ماذا يجري في وزارة الصحة؟ ما الذي يحدث ومن يقف وراء جل هذا الجدل؟ اختلط «الحابل بالنابل»... لم نعد ندري من هو الجاني ومن هو المجني عليه. الأوراق تمازجت وتناثرت الرؤى يمنة ويسرى. ففي حين نرى الاستشاريين يطالبون بإرجاع حقوقهم المسلوبة، ويلوحون بمقاضاة الوزير لأنه على حسبهم تعدى الحدود وقذفهم باتهامات باطلة تحتاج إلى إثباتات.
وفي خضم هذا الخلط واللغط، نرى وزير الصحة خليل حسن يدشن المشروعات ويعلن اتفاقات لا يمكن لأحد أن يقول عنها إنها غير صحيحة، ويحاول جاهدا إرساء دعائم جهاز الصحة الذي عانى بحسب الوزير من «تراكمات خلفها السابقون».
وهكذا انقسم الرأي العام الى قسمين، أناس يصوتون لصالح الوزير، وآخرون يطالبون بإرجاع الكفاءات إلى محلها الصحيح، وتكليفها بالعمل الصحيح... فيا ترى من هو صاحب الحق؟ «الوسط» لم تغب عن الحدث والتقت بمختلف الأطراف لتنقل للقارىء بصدق كل ما يدور بعيدا عن التهويلات والأساليب الدعائية لأي طرف.
وعلى صعيد متصل عقد موظفو الصحة ظهر أمس مؤتمرا صحافيا كان أبرز الغائبين عنه النائب السلفي عيسى المطوع الذي لوح باستجواب وزير الصحة وسحب الثقة منه. ولكن الموظفين أصروا على حضور المطوع الذي اعتذر قبل ربع ساعة بحسب لجنة عريضة دعم الوزير، فألصقوا صورته في كرسي تعبيرا عن احتجاجهم واستيائهم لعدم استجابة النائب.
وبحضور عدد كبير من العاملين في وزارة الصحة من مختلف الأقسام، انطلق المؤتمر بقراءة بيان العاملين في الوزارة، والذي تمحور حول الحملة الإعلامية التي تشن ضد وزير الصحة والتي تتزامن مع تلويح النائب المطوع باستجوابه.
واشتمل المؤتمر على عدة مداخلات من مختلف الأقسام، وأشارت إحدى الموظفات في الصيدلية إلى أن «التعديلات التي أجراها وزير الصحة في محلها، وبالنسبة إلى المسئول الجديد فنحن جميعنا نشكر الوزير لأن التغيير جاء في محله وهو يتعامل مع الوضع بشكل جيد». وفي مداخلة أخرى أوضح أحد الحضور إلى أن «المطوع بين في الاستجواب الذي نشرته «الوسط» أنه سيتطرق إلى التعسف الإداري في وزارة الصحة، نحن نسأل المطوع، وليثبت بأن أية وزارة في الدولة لا تعاني من التعسف الإداري، ونحن نرى أن ما يحدث هو دليل جلي على الطائفية».
من ناحية أخرى تحدث متداخل عن المسألة التي أشار إليها المطوع وهي من ناحية بعض القصور لدى الوزارة مشيرا إلى أننا «نطلب من المطوع أن يبعث بلجنة للتقصي ورؤية الأوضاع، هل الخلل من الوزير أم من التجهيزات الموجودة في المستشفى، هل الخلل في الوزير أم الموازنة التي لا تكاد تكفي أبسط المصروفات؟».
إلى هذا، طالب الحضور وزير الصحة أن يكشف كل الأوراق، ويفضح المسئولين عن الفساد الإداري والتعسف، وأكدوا أن الوزير هو الرابح الأول وأن الاستجواب ليس إلا أمرا عاديا. فيما أوضح موظفو المختبر أن الفساد هو «نتيجة تراكمات ممن مروا على الوزارة ووقع اللوم على الوزير الذي أراد أن يصلح هذه التراكمات». كما أشاد قسم المواصلات بتحركات الوزير وأثنوا على التغييرات التي أجراها في القسم وتعديل الهيكل، وإلغاء إدارة الخدمات التي عانى منها الموظفون لمدة تزيد على العشر سنوات. وأعلن موظفو قسم التنظيفات دعمهم إلى الوزير وبينوا أن التجاوزات تأتي من موظفين في الوزارة ولم تأت من الوزير.
وتحدث رئيس نقابة العاملين في وزارة الصحة حسين الفردان وأكد أنه يحضر المؤتمر بصفته موظفا في الصحة لا بصفته رئيسا للنقابة، لأن قوانين النقابات تمنع الدخول في الأمور السياسية. وأوضح أن «النقابة تحترم الرؤى الشخصية والمبادرات التي تصدر من الموظفين حول موضوع معين.
في السياق ذاته، حصلت «الوسط» على مجموعة من الوثائق التي تمثل «تجاوزات صريحة» في وزارة الصحة وتأكدت «الوسط» من أن الوزير اتخذ إجراءات بشأنها ونحن بدورنا نحيلها عبر الصحافة للنائب المطوع : فما حقيقة رسائل الإعفاء عن دفع رسوم تلقي العلاج الكيمياوي لمرضى غير مواطنين في مجمع العلاج الكيمياوي بآلاف الدنانير، وما حقيقة ما يقال عن أحد كبار الأطباء لم يستقبل مريضا واحدا وتحديدا منذ اكتوبر/تشرين الأول العام 2002 أي طوال عامين في العيادات الخارجية وأن المرضى الذين يتم إدخالهم للعمليات هم مرضاه في عيادته الخاصة، بل انه يتقاضى منهم رسوما على هذه العمليات على رغم انه أجرى العملية في مستشفى حكومي، وما حقيقة ما يقال من أن طبيبا آخر أوكل مهمات عيادته في السلمانية الى طبيب آخر غير بحريني وتفرغ للإطاحة بالوزير، وهل يرفض النائب المطوع كما قال أحد موظفي الوزارة مشروع التأمين الصحي على الأجانب لخليل حسن والذي يوفر ما يقارب العشرين مليون دينار للدولة؟، من جانب آخر قال أحد مسئولي وزارة الصحة والذي رفض ذكر اسمه لقوة اللوبي المعارض كما قال لـ «الوسط» إن «التغييرات الإدارية التي قام بها وزير الصحة كانت تصب في إدخال وجوه جديدة تنشد التطوير، والدليل ان الوزير منذ ان تسلم أمور الوزارة كانت البحرين مصنفة بأن خدماتها العلاجية في مستوى متدني وتتفوق عليها الدول المتعارف على تأخر خدماتها العلاجية فاليمن مثلا تتفوق على البحرين بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، أفلا يحق للوزير التدخل لتغيير بعض الوجوه من أجل التحديث، أفلا يعلم النائب المطوع بأنه يدخل مستشفى السلمانية ما لا يقل عن 25 مريضا يوميا عن طريق العيادات الخاصة للأطباء جلهم من خارج المملكة، ويقومون باستخدام مرافق المستشفى بينما يبقى المريض البحريني الذي يراد إدخاله للمستشفى عبر الطوارىء أو العيادات الخارجية أسبوعا كاملا بحثا عن سرير إذ ان 20 في المئة من أسرة السلمانية يشغلها مرضى محولون من العيادات الخاصة للأطباء، أهل يقبل النائب بأن يستحصل الأطباء في الطب الخاص على أجرتهم من المريض ولكنهم في الكثير من الحالات ولاختلاط الطب الخاص والعام بأنظمة ومرافق الطب العام بالوزارة فهم يقومون باستغلال باقي أقسام المستشفى كالأشعة والمختبر والصيدلية، وهذا ما وصل بأعداد المرضى الى ما يزيد عن الألف مريض يوميا يستهلكون أدوية بمعدل أربعة ملايين ونصف المليون دينار بحريني، وزيادة الاستهلاك هذه تؤدي الى نقصان الكثير من الأدوية المهمة والباهضة الثمن والتي يضطر البحريني الى شرائها من الصيدليات الخاصة، واسأل هل هناك وزير طبق التأمين الصحي على الأجانب قبل الوزير حسن».
وأضاف «نحن نعلم أن الاستشاريين في البحرين رواتبهم غير مناسبة ويحتاجون الى زيادتها ولكن هل هذا الأمر في يد الوزير أم الحكومة ويحتاج الى اقرارها، لماذا لا يستغل النائب المطوع مركزه البرلماني لزيادة هذه الرواتب بدلا من القول بأن عريضة الناس الذين انتخبوه وانتخبوا غيره غير دستورية، ويبدوا لي وكأن النائب المطوع يريد أن يستجوب الوزير ويسأله لماذا تصلح الوزارة؟». وتابع «الكل يعلم بأن الوزير يدفع بإصلاحاته المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى فلماذا يريد من أتوا على أكتاف هذا المشروع إيقاف العجلة، أهل يعقل أن يتذمر نائب من تغيير مدير إدارة ظل حوالي عشرين عاما في منصبه؟ ألا يحق التغيير للأفضل، أهل يعقل أن يدير الوزير عشرات الوزراء بدلا من وزير واحد إذ ان كل صاحب نفوذ هو وزير ولا يريد أن يقترب من ساحته أحد أو يناقشه فيما يفعله والنائب يعلم قبل غيره ان الاستشاري موظف وليس وزيرا، فليقترب النائب من الموظفين الذين حصلت التغييرات في أقسامهم كالأشعة والمختبر والإدارة العليا لمجمع السلمانية ليسمع بنفسه رأيهم ، وأخيرا أسأل لماذا لم يحضر المطوع المؤتمر الصحافي، هل ياترى يعتبره النائب غير دستوري؟».
إن الهدف من هذا المؤتمر الذي يعقده العاملون في وزارة الصحة هو توجيه أنظار الرأي العام لحقيقة ما يجري في هذه الوزارة وكشف من تسول له نفسه تضليل الرأي العام بإبعاده عن الحقيقة.
إن التصعيد الإعلامي الذي يتزامن مع حركة النائب البرلماني عيسى المطوع بطلبه استجواب وزير الصحة خليل حسن، هو أحد أساليب التضليل أكثر من إظهار الحقيقة.
لذلك فإننا نحن العاملين في وزارة الصحة نوجه خطابنا إلى المعنيين في الحكومة وجميع أعضاء مجلس النواب، أنه قبل الشروع في استجواب وزير الصحة يجب البحث عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الوضع. إن عدم الاهتمام بهموم العاملين في الوزارة والنظر إلى معاناتهم والاستجابة إلى مطالبهم هو أساس هذه المحنة التي لم تكن وليدة هذه الساعة وإنما منذ نصف قرن أو أكثر. إن الإصرار على عدم التطرق لمعاناة العاملين في وزارة الصحة التي يشكل الموظفون فيها الغالبية المهمة أجبرنا على التحرك لتوضيح خفايا الأمور مطالبين المعنيين في الحكومة ومجلس النواب بطرح النقاط الآتي:
- الموازنة هي النقطة الأهم والأجدر أن تقوموا بطرحها لأن البناء لا يمكن أن يقوم إلا على أساس، لتزال حالة التقشف التي عانينا منها لسنين.
- التركيز على الكوادر إذ ان هناك الكثير من الكوادر المعطلة تشمل جميع الوظائف في الصحة.
- تشكيل لجان من جميع الأقسام لمعرفة حركة المصروفات الداخلة والخارجة لمنع عملية التلاعب التي تدار من دون رقابة.
- تثبيت عقود جميع الموظفين والأطباء خصوصا أطباء الأسنان الذين أهملت قضيتهم منذ أكثر من تسع سنوات.
- تشكيل لجان تتخصص في نوع وجودة المواد المستخدمة ونوع الأدوية التي تدخل إلى جميع الأقسام في وزارة الصحة.
- تشكيل لجنة منتخبة لمتابعة مشكلات الموظفين.
- نداء إلى مجلس النواب... نرجو عدم زج نمط الطائفية بالتركيز على وزارات دون غيرها. وإذا أردتم استجواب الوزير عليكم أولا الوصول إلى العاملين للنظر في أوضاعهم ومعاناتهم.
أبدى الوكيل المساعد للرعاية الأولية الاستشاري عبدالوهاب محمد عبدالوهاب دعم الاستشاريين الكامل إلى نص استجواب النائب السلفي عيسى المطوع الذي نشرته «الوسط» أخيرا.
وعن ابتعاد النائب عن الخوض في مشكلة الاستشاريين قال عبدالوهاب: «نحن نؤيد النائب، ونرى أن مشكلة الاستشاريين أو بالأحرى مشكلات الاستشاريين هي إحدى المشكلات التي لا تعد ولا تحصى في هذه الوزارة. ونحن نختلف مع الوزير وإدارته بسبب الإجراءات غير المسئولة التي اتخذت ضد مجموعة من الموظفين الذي أفنوا زهرة شبابهم في خدمة هذه الوزارة».
مضيفا أن «الوزير أطلق مجموعة من الاتهامات الخطيرة ضد العاملين في المستشفى، منها اتهامهم بالسرقة والاختلاس، واتهامهم بالوقوف ضد إصلاحات جلالة الملك أو بالخيانة بعبارة أقل أثرا. وإذا كان الوزير لديه مآخذ ضد أفراد فليثبت ذلك بالأدلة وليعاقب المخالفين بحسب القانون واللوائح (...) ونؤكد أن الاستشاريين هم أبعد الموظفين عن القنوات المالية».
وفيما يتعلق بالمؤتمر الذي نظمه موظفو الصحة قال عبدالوهاب: «كان الأحرى بالموظفين التطرق للمضايقات والتهميش التي يعاني منها الموظفون، والتطرق الى التجاوزات»
العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ