العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ

ياسين ونحن

إن من الغريب أن يوضع شيخ طاعن في السن جاوز السبعين عاما بقليل على لائحة الإرهاب، وخصوصا إذا كان هذا الشيخ مقعدا ضعيف البنية لا يسمع صوته الا متهدجا لما أثرته سنون الاحتلال وسجونها فيه، الأعجب أن يكون من وضعه على هذه القائمة أكبر عتاة العالم (أميركا)، وطبعا لأن أميركا تحترم سيادة الدولة الإسرائيلية فإنها لم تتجرأ أن تقدم على إنزال غضبها على الإرهابيين المقاومين للاحتلال الإسرائيلي كما تفعل هي بالمقاومين في العراق، لذلك لم تستنكر ثالثة الأثافي في مثلث الشر كوندليزا رايس عندما تمادى الاسرائيليون في حقدهم وخوفهم بأن استهدفوا الشيخ ياسين بصواريخ اغتالت الأب الروحي ليس للفلسطينيين فحسب، بل لكل حر عربي يؤمن بالمقاومة من مسيحيين ومسلمين، لكي يخرج من بعدها شارون وبكل صلافة وجه مهنئا قواته بنجاح عملية الاغتيال.

لكن ما كان مخططا له من تأثير هذه العملية على فصائل المقاومة الفلسطينية وإضعاف عزيمتها وتشتيتها، هذا التخطيط قد فشل، ليس لأن الحزن يجمعنا نحن الشعوب العربية ساعة وقوعه ومن ثم يذهب كل يبحث عن مصالحه منفردا، بل لأن حماس أرادت أن ترينا مثالا عظيما لما تعني المقاومة، إذ خرج المعلقون السياسيون من حماس معلنين بأنه ستكون هناك عمليات تفجع كل بيت في «إسرائيل»، وكل حي وكل شارع، ناجمة عن مئات من القتلى في صفوف المحتلين، ولكن ما الجديد في ذلك؟ لقد كانت حماس هي جبهة المقاومة الأكثر إقداما على النزال مع «إسرائيل» وقد كانوا يردون على كل اجتياح اسرائيلي لأراضي الخليل وجنين وغزة بهذه العمليات المباركة.

الجديد هو أن حماس لن تقوم بهذه العمليات على مقتل قائدها والأب الروحي، بل إنها ستقوم بها مضيا على طريق تحرير تراب هذا الوطن المحتل من النهر إلى البحر، وقد أعلنت أن المصاب جلل ولكنه مصاب سيزيد من حدة المقاومة ويبين لها أن لا سبيل إلا في المقاومة والانتصار فيها، ولن احتاج هنا إلى أن استشهد من التاريخ وعبره عن نجاح مقاومات بعد مقتل قائدها الا بضرب مثال عن مقاومة كان لها شيخ طاعن في السن لم يثنه بياض عارضيه عن مقاومة المحتلين لصحراء بلاده، وكان استشهاده على يد المحتل مؤججا لسعير مقاومة، ذلك هو الشيخ عمرالمختار، الذي فقد الفلسطينيون شيخا لا يقل عزيمة ولا شأنا عنه، وهذا دليل على أن الفلسطينيين سينالون ما ناله الليبيون من قبلهم.

لم يحزني خبر الشيخ بقدر ما احزنني ما عاينته وسمعته من اذاعاتنا هنا في البحرين، من الذي يحزن لاستشهاد الشيخ وقد آل إلى الجنة، لكن حزني كان على ما كانت اذاعاتنا تتناقله من أغانٍ ومن برامج غثة لا تنقل نبض الشارع العربي وحوادثه إلى المستمعين هنا، ولكأنما الحاصل من اغتيال جرى لمنظمة ولشخص مجهولين في غياهب إفريقيا، وما حصل بالأمس من نوم الإذاعة عن تغطية الخبر بالشكل الصحيح ان هو إلا بسبب غياب خطة عمل ثقافية في وزارة الإعلام لدينا.

وليس من العجب العجاب أن تقوم قناة «المنار» بتغطية الخبر وأن توصل استهجانها إلى مسامع الإسرائيليين على شكل صواريخ كانت تؤبن الشيخ وتقول له إنا ماضون على دربك، وإن الشعب اللبناني واع ويبكيك، بل العجيب أن ترى إذاعة الـ «بي. بي. سي» اللندنية تقوم بتغطية إعلامية على مدار الساعة ومتواصلة طوال اليوم تنقل الحوادث وتناقشها مع الاحزاب والناس.

كشف لنا هذا الحدث غير العادي كم كانت وزارة الإعلام لدينا في سبات عميق، لا نعرف ما يجري في الخارج ولا نتفاعل معه، وهنا أرجو أن يسمعني أخواني في حماس... إنا لسنا كذلك بل نحن معكم ونؤازركم ونقول لكم كما قال شاعرنا الدمستاني من اكثر من مئتي سنة في شطر بيت له:

(إنما الدنيا أعدت لبلاء النبلاء).

حسين الحداد

العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً