العدد 2709 - الخميس 04 فبراير 2010م الموافق 20 صفر 1431هـ

الأقليات المسلمة في الغرب... بين نارين

حب الوطن أم الانتماء للإسلام... (1)

إسلام عبد العزيز -هادي يحمد- نقلا عن شبكة إسلام أون لاين 

04 فبراير 2010

ما يميز شريعتنا الإسلامية عن غيرها من الشرائع تلك المرونة والتجدد اللانهائي الذي تتمتع به في غالبية أحكامها التي تبتعد بالطبع عن مساحة الثوابت... وأوضاع المسلمين في الغرب واحدة من تلك المساحات التي استطاعت الشريعة الإسلامية بمرونتها وتجددها أن تملأها وأن تفي بمتطلباتها، دون افتئات على ثوابتها، ولا تشدد يضر أكثر مما ينفع. لكن ثمة مساحة صعبة لا بد في معالجتها من احتياط شديد لأن ما يتولد عنها من أحكام فقهية من الممكن أن يصيب ثوابت كثيرة لا بد من الحفاظ عليها... هذه المساحة بمفهوم أشمل وبتعبير إسلامي صرف هي مساحة «الولاء والبراء»... أو بمعنى آخر هي الخيط الرفيع الذي يفصل بين الولاء للأمة المسلمة ككيان عام، وحب الوطن - أيّا كان - والولاء له... والذي أصبح مصطلحه الشائع «المواطنة»...

فهل هناك تعارض بين المعنيين، وما هي مساحات التضاد بينهما، وكيف بالانصهار كلية داخل مجتمع كهذا؟ وماذا لو أعلن غير المسلمين الحرب على بلد مسلم، وكان المسلم ضمن الجيش المغاير ماذا يفعل؟

أسئلة كثيرة لا بد من الإجابة عنها حتى تتضح معالمها في أذهان كثير من المسلمين الذين أصبحوا يمثلون أقليات في بلاد كثيرة لا تدين بالإسلام.


منهجان مرفوضان

هذا ما ألمح إليه رئيس الجامعة الإسلامية بأميركا سابقا صلاح سلطان إذ أوضح أن هناك منهجين للتعامل مع هذا الأمر، وكلاهما غير مقبول في ميزان الشريعة الإسلامية، أولهما: منهج يغالي في الحفاظ على الهوية الأصلية، بما يوجد نوعا من الانفصام عن الوطن الذي يعيش فيه... ويدلل صلاح على وجود هؤلاء بتجربة عملية له في أماكن متعددة منها فرنسا وسويسرا وأميركا، إذ يقول: التقيت مثلا في فرنسا بخريجي معهد العلوم الإسلامية والذين من المفترض أنهم سيكونون دعاة للإسلام هناك، وسألت أحدهم عن جنسيته فقال: أنا باكستاني، فقلت: هل ولدت في باكستان؟ فقال: بل في فرنسا، فقلت: كم مرة زرت باكستان؟ فقال ثلاث أو أربع مرات! فقلت له: هل تستطيع أن تقول أنا مسلم فرنسي من أصل باكستاني، فقال لا! ونفس المسألة حدثت مع مسلمين أميركيين وسويسريين وغيرهم!

وهنا يؤكد صلاح أن هناك فجوة في تربية الأبناء وتنشئتهم في مثل هذه البلاد، إذ يشدد الآباء على الهوية الأصلية بما لا يسمح للطفل أن ينشأ على الولاء للأرض التي ولد فيها وعاش عليها.

أما المنهج الآخر كما يقول صلاح فهو على النقيض من ذلك إذ يرى الولاء الكامل للوطن حتى لو تعارض ذلك مع ثوابت أصيلة، ويدلل على ذلك بأن إحدى خطب الجمعة في مدينة شيكاغو الأميركية وكانت ضمن مؤتمر عام قد دعت إلى ضرورة تدريس الثقافة الأميركية لأبناء المسلمين وقطع صلتهم بالثقافة الإسلامية والعربية على اعتبار أنها من مصادر الإرهاب، كذلك دعت إلى إلحاق أبناء المسلمين بالجيش الأميركي للتدليل على ولائهم لأميركا!


الفهم الصحيح

وهنا يؤكد صلاح أن التعميم في الأحكام أمر غير مقبول، وأن مثل هذه الموضوعات لابد أن تناقش بطريقة جزئية حتى يتم إصدار أحكام صحيحة... وبالتالي ينبه صلاح على أن الإقامة في مثل هذه المجتمعات الغربية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أرض، وشعب، وحكومة.

فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والمسلم يولد أو يعيش في أرض أيّا كانت يجب أن يحمل ولاء لهذه الأرض، وهو ولاء المعمر لا المدمر،أما الشعب فيؤكد صلاح أننا مأمورون من الله عز وجل بالتواصل مع كل الناس لنبلغهم دعوة الله، وبالتالي فالتواصل واجب.

أما الحكومات فلها إيجابيات وسلبيات، فالإيجابيات يجب دعمها، والسلبيات يجب نصحها فيها أو الإنكار عليها... فالبدء بالنصح والانتهاء بالإنكار، شريطة ألا يتجاوز هذا الإنكار اللوائح القانونية عندهم، وربما عد البعض هذا مناقضا للولاء، لكنه - كما يراه صلاح جزء من الولاء؛ لأنه ولاء إصلاحي، وليس فيه تعاون على إثم.

ثم يلمح صلاح إلى أن المسلمين في الغرب لم يستنفذوا بعد كل الوسائل القانونية المتاحة في الدساتير الغربية - أو الأميركي - لإنكار المنكرات الهائلة التي تقوم بها الحكومات هناك، وبالتالي إذا لم تستنفذ الوسائل القانونية لا يجوز الانتقال إلى غيرها.

وعليه يقرر صلاح أن الولاء للأرض وللشعب ولما صح من تصرفات الحكومات ودعمهم والتعاون معهم أمر واجب، لا تعارض فيه مع الولاء للأمة المسلمة، فلو كنت فرنسيا أو أميركيا وهاجمت دولة أخرى هذا البلد الذي أعيش فيه، وجب علي أن أكون أول من يخرج للدفاع عن هذا البلد.أما إذا هاجمت بلدي بلدا آخر واعتدت عليه فلا يجوز أن أشارك، ويجب علي الإنكار، وهذا وفقا لقاعدة «الغنم بالغرم»، وهذا ما تنطق به النصوص والقواعد الأخلاقية للإسلام، إذ لا يجوز لمسلم أن يستفيد من الأرض والعلم والمال والحرية، ثم لا يدافع عن البلد الذي منحه كل هذا.

العدد 2709 - الخميس 04 فبراير 2010م الموافق 20 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً