قدمت الثورة الفرنسية، إعلانها الشهير لحقوق الإنسان، وقدمت الثورة الإنجليزية البرجوازية «عريضة الحقوق»، والثورة الاميركية وثيقة «إعلان الاستقلال» وأنجبت الحربين العالميتين الداميتين في 10 ديسمبر/كانون الأول «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ولكن مهما قدمت حروب وثورات ومواثيق العالم، فلن توازي ماقدمته ثورة الإمام الحسين (ع) في العشر من محرم... تلك الثورة التي ألهمت المهاتما غاندي، ونصرت الضعفاء، وإنسانية الإنسان.
قال نائب مركز البحرين لحقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة: «برز الإمام الحسين مدافعا عن الحرية بشكل عام، ورافضا لحال الخضوع للنظام السياسي الظالم، كما اعطت قضية الحسين الشرعية للمجاهرة بالانتقاد السياسي، للسلطة كوسيلة لمحاربة الظلم، كما سلطت الثورة الضوء على صور الانتهاكات المتمثلة بالنظام الدموي». وبيّن أن سبب الثورة يعود الى «فرض معاوية بن أبي سفيان النظام الوراثي بدلا من الشورى، وفرض ابنه على السلطة السياسية، وسيطرته على مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية».
المطالبة بالحقوق
وتطرق إلى أسلوب المطالبة بالحقوق بقوله: «الامام لم يُبادر باستخدام العنف «كوسيلة» ضد الدولة، إنما أختار طريقة الاعتراض وعدم إعطاء الولاء السياسي أو المبايعة، وهذا الاعتراض والاحتجاج بحد ذاته يعمل على نشر ثقافة الحقوق، وتعويد الناس على المطالبة بحقوقهم». أما عن الدور الذي لابد ان يقوموا به كجهة حقوقية، فقال: «لابد أن نلقي الضوء على القضية بتفاصيلها لتقديم نموذج حي، ولتأصيل مبادئ حقوق الانسان في الثقافة المحلية، وبدلا من الاستعانة بنماذج بعيدة عنا، فلتعرض ملحمة كربلاء كنموذج تاريخي لترسيخ المبادئ».
الدين هو العدالة
أما رئيسة جمعية المستقبل النسائية والمهتمة بالشئون الحقوقية شعلة شكيب فبينت ان الحسين «خرج من أجل الاصلاح، ولتثبيت أركان الدين والشريعة، التي تدعو إلى تولية من هو أحق بتولي البيعة، من منطلق الشخص العادل، الذي يحفظ حقوق الناس». منوهة بأن «من أهم مبادئ الدين الذي ناضل من أجله الامام هو حفظ الحقوق، والعدالة وجعل الناس سواسية كأسنان المشط».
وذكرت أن عاشوراء سطرت مفهوم «المطالبة بالحقوق»، إذ إنها «حثت على تغيير الواقع»، موضحة أن عاشوراء «علمتنا كيف ندافع عن حقوقنا، فهل نرضخ ونبايع ونسكت ونتخاذل، أن نواجه بالحوار والنصح أولا، وعندما تستحيل الاستجابة نلجأ لوسائل اخرى للدفاع عن الحقوق المسلوبة».
استعادة الحقوق
وقد لفتت إلى أن الإمام «ضرب لنا أروع مثال في الكيفية التي لابد أن يتحرك بها القائد لاستعادة الحقوق، إذ إن المعركة كانت منظمة وتحمل في طياتها استراتيجية واضحة، قلما يوجد نظير لها اليوم».
أما رئيس لجنة الشهداء وضحايا التعذيب عبدالرؤوف الشايب فقد بين أن الكثير من الروابط موجودة بين حقوق الانسان، وحركة الامام الحسين، «أولها أن الاصلاح الذي خرج من اجله الحسين يُعد من حقوق الانسان الاساسية للمواطنين». ومن أبرز ما دعا إليه الحسين هو «الحرية» إذ «ركز في خطاباته مع أعدائه على هذا المفهوم، حينما قال لهم: إن لم يكن لكم دين، فكونوا احرارا في دنياكم».
وأضاف: «لقد جسدت عاشوراء حق اتخاذ القرار كما حصل للحر الرياحي، والحق في حرية الدين والمعتقد». وعن كيفية استثمار قضية عاشوراء للمطالبة بالحقوق قال: «عاشوراء ثورة انتصار الدم على السيف، والمشتغلون بحقوق الانسان لابد أن يدركوا أنه مهما بلغت قوة الطرف الآخر فحتما ستنتصر قوة الحق والدم والكلمة، فمن الممكن استثمارها لئن تكون منطلقا للضعفاء».
أربعة معالم
السيدكامل الهاشمي بدأ حديثه بقول الامام الحسين (ع): «وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي أبن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»، مبينا أنه: يتحدد «الإصلاح» كمطلب أولي وأساسي في الثورة الحسينية، وهذا ما يضفي عليها سمة إنسانية متعالية، وقد تأصلت هذه النزعة الإنسانية الرفيعة في مسار الثورة الحسينية منذ انطلاقتها الأولى، حتى نهايتها بمقتل الحسين بن علي (ع) قائد الثورة، وإن كانت الثورة الحسينية لم تعرف النهاية بالمعنى الدقيق للكلمة، لأنها مازالت تشتعل في النفوس، ولم تستنفد غاياتها التي انطلقت من أجلها بعد.
وأشار الى أربعة معالم «استثنائية فريدة في حركة الثورة الحسينية تدلل على عمق النزعة الإنسانية التي اقترنت بها منذ لحظة تشكلها، والتي لم ولن تفارقها أبدا».
واستعرض الهاشمي المعالم الأربعة.
المعلم الأول: «الأهداف والدوافع الإنسانية للثورة: وقد أفصح عنها وبينها الخطاب الحسيني القائل: «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في اطفاء نور نبيكم. وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير»
المعلم الثاني: «لا حواجز ولا طبقات في الثورة الحسينية: يقول ابن نما في «مثير الأحزان»: « تقدم جون مولى أبي ذر وكان عبدا أسود فقال له (ع) أنت في إذن مني فإنما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقنا فقال: يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ والله إن ريحي لمنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ثم قاتل حتى قتل».
المعلم الثالث: الثورة من أجل التصحيح مهمة يشترك في إنجازها الجميع: فقد أشرك الإمام الحسين (ع) في الثورة معه كل الأحرار الذين ينتصرون للحق والعدل، ويرفضون الباطل والظلم، وهذا ما أوضحه بعض المحدثين حينما قال في معرض حديثه عن بعض أصحاب الحسين (ع): «رأيت حديثا أن وهبا هذا كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يد الحسين، فقتل في المبارزة أربعة وعشرين راجلا واثني عشر فارسا ثم اخذ أسيرا فأتي به إلى عمر بن سعد فقال: ما أشد صولتك؟ ثم أمر فضرب عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام فأخذت أمه الرأس فقبلته ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين، فقال لها الحسين عليه السلام: ارجعي يا أم وهب أنت وابنك مع رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت وهي تقول: إلهي لا تقطع رجائي، فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاك يا أم وهب»
المعلم الرابع: إشراك المرأة إلى جنب الرجل في الثورة الحسينية: والمؤرخون للثورة الحسينية يحدثوننا عن دور إنساني كبير قامت به النسوة في الثورة الحسينية كتلك المرأة العجوز التي قتل ابنها في المعركة «فحملت أمه رأسه وقالت: أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني. ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول:
«أنا عجوز سيدي ضعيفة خاوية بالية نحيفة أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة»
وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها».
المنامة - جعفر العلوي
لم يكن الإمام الحسين مدافعا عن حقوق الإنسان بما هو فرد فقط، ولكنه دافع عن حقوقه ضمن المجموع كأمة. وحقوق الإنسان ضمن المجموع هي ما عرف في التعبير الإسلامي بمصطلح الأمة. انطلق الإمام في نهضته بعد أن شعر بمسئوليته تجاه أوضاع متخلفة وخطيرة تعيشها الأمة بسبب سيطرة حاكم على مقاليد السلطة السياسية، والذي لم يكن يتمتع بأدنى مؤهلات الحاكم وفق المنظور الإسلامي، أو وفق المنظور المتعارف عليه حتى على المستوى القبلي التقليدي.
ونستطيع أن نوجز ارتباط نهضة الإمام الحسين بحقوق الإنسان وحقوق الأمة في القضايا والمفردات الآتية التي حفلت بها قضية عاشوراء.
حق الأمة في أن يكون الحاكم عادلا فاضلا
فأما يزيد فقد كان كما وصفه الإمام «يزيد رجل فاسق، فاجر، شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة ومعلن الفسوق والفجور» وهذا يعني أنه ليس بمؤهل أن يكون مؤتمنا على رئاسة أمة وهو بهذا المستوى الإجرامي من الفسق والقتل والفجور.
الأمة في حماية مالها العام
قال الإمام الحسين عليه السلام مستنكرا على بني أمية تلاعبهم بأموال المسلمين، والتي جعلوها دولة بين الأمراء والولاة منهم: «اتخذوا مال الله دولا» وفي كلمة أخرى «واستأثروا بالفيء» أي حقوق الأمة المالية.
حق العيش بكرامة وحرية
استنكر الإمام الحسين على بني أمية أنهم «اتخذوا عباد الله خولا» أي أنهم يتعاملون مع المسلمين الشرفاء الذين أكرمهم الله بدينه وجعلهم أحرارا، كعبيد لديهم، وبالتالي فليس لهم أدنى حقوق تحت حكم الأمويين، فالمعارضة السلمية كانت تُسحق وتقتل، والمعارضون كانوا يلاحقون ويذبحون وفقا لنهج معاوية «خذوهم بالظنة واقتلوهم بالتهمة».
حق العيش في أجواء أخلاقية
من الواجبات الأساسية للدولة توفير الأجواء الأخلاقية بمنعها المنكرات وأوجه الفساد التي تؤدي الى تدمير روحية الشعوب وازدياد حال الفوضى والسرقات والزنى والقتل وما اشبه من جرائم. لقد اعترض الإمام الحسين على بني أمية استهتارهم بنشر الفساد، فقال عن يزيد «معلن الفسوق والفجور»، وحين يكون الحاكم معلنا للفسوق فكيف تتوقع الحال العامة للناس، كما يقول الشاعر العربي:
إذا كان رب البيت بالدف مولعا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
الحق في الانضمام للمعارضة والانسحاب منها
فعلى رغم أن الإمام اتخذ منهج الثورة على يزيد، فإنه كان يخاطب الناس بأسلوب إقناعي ويرغبهم في الانضمام معه، ولم يخوّن أحدا، أو يسقطهم بأقواله على المستوى الجماهيري، قائلا للناس «ألا من كان فينا باذلا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا». بل إنه أضاف حقا قلما تقوم به الجهات المعارضة وهو حق الانسحاب في أوقات المواجهات من دون أدنى تسقيط او تعييب، فقد قال لأصحابه ليلة العاشر «هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا»، أي باستطاعتكم ان تنسحبوا في وقت الليل، وإن ذلك ليس بمستنكر لديه. فحاشا للإمام أن يبدي هذا الحق لهم ويبطن تضايقه حين يستخدموه.
حق الناس في الاطلاع والمعرفة
أهتم الإمام الحسين كثيرا بتثقيف أصحابه والناس عموما بما فيهم من أتوا الى مقاتلته بتوضيح أسباب الثورة وأهدافها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح وضع الأمة، فخطب أمام الناس في مكة وعرفهم ما هو مقدم عليه من الخروج على سلطة بني أمية. كما أنه خطب في الجيش المعادي له وأوضح لهم أن معرفة سبب نهضته هو حق لهم، قائلا: إيها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ، وحتى أعتذر اليكم من مقدمي هذا».
حق الأمة في مراقبة الحكام وضرورة تقيدهم بالقوانين كان من ضمن الإشكالات الكبرى التي رآها الإمام الحسين على الدولة الأموية استهتارها بالقوانين العامة التي تحكم الدولة الإسلامية. فقد كان الخمر محرما وممنوعا وفقا لقوانين الدولة الإسلامية، وكذا الفجور والفساد. كما أن الحزب الأموي قام بمخالفات متعددة أوجزها الإمام في قوله: «وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله». هذه بعض اللمحات في جانب الحقوق التي رعاها سيد الشهداء في نهضته. وإن أهم الحقوق التي رعاها الإمام هو تقيده بكل أخلاقيات ونبل المعارضة وسلميتها، ثم رعايته لحق الله جل وعلا وحق الأمة وأجيالها القادمة في أن تعيش عزيزة كريمة باستشهاده دفاعا عن المبادئ والقيم التي آمنت بها الأمة
العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ