العدد 560 - الخميس 18 مارس 2004م الموافق 26 محرم 1425هـ

العولمة حولت اقتصادات الدول النامية إلى اقتصادات «كاسدة»

في دراسة للمركز العربي للتنمية

دعا المركز العربي للتنمية الاقتصادية والسياسية المجتمع الدولي والقوى الكبرى الصناعية إلى تغيير المعادلة الاقتصادية تجاه منطقة الشرق الاوسط والدول النامية، مشيرا إلى ان المبادرة الممكن القبول بها هي الاصلاح الاقتصادي وهي الحل المنطقي لشئون المنطقة.

وأورد في دراسة جديدة له عن «فخ العولمة... والشرق الأوسط» تصورا لمبادرة اصلاح اقتصاد المنطقة أخذا بالكثير من المؤشرات والبراهين على ان منطقة الشرق الاوسط، تحتاج الى «شراكة دولية اقتصادية جديدة» لتحقيق التنمية باعتبارها مسئولية مشتركة للارتفاع بنسبة التنمية الى 7 في المئة من الناتج القومي الاجمالي كما خطط لها في بداية الالفية، وخصوصا ان المنطقة تحتاج اكثر من 40 - 60 بليون دولار موارد اضافية لتحقيق اهداف التنمية. وقال ان المبادرة الحقيقية الممكن تقديمها من المجتمع الدولي هي مساعدة الدول وتهيئة الفرصة للبلدان النامية لانتهاج سياسات تمكن اقتصاداتها من النمو، سياسات نابعة منها ومملوكة لها... سياسات بتوافق الآراء وليست بالأمر.

وقالت رئيس المركز العربي للتنمية الاقتصادية والسياسية زينب عبدالهادي ان التقرير احتوى على عدد من الرؤى المنفصلة «للعولمة» باعتباره المحرك الرئيسي للصراعات الحالية بين المجتمع الدولي ومنطقة الشرق الاوسط. وأعطت تصورا للعولمة الحالية التي لا تتلاءم مع المنطقة والعالم، مشيرة إلى ان القوى الكبرى والدول المتقدمة حملت الرفاهية لشعوبها واقتصاداتها على حساب دول المنطقة والدول النامية إذ تم تحويلها الى «اقتصادات كاسدة» تحمل في طياتها نحو 87 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، ومواجهة بطالة تعادل نسبة 23 - 73 في المئة بالمنطقة ومطلوب 100 مليون فرصة عمل العام 2010، ونحو بليونين من سكان العالم محرومين من التكنولوجيا والمشاركة في مزايا النمو الاقتصادي العالمي، بالاضافة إلى خسائر للمنطقة تقدر بـ 700 بليون دولار العام 2005 نتيجة إغلاق الأسواق العالمية أمام الواردات المصنعة في الدول النامية. وقد اعتمدت تلك القوى على الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا والعولمة إذ تفتقد الكثير من دول المنطقة والعالم التكنولوجيا المتطورة.

وان العولمة الحالية لم تخفف من حدة الفقر وإنما أدت إلى زيادة الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة بل وبين سكان البلد الواحد، وقد تم ذلك من خلال فرض نفوذ اكثر من 500 شركة متعددة القوميات في العالم موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وهي مسئولة عما يتراوح بين 80 -90 في المئة من تدفقات الاستثمارات الاجنبية المباشرة وعن اكثر من نصف التجارة العالمية وتتحكم الكتل الثلاث في غالبية التجارة ومعظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة الى الدول النامية تحصل عليها (10 دول فقط).

ووفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي فهناك 177 دولة تمارس السيطرة على الاستثمار الاجنبي المباشر و128 دولة تضع القواعد المتعلقة بالعمليات المالية الدولية.

لذلك فقد زاد إجمالي التدفقات المالية الدولية من خلال زيادة معدل الدوران اليومي للنقد الاجنبي من 15 بليون دولار العام 73 الى 102 مليار دولار العام 95، وارتفعت مشتريات ومبيعات المواطنين الأميركيين من السندات وحقوق الملكية ما يعادل 9 في المئة من الناتج الاجمالي العام 80 الى 64 في المئة العام 96.

الشركات المتعددة القوميات

ويبين المركز العربي في تقريره الطريقة التي اتبعت من قبل الشركات المتعددة القوميات لتحقيق اهدافها في السيطرة والهيمنة على ثروات واسواق الدول غير القادرة على تنميتها إذ تقوم تلك الشركات المتعددة القوميات خصوصا بتجميع المستخدمين وذوي المعارف الواسعة معا، والموظفين المهرة واصحاب النفوذ السياسي واستقطابهم لتنفيذ سياساتها.

- استخدام فئة النخبة وهي المجموعة التي تملك صنع القرارات السياسية والاقتصادية وتملك التميز في الوصول الى الاسواق وخصوصا ان كثيرا من هذه الدول لا توجد لديها اسواق ائتمانية لرجال الأعمال المبادرين الذين لا يستطيعون تقديم ضمانات كافية مقابل ما يحتاجون اليه من قروض ولا توجد هذه الضمانات في الغالبية إلا لدى أصحاب النفوذ أو ذوي الصلة الوثيقة مع النخبة السياسية.

- ايضا تقوم باستقطاب الاشخاص والطلبة الواعدين من الدول النامية وتتيح لهم فرص استكمال الدراسة وتقدم لهم المساعدات المالية وهم يفضلون البقاء بعد ذلك «هجرة العقول والكفاءات».

- تقوم بتأسيس كليات الادارة والاعمال باعتبار انها المحرك الرئيسي للعولمة - إذ تقوم عدة شركات منها بتدريب السكان المحليين في مجالات مختلفة - ايضا تدخل في انواع متعددة من التحالفات مع الجامعات المحلية وأصبحت بعض جوانب التعليم كالادارة اكثر دولية بالاضافة الى وجود قوة دافعة اخرى وراء نشر فكر الادارة وارائها ويطلق عليهم «نجوم العولمة».

منطقة الشرق الاوسط

والدول النامية و«العولمة»

وركزت الدراسة على ان العولمة تفترض ان هناك تجارة حرة وتدفقات رؤوس اموال واستثمارات اجنبية مباشرة واقتصاد سوق في الدول المشاركة الا ان كثيرا من الدول النامية تعاني نقصا في رأس المال وان العقبة الكبرى هي عدم قدرة كثير من الدول على انتاج رأس المال على رغم ان الاصول التي تمتلكها هذه الدول الفقيرة تفوق كثيرا (بمقدار 40 مرة تقريبا) جميع ما تلقته من معونات اجنبية خلال نصف قرن مضى والعقبة تتمثل في الآتي:

- ان الاصول في معظم الدول النامية وايدي الفقراء في العالم تقدر بـ 9,5 مليارات دولار ولكنه «رأس مال ميت» فهذه الاصول تكون على صورة «لا تخلو من الخلل» تجعلها غير قادرة على توليد الدخل ولذلك تعتبر رأس مال ميت وهكذا يصبح لدينا عالم يحتاج الى رسملة.

- ان الدول النامية تفتقر إلى القدرة على تحويل الاصول الى رأس مال من خلال شكل وصيغة قانونية بينما على العكس فالنظام في الغرب يضمن ان تولد الاصول رؤوس اموال.

- بلغ اجمالي قيمة العقارات الموجودة بحوزة الفقراء ولا يمتلكونها بصيغة قانونية في دول العالم الثالث والشيوعية سابقا 9,3 مليارات دولار وهو مبلغ يساوي ضعف اجمالي الإمدادات النقدية المتبادلة في الولايات المتحدة... وهذا المبلغ يقترب كثيرا من اجمالي قيمة جميع الشركات المسجلة في اسواق الاوراق المالية الرئيسية في اكبر عشرين دولة متقدمة ويزيد 20 مرة على جميع قروض البنك الدولي خلال العقود الثلاثة الماضية ويزيد 93 مرة على جميع مساعدات التنمية من الدول المتقدمة الى دول العالم الثالث خلال الفترة نفسها.

- ان حاجة الدول النامية في المرحلة الحالية هو تحويل «رأس المال الميت» - الاصول - الى رأس مال انتاجي حتى تصبح لديها القدرة على تكوين الشركات وتنميتها وتصبح في موقف احسن لتوريد السلع المقبولة في السوق العالمية، ولتتمكن ايضا من تطوير وتنمية روح المبادرات الخاصة والابداع والاعمال التي تعتبر اساسية لدخول الاقتصاد العالمي للدول المحرومة من التكنولوجيا:

العولمة والتكنولوجيا ظاهرتان تقوي كل منهما الأخرى، ولكن هناك ثغرة قائمة بين مبدعي التكنولوجيا (نحو 15 في المئة من سكان الأرض) واولئك القادرين على تبنيها (نصف سكان العالم) من جهة وبين اولئك المعزولين عن التكنولوجيا (ثلث سكان العالم) والمحرومين منها من جهة أخرى ومن المتوقع ان تتسع (لا أن تضيق) على المدى المتوسط على الأقل.

- الدول النامية تشتكي من أن الدول الغنية تجبرها على فتح اسواقها اكثر من اللازم... وتقوم بإغلاق أسواقها امام صادرات الدول النامية إذ اتضح ان متوسط التعريفة التي تفرضها الدول الغنية على الواردات المصنعة في الدول الفقيرة تزيد عن متوسط التعريفة على الواردات من الدول الغنية أربع مرات! وهذا طبعا يحرم الدول الفقيرة من إمكانات تصدير ما قيمته 700 بليون دولار حتى العام 2005!

ودعت الدراسة الحكومات في منطقة الشرق الاوسط إلى مراجعة الاتفاقات السابقة مع منظمة التجارة العالمية في ضوء الممارسة المتحققة التي بينت انحيازا كبيرا ضد مصالح البلدان النامية التي أدت الى انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لشعوب هذه البلدان وضرورة رفض شمول الخدمات الاساسية «المياه والصحة والتعليم» لارتباطها المباشر بمعيشة المواطنين وحقوقهم.

- السؤال المطروح الآن: هل ستشجع العولمة على نمو اقتصادي اسرع خصوصا بين (4 - 5 مليارات نسمة) الذين مازالوا يعيشون في الدول النامية حتى اليوم... إن الدول النامية بحاجة الى المساعدة لكي تتعامل مع اوجه الضعف التي تعاني منها وتتغلب عليها، ولكن هل هذه الدول تشعر أن هناك من يستغل نقاط ضعفها؟

العدد 560 - الخميس 18 مارس 2004م الموافق 26 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً