الأيام هي ذكرى ساعات قليلة مضت وحاضر لحظات فانية، ومستقبل عمر باق. فالأمس سعادة لا تحسب، واليوم دمعة فراق وحزن ووداع، وغدا أيام مجهولة بين طيات القدر. مهما أعطتنا الدنيا فإنها ستأخذ منا ولا تبقى السعادة لأحد للأبد... مهما طال به المطاف وطالت به أيام الربيــع!
بكل حزن أرثي أبي الثاني وعمي القريب إلى قلبي... البعيد عن عيني... عمي الحبيب خالد عبدالوهاب الخان. ذهبت ولم تنتظر منا وداعا... فجعتنا برحيلك وسيبقى في القلب مكانك... رحمك الله، رحمك الله، رحمك الله بواسع رحمته وأدخلك فسيح جناته.
افتقدك يا من كنت في منزلة والدي... لم تبخل علي بحنانك وطيبة قلبك قط... كنت تعاملني كإحدى بناتك... لقد كانت فاجعة عظيمة يوم أن فقدناك... ذكراها لا يفارق مخيلتي... إلا أنني أؤمن بأنه سيأتي يوم وسينقطع حبل كل إنسان ربط نفسه بالحياة، فقد قال تعالى: «كل نفس ذائقة الموت» (آل عمران:185) وهكذا تنتهي دورة حياة الإنسان القصيرة لتبدأ الدورة الأبدية.
كنت أتشوق لرؤياك بعد فراق طويل... طال فيه الشوق... وزاد فيه القلق... وكثر فيه الدعاء لك بالشفاء العــــاجل... والعودة سالما معافى لأرض الوطن... لأحبابك ومحبيك... ولم أدرك أبدا أن يوم سفرك سيكون آخر يوم نراك فيه... ولكن الإنسان لا يستطيع أن يطيل من عمر أحد.
أصبحت لا أرى في مخيلتي سوى وجهك المبتسم في لحظة الفرح... أذكرك في كل لحظة وحين... أدعو لك الله بالرحمة والمغفرة ونعيم الآخرة وجنان الخلد... وإني لأحمد الله عز وجل على انه قدر لي البقاء قربك حين كنت حيا ترزق في الكثير من الأيام برفقة أم راشد ومريم ودانة... يا لها من لحظات جميلة قضيناها بجوارك... كان لقاؤك يبهجني كما تبهج اللعبة الطفل ويبهج المال الفقير.
لقد ذبل الورد وذبلت معه الزهور، انطفأت وغابت السعادة برحيلك كأنها الشمس في لحظة المغيب إلا أنها لا تشرق أبدا من جديـــد. لقد بكينا وذرفنا الدمع الغزير... ولكن شمس لحظاتك التي تشرق بين حين وآخر تمد شفاهنا بابتسامة رسمتها أنت في قلوبنا.
ستبقى يا أعز الناس كما وصفك اسمك... خالدا في قلوبنا... هنيئا لك ما تركت من ذرية عاملة على رفع اسمك من بعدك، وسيظل نهج حياتك قدوة لنا... منهجا نسير عليه فينير دروبنا... فكل درب مشيت فيه أوقدت بأعمالك الخيرة قنديلا ينير حياتنا ويحثنا على فعل الخير والحث عليه... فهذه شموع تعكس في مخيلتنا وتعيد شريط الذكريات التي عشناها معا في حلوها ومرها... رحمك الله يا مشعلا ينير درب حياتنا... وأسكنك المولى عز وجل فسيح جناته.
وإن مرت الأيام والسنون وغبت عن أنظارنا فلن تغيب عن قلوبنا... سنظل نذكرك في كل فرح ولن ننســـاك أبدا... وإني لأحمد الجليل القدير الذي أنعم على روحك الطاهرة بأن اختارها في ليلة من أحب الليالي إليه... ليلة رمضانية مباركة في الوتر الأخير... جعل الله الجنة مثواك في الدار الآخرة... إني لأدعو الله لأهلك ولنا صبرا وسلوانا... يا من شهد لك الجميع برحمة قلبك... إلى جوار ربك فهو الرحمن الرحيم... اللهم أنت تعلم أنه لو كان ضيفي لأكرمته والآن هو ضيفك وأنت أكرم الأكرمين.
ابنتك: أسمه يعقوبي
العدد 561 - الجمعة 19 مارس 2004م الموافق 27 محرم 1425هـ