تمثل أول محادثات رسمية بين الهند وباكستان منذ هجمات مومبي خطوة صغيرة نحو تحقيق الاستقرار في جنوب آسيا لكن التفجير الأخير في مدينة بوني الهندية يظهر أن العلاقات بين الدولتين اللتين تملكان قدرة نووية، اكثر هشاشة من أي وقت مضى.
ويجتمع وزيرا خارجية الدولتين بعد غد (الخميس) وسط مشاعر بالهند بأن تفجير مخبز يحظى بإقبال في بوني بغرب الهند في هجوم أوقع 13 قتيلا ربما ينذر بمزيد من الهجمات بل حتى تحدٍّ أكبر للسلام. وكان هجوم بوني أول هجوم يشنه إسلاميون متشددون على الأراضي الهندية خلال 14 شهرا منذ شن مسلحون هجمات في مومبي أسفرت عن مقتل 166 شخصا. ولم يوجه اتهام لأحد في هجوم 13 فبراير/ شباط لكن الكثير من الخبراء يقولون إنه يشير إلى إسلاميين متشددين محليين لهم صلات بباكستان أو يتمتعون بدعم منها.
وقال وزير الخارجية الهندي إس.إم كريشنا لتلفزيون (سي.إن.إن - آي.بي.إن) «الإرهاب هو محور ونقطة تركيز المحادثات».
وفي رد فعل سريع على تفجير بوني قالت الحكومة الهندية إن محادثات السلام التي بدأت منذ أربعة أعوام وتوقفت بعد هجمات مومبي ستستأنف كما هو مقرر.
لكن المزيد من الهجمات قد يجعل من الصعب سياسيا على الهند استغلال أي تقدم يحرز يوم (الخميس) كما سيضر بالجهود الأميركية لتحقيق الاستقرار لأفغانستان وباكستان.
وسعت واشنطن طويلا إلى تحقيق السلام بين الدولتين أملا في أن يسمح هذا لباكستان بسحب قواتها من على الحدود مع الهند لتركز على المعركة ضد حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة».
وقال المحلل الباكستاني المستقل حسن عسكري رضوي «سيساعد هذا الخطة الأميركية بمعنى أنه إذا انخفضت حدة التوتر بين الجارتين فستستطيع باكستان أن تكرس مزيدا من القوات للمناطق القبلية وللحدود الأفغانية». وأضاف «في الوقت الحالي تظهر التصريحات الصادرة من الجانبين الكثير من الاختلاف».
وفي مؤشر على الهوة بين الجارتين أثار تصريح كريشنا الأسبوع الماضي غضب الكثير من الباكستانيين على الفور. ويريد كريشنا من باكستان أن تظهر أنها جادة في كبح جماح الجماعات الإسلامية المتشددة التي تقف وراء هجمات مومبي حتى قبل أن تبحث نيودلهي إجراء محادثات بشأن قضايا أخرى تسببت في توتر العلاقات.
لكن باكستان تريد تناول تلك القضايا الأخرى - خاصة المحادثات بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها - فضلا عن المخاوف من أمور مثل اقتسام مصادر المياه. ويشعر كثيرون في باكستان بالقلق مما يعتبرونه نبرة هندية تنم عن رغبة في القتال بشكل متزايد خاصة بعض التصريحات من القادة العسكريين فضلا عن تعزيز العملاق الآسيوي لترسانة أسلحته.
ويقول بعض المحللين الباكستانيين إن الهند التي ازدادت علاقاتها بواشنطن قوة تشعر أن بوسعها أن تكون اكثر حزما مع إسلام آباد.
وقال اميتاب ماتو أستاذ دراسات السياسة الخارجية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي «لن تحدث انفراجة... هذا استكشاف لما يمكن أن يذهب إليه الحوار».
وبالنسبة لرئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ فإن المحادثات خطوة تنطوي على مجازفة سياسية إذ تعرضه لانتقادات بأنه متهاون مع الإرهاب. وكان اضطر للتراجع في المرة الأخيرة التي تواصلت فيها حكومته مع باكستان خلال قمة عقدت بمصر في العام 2009 .
لكن سينغ (77 عاما) أعطى دفعة للمحادثات. كما أعطى مستشار الأمن القومي الهندي الجديد شيف شانكار مينون - وهو وزير خارجية سابق ينظر إليه على أنه أقل ميلا للقتال من سلفه - دفعة لمبادرة الهند. وهناك شعور في الهند أيضا بأن باكستان أحرزت قدرا من التقدم الحقيقي في التحقيق مع المشتبه بتدبيرهم لهجمات مومبي.
وقال سيدهارت فاراداراجان محرر الشئون الاستراتيجية بصحيفة هيندو «مينون كمستشار للأمن القومي عنصر ضروري والحقيقة أن المحاكمة (بباكستان) تتقدم وأن آليات الأمن الداخلي بالهند تسير بطريقة ملائمة». لكن الهجمات مثل هجوم بوني ستدفعها إلى اتخاذ موقف دفاعي.
ويقول محللون أمنيون في الهند إن هناك مؤشرات على أن الضغوط الدبلوماسية الأميركية التي وقعت تحتها باكستان بعد هجمات مومبي والتي كانت من وجهة نظرهم السبب في عدم تعرض الهند لهجمات إسلاميين متشددين العام 2009 تضاءلت الآن.
وتتمتع باكستان الآن فيما يبدو بأفضلية دبلوماسية حيث توجد مؤشرات على أنها ستكون محورية بالنسبة لواشنطن للوساطة في أي محادثات مع «طالبان» وأي خفض للقوات في الأعوام المقبلة.
وقال اجاي ساهني المدير التنفيذي بمعهد إدارة الصراع ومقره نيودلهي «أعطى هذا لنيودلهي مزيدا من الثقة بأنها بدأت تعود للنقطة المحورية في البناء الأمني للمنطقة». غير أن إجراء المحادثات ربما يكون أفضل من الصمت... فهو يعطي للهند ذريعة لوقف المحادثات إذا وقع هجوم آخر على غرار مومبي. وإذا لم تكن هناك محادثات فلن يكون هناك متسع تبدي الهند رد فعلها من خلاله.
وقال فاراداراجان «الحكومة الهندية حريصة للغاية على تخفيف حدة الموقف».
العدد 2730 - الخميس 25 فبراير 2010م الموافق 11 ربيع الاول 1431هـ