العدد 545 - الأربعاء 03 مارس 2004م الموافق 11 محرم 1425هـ

ورأسك أعجب يا بن رسول الله

«الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا، مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن يؤمنوا بهذا الحديث أسفا، إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا، وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا، أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا» (الآيات من 1 إلى 9 من سورة الكهف)

سمعت ذلك، وأنا أعزف معزوفة الإنسانية فأسرعت إلى النافذة لأطل على الشارع، وإذا بي بركب ما رأيت مثله في حياتي سحبت معطفي وهرولت متخطية عتبات الدرج وفتحت الباب لأطل على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت آه رؤوس على الرماح بلا أجساد، وأطفال ينوحون ويصرخون، وأيضا نساء! ما كل هذا؟

الناس متجمهرة، منهم من يقول هؤلاء خوارج خرجوا عن أمر الأمير يزيد ومنهم من يضرب الطبول فرحا، المحلات مغلقة، فهل اليوم عيد وما عهدت عند المسلمين أعياد في هذا الشهر!!

وقفت مذهولا، وإذا بصديقتي سارة من بعيد تلوح لي فلم أكترث بذلك وسرت كالمجنون وراء الركب أنظر تارة خلفي وأخرى أمامي، وإذا بي واقف جنب شاب محمول على الدابة مقيد اليدين والرجلين والجامعة على صدره وهو يسبح الله ويقدسه، آه وألف آه، رأيت النور يبزغ من جبهته وملامح الشرف والإباء بادية على وجهه الشريف وكأنه المسيح في تقاه.

اقتربت أكثر فأكثر حتى سلمت عليه فقلت: مرحبا، سيدي سيماء الصالحين بادية عليكم فما كل هذا؟

طأطأ رأسه الشريف وقال: عليكم سلام الله بني، بني أسمعت قوما قتلوا ابن بنت نبيهم؟

قلت: وحق المسيح ما سمعت.

قال: بني أسمعت قوما دعوا شخصا لنصرتهم ثم تآمروا على قتله؟

قلت: وحق العذراء ما سمعت، سيدي، مولاي ما الخطب، من أنتم ومن أين أتيتم ولم كل هذا الذي أراه؟

سيدي ما سر تلك الرؤوس ولِمَ يتقدمهم رأس قد بدى نوره حتى لأهل السماء؟ أتسمعه وهو يقول: «أم حسبت أن اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا»...

فرد مولاي ودموعه تنساب كالسيل الجاري بلا توقف أو جمود: اسمي علي بن الحسين بن علي وألقب بزين العابدين وهؤلاء الأطفال هم يتامى تلك الرؤوس والنساء هن ثكلى تلك الرؤوس. وأما الرأس الذي في المقدمة فهو رأس أبي الحسين عليه السلام يرتل القرآن وهي كرامة يهبها الله لمن يشاء من عباده.

نحن يا هذا أتينا من مدينة جدي رسول الله ثم عرجنا إلى مكة وبعدها أتينا هذه الديار بطلب من قومها لرفع الظلم عنهم ولكن يزيد أبى إلا أن يثأر لآبائه الذين قتلوا في بدر على يد جدي إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك بقتله أبي وأصحاب أبي وباضهاده لنا ثم سألني: هل أنت مسيحي؟

قلت: نعم، سيدي أنا مسيحي.

قال: السلام عليك يا جداه يا رسول الله وعلى عيسى ابن مريم ثم سكت برهة وقال بعدها ما اسمك؟

قلت: علي...

قال: السلام عليك ياجداه يا أمير المؤمنين.

ثم التفت إليّ وقال من الذي اسماك علي؟

قلت: والدي هو الذي اسماني عليا، لأنه كما يقول بحث في كتب التاريخ فلم يجد أتقى من علي ولا أورع من علي في زمن كان الناس يتهافتون على الدنيا تهافت السباع على الفريسة وطلقها علي، قال لي أبي «بني ما سمعت أحدا مثل علي يمنع عن أخيه عقيل لقمة العيش من مال المسلمين وهو أشد الناس حاجة لها خوفا من الله». «من مثل علي؟» هكذا كان يقول أبي، فأجهش مولاي زين العابدين بالبكاء ونادى «جداه أينك عنا...»، وأنا أسمع الرأس الشريف مازال يرتل القرآن فتنهمت لما أصاب القوم وبكيت ثم التفت ومازال الرأس الشريف يذكر «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا». فنظرت إلى الرأس وقلت: ورأسك أعجب يا ابن رسول الله.

وما هي إلا لحظات وإذا بريح باردة هبة عليّ فاختفى المشهد على اثرها ثم ارتعش جسدي ارتعاشا وأغمي علي وأفقت اثر صوت سارة وهي تناديني مالك ياعلي؟ جلست على التراب هنيئة مطرقا رأسي إلى التراب ثم نهضت وأنا أقول «إنا لله وإنا إليه راجعون» عبارة لم أرددها من قبل. رفعت رأسي إلى سارة قائلا لها: يا سارة إما أن نتزوج أو الفراق خير لنا، لأنني لست على استعداد لارتكاب ما يغضب جبار السماء.

ردت سارة على استحياء، لكن لم لا نتزوج أليس ذلك أفضل. فأجبتها: وهل تقبلين بمسلم؟

فأجابت: ولم لا يا علي (...) وكلنا في الدائرة الإنسانية.

فاطمة عبدالرحيم الشويخ

العدد 545 - الأربعاء 03 مارس 2004م الموافق 11 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً