثمانية من «سي اي ايه».
وعقب التفجير الانتحاري، سرعان ما أعلن الجيش الأردني عن مقتل نقيب يدعى علي بن زيد «أثناء مشاركته في الواجب الإنساني بأفغانستان» ليكون أول عسكري أردني يقتل بهذا البلد، وعلى رغم أن الجيش الأردني لم يكشف ملابسات مقتل النقيب الذي يحمل لقب شريف، في إشارة إلى قربه من العائلة المالكة، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية كشفت المستور في هذا الصدد وأكدت أنه كان ضمن قتلى هجوم خوست، الأمر الذي سلط الضوء بقوة على أبعاد التعاون ألاستخباراتي الأميركي الأردني في أفغانستان.
درس همام الطب في تركيا على نفقة الحكومة الأردنية وهو متزوج من صحافية تركية تقيم حاليا في أنقرة، وعمل همام - الذي تنتمي عائلته لعشائر بئر السبع- كطبيب في وكالة (أونروا) واعتقل أكثر من مرة من قبل السلطات الأردنية بسبب مشاركاته عبر الإنترنت بمقالات وأشعار تحث على «الجهاد» وعرف باسم «أبو دجانة الخرساني».
وبعد ذلك، أخضع لعملية توجيه لمعتقداته «المتطرفة» وسرعان ما أوكلت إليه الاستخبارات الأردنية والأميركية مهمة تحديد مكان الظواهري، وبالفعل غادر همام عمّان في أواخر 2008 إلى أفغانستان. وبدلا من أن يقدم للرئيس الأميركي باراك أوباما أغلى هدية في أعياد الميلاد وهي تحديد مكان الظواهري، فوجئ البيت الأبيض بأكبر فضيحة استخباراتية من نوعها في العقود الأخيرة، إذ نجحت «القاعدة» و «طالبان» في تضليل الاستخبارات الأميركية والأردنية لمدة عام كامل، وهو الأمر الذي بعث برسالة مفادها أنهما يتمتعان بأجهزة استخبارات تفوق في تطورها وذكائها الـ «سي اي ايه».
ردود الأفعال التي صدرت بعد هجوم خوست تؤكد حجم الصدمة الكبيرة التي تعيشها عمّان وواشنطن، فقد سارع الناطق باسم الحكومة الأردنية نبيل الشريف إلى نفي أن يكون الأردن قام بتجنيد همام وأرسله إلى أفغانستان، قائلا: «ما أعلنته طالبان غير صحيح، الأردن ليس لديه أي معلومات تمكنه من التحقق من أن منفذ هجوم خوست أردني الجنسية».
وأشارت بعض التقارير إلى أن المخابرات الأردنية اعتقلت الشقيق الأصغر لهمام كما استدعت والده وحذرته من فتح بيت للعزاء لنجله حتى لا يتحول لتجمع للعناصر السلفية الجهادية.
وبعد أيام من الهجوم، فوجئ الأردنيون بأبعاد الفضيحة تتضح شيئا فشيئا على رغم التعتيم الرسمي، إذ كشفت «طالبان باكستان» في 5 يناير/ كانون الثاني الجاري أن منفذ العملية هو أحد عناصرها وهو أردني يدعى «أبو دجانة» ويعتبر أول عربي ينتمي لصفوفها، وقال الحاج يعقوب وهو مسئول بالحركة في هذا الصدد: «المخابرات الأردنية جندت أبو دجانة لتحديد مكان الظواهري، إلا أن الحركة بالتعاون مع طالبان أفغانستان والقاعدة نجحت في إحباط المخطط وقامت بتجنيد أبو دجانة الذي تمكن من تضليل المخابرات الأردنية والأميركية لمدة عام كامل»، وانتهى يعقوب إلى التعهد بالكشف عن تسجيل مصور يؤكد صحة هذا الأمر.
وبالفعل نشرت مواقع على الإنترنت يوم (السبت) الماضي شريط فيديو ظهر فيه همام وهو يتعهد بالانتقام لمقتل زعيم «طالبان باكستان» السابق بيت الله محسود الذي قتل في غارة أميركية في أغسطس/ آب الماضي.
وقال همام في وصية مصورة إنه نفذ العملية التي أسفرت عن مقتل 7 من ضباط «سي اي ايه» نكاية في المخابرات الأردنية والأميركية. وفي التسجيل الذي ظهر فيه وهو يطلق النار قبل أيام قليلة من تنفيذ هجوم خوست، تابع همام قائلا «إنه رفض أن يساوم وإنه نفذ العملية ثأرا لمقتل بيت الله محسود».
وأضاف «هذه رسالة لأعداء الأمة من مخابرات الأردن ومن المخابرات المركزية الأميركية أن المجاهد في سبيل الله لا يعرض دينه في سوق المساومات وأن المجاهد في سبيل الله لن يبيع دينه ولو وضعت الشمس في يمينه والقمر في يساره».
وشدد على أن الأخذ بثأر بيت الله محسود في أميركا وخارج أميركا هو أمانة في عنق كل المهاجرين الذين كان يؤويهم بيت الله محسود، وتابع: «لن ننسى أميرنا بيت الله محسود الذي كان يقبل يد المهاجرين من كثرة حبه لهم، لن ننسى أميرنا حينما قال إن زعيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن ليس في أرضنا، ولكنه إن جاء سنحميه بإذن الله».
وفي السياق ذاته، بثت قناة «إج» الباكستانية شريطا مصورا ثانيا ظهر فيه همام بجوار حكيم الله محسود وأوضح خلاله أنه تقاسم معلومات استخبارات جمعها من الولايات المتحدة والأردن مع مسلحي «طالبان» و»القاعدة»، وأكد أنه رفض عروضا بملايين الدولارات من الولايات المتحدة والأردن اللتين أرادتا منه التجسس على التنظيم والحركة.
كما كشف والد همام في تصريح لشبكة «سي إن إن» أن شخصا أفغانيا يتحدث بلغة عربية ركيكة اتصل به من أفغانستان وأخبره أن ابنه قضى في عملية انتحارية بطلا بعد أن قتل عملاء «سي اي ايه».
وبالنسبة لكيفية تنفيذ الهجوم والتساؤلات بشأن الطريقة التي تمكن بها الانتحاري همام من اجتياز الحواجز الأمنية، قال مسئول استخباراتي أميركي للشبكة: «الانتحاري كان طلب لقاء ضباط (سي اي ايه) بحجة أنه يمتلك معلومات عن الظواهري.
العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ