طالب خبراء اقتصاديون دول الخليج ببناء قاعدة اقتصادية متينة تحل بديلا عن الاستثمار في العقار الذي استنزف نفط الخليج على مدى سنوات طويلة، داعين إلى انتهاز ما تبقى من الثروة النفطية قبل نضوبها لتحقيق هذا الهدف.
جاء ذلك خلال افتتاح اللقاء السنوي الثلاثين لمنتدى التنمية، صباح أمس (الخميس) في فندق كراون بلازا في المنامة الذي ناقش موضوع الطفرة النفطية الثالثة وانعكاساتها على دول مجلس التعاون، إذ يختتم أعماله اليوم (الجمعة) بعد إعلان توصياته والمتوقع أن تتركز في البحث عن بدائل حقيقية للغة الاستثمار المستخدمة في المنطقة، مشيرين إلى أن الحكومات الخليجية كررت الأخطاء في الطفرة النفطية الثالثة التي انتهت مع نهاية العام 2008.
ويشارك في اللقاء نحو خمسين خبيرا ومفكرا سياسيا واقتصاديا من مختلف دول المنطقة، وتم طرح أوراق عمل متنوعة. وتناول أمين عام جمعية «وعد» إبراهيم شريف في ورقته التي عرضها في جلسة أمس البدائل المقترحة لتعويض تأثير هبوط أسعار النفط على الموازنة العامة لمملكة البحرين، وكان من بينها العقار باعتبارها ثروة وطنية، ولكن أموال النفط تم استنزافها في تداولات العقار، مشيرا إلى أنه «لا يجوز التصرف بأراضي الوطن لأغراض شخصية... فقد تم ردم 29.6 كيلومترا مربعا من الأراضي أي بمعدل يبلغ حوالي 5 كيلومترات مربع سنويا... وباستثناء دفن المنطقة الصناعية الجديدة وميناء خليفة فإن أغلب أعمال الردم كانت لجهات خاصة، يمكن تقدير قيمة الأراضي البحرية التي تردم سنويا بحوالي 500 مليون دينار»، وهذه أخذت من ثروة النفط العامة وهذا أثر سلبا على الموازنة.
المنطقة الدبلوماسية - محرر الشئون المحلية
بدأ ت الحوارات أمس وتستمر اليوم، في إطار اللقاء السنوي الثلاثين لمنتدى التنمية، وناقش المنتدون موضوع «الطفرة النفطية الثالثة وانعكاساتها على دول مجلس التعاون». في فندق كراون بلازا، وشارك نحو 50 مفكرا من دول الخليج في بمداخلات معمقة تناولت قضايا التنمية والديمقراطية.
وفي مداخلته أمام الموتمر، قال أمين عام جمعية «وعد» إبراهيم شريف ان النفط تدفق في البحرين العام 1932، ولكن «وبعد ثلاثة أرباع قرن مازلت البلاد دولة نفطية بإمتياز، يعلو الاقتصاد ويهبط كأسهم البورصة مع تحركات أسعار النفط... وليس من الصعب على أي باحث مراقب لسعر النفط أن يجيب دون عناء على سؤال «كيف حال البلد اقتصاديا؟»، مشيرا الى ان «رائحة النفط تملأ الجو، وهو يصنع الأشياء عندما يرتفع إنتاaجه أو سعره- وظائف وبنية تحتية وتعليم وصحة ورفاهية وحسابات مصرفية وعمارات وقصور- ويميتها عندما ينخفض تدفقه أو دولارات إيراداته».
وقال شريف ان «الطفرة النفطية التي بدأت في 1999 بتصحيح أسعار عام 1998 المتدنية ووصلت ذروتها منتصف العام الماضي، وتضاعف بسببها سعر النفط حوالي عشر مرات خلال السنوات العشر التي فصلت بين عامي 1998 و2008 صاحبها أيضا، بسبب تراكمات سياسية أهمها إنتفاضة التسعينيات»، وبعدها جاءت «مرحلة من الانفتاح السياسي بدأها جلالة الملك بعد توليه مقاليد الحكم في مارس 1999 أي في نفس العام الذي بدأت فيه حركة تصحيح في أسعار النفط قبل انطلاق الطفرة الثالثة».
وأضاف «في نهاية عام 2000 أطلق الملك مشروع ميثاق العمل الوطني الذي تم التوافق عليه بعد تحقيق مطالب المعارضة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وإنهاء العمل بقانون ومحكمة أمن الدولة والتعهد بعودة الحياة النيابية على أساس دستور 1973. وقد تم التصويت على ميثاق العمل الوطني بأغلبية أكثر من 98 في المئة من المواطنين في منتصف فبراير 2001».
وتحدث شريف عن «مجموعة من الإصلاحات في مجال سوق العمل والاقتصاد والتعليم»... بالاضافة لأعادة صوغ طريقة ادارة «كل الشركات المملوكة من قبل الحكومة وخاصة شركة ممتلكات البحرين القابضة التي تبلغ موجوداتها أكثر من خمسة مليارات دينار بحريني».
وأوضح شريف «ارتبطت جميع مراحل النمو السريع في الاقتصاد المحلي خلال العقود الماضية مع طفرات النمو في إيرادات الدولة النفطية (المقصود النفط والغاز) باستثناء فترة قصيرة بين عامي 1971 و1973 أخذت فيها صناعة الألمنيوم- بسبب حجمها الكبير نسبيا في الاقتصاد المحلي- دورا هاما يشابه دور الطفرات النفطية مما ساهم في النمو الاقتصادي وزيادة إيرادات الدولة. وقد بدأت البحرين في إنتاج الألمنيوم وتصديره مستخدمة الغاز الطبيعي المحلي رخيص الكلفة في تشغيل مصاهر شركة ألمنيوم البحرين (ألبا). وزاد حجم التصدير من أقل من 7 آلاف طن في 1971 إلى 58 ألف طن في 1972 ثم 97 ألف طن في 1973. وربما يكون دخول صناعة الألمنيوم السبب الأساس في تضاعف دخل الدولة غير النفطي من 4 مليون دينار في 1969 إلى 24 مليون في 1973. إن إقتصاديات صناعة الألمنيوم في البحرين تعتمد بالدرجة الأولى على توفر الغاز الطبيعي بأسعار زهيدة تقل اليوم عن خمس أسعاره في الولايات المتحدة، وهي لذلك على صلة بالصناعة النفطية ومخزونها المحدود وبسياسة الدولة في«دعم» سعر الغاز الطبيعي مقارنة بكلفة إستيراده».
وأوضح «بسبب التأثير البالغ للنفط على ميزانية الدولة، تأرجحت نسبة مساهمته في الميزانية العامة صعودا وهبوطا مع أسعار النفط. بين عامي 1971 (عام الاستقلال) و 1973 انخفضت نسبة الايرادات النفطية (النفط والغاز) إلى 45 في المئة من مجمل الايرادات من متوسط 69 في المئة سُجل خلال الستينيات. عام 1973 كان عاما اسثنائيا بكل المقاييس، فهو العام الذي صدر فيه الدستور، وهو العام الذي جرت فيه أول انتخابات نيابية، وهو في نفس الوقت العام الوحيد خلال النصف قرن الماضي الذي تتراجع فيه مساهمة النفط إلى 45 في المئة من إيرادات الدولة دون أن يؤدي ذلك إلى عجز في الميزانية، فقد تمكنت الخزانة العامة من تسجيل وفر مالي يساوي 16 في المئة من مصروفات الدولة لنفس العام بسبب تنوع مصادر دخل البلاد وإيرادات الحكومة كما أسلفت.
وتحدث عن الطفرة النفطية الأولى والثانية قائلا «ومع تضاعف أسعار النفط بعد حرب أكتوبر 1973 زادت نسبة مساهمة النفط في ميزانية الدولة إلى 84 في المئة من إجمالي إيرادات سنة 1974. وبعد إنهيار الأسعار عام 1986 تراجعت مساهمة النفط بشكل حاد إلى 52 في المئة سنة 1988. وفي الفترة 1970-2008 ساهمت الإيرادات النفطية في المتوسط بـ 65 في المئة أي ما يقارب من ثلثي إيرادات الدولة. وخلال نفس الفترة (1970-2008) ساهمت الإيرادات النفطية في المتوسط بتغطية 70 في المئة من إجمالي المصروفات العامة».
وقال عن الطفرة النفطية الثالثة «ومنذ عام 2000 الذي شهد ارتفاعا حادا في أسعار النفط، استعاد النفط موقعه المهيمن على الميزانية العامة في وضع شبيه بتجربة الطفرتين الأولى والثانية مسجلا معدلا متوسطا بلغ 75 في المئة من مجمل الإيرادات».
وقال «ان تكرار تجربة السبعينيات والنصف الاول من الثمانينيات مع بدء الألفية الثالثة لم يقتصر على تسجيل الارقام القياسية للنمو والتضخم، ولكن أيضا في إعادة الأخطاء حيث يختل توازن الدولة المالي ولا تستطيع السيطرة على نفقاتها، خاصة المتكررة منها كما سيأتي فيما بعد»
العدد 2352 - الخميس 12 فبراير 2009م الموافق 16 صفر 1430هـ