يجب التفريق بين شرعية المطالبة بالحقوق بصفتها أساسا لتطور المجتمع وتقدمه، وبين الآليات التنظيمية التي تنظم المطالبة، ولا تحرف الحقوق إلى مشاهد من الفوضى السياسية واختلاط الأوراق، فالمطالبة بالحقوق أمر لا يجوز منعه أبدا، وليس من حق أحد الوصاية عليه، وإلا فسدت الأرض. يبقى أن الآليات هي محل النظر والتأمل، فبمقدار ما تكون الآليات ملائمة للإرادة السياسية والإمكانات، وقادرة على التوظيف والاستثمار السياسي المشروع، بمقدار ما تكون أقرب إلى جو الحقوق منها إلى آليات الاحتجاج السياسي غير المدروسة، وهي قادرة على ضبط إيقاع الجماهير وتحريكها في أجواء العمل السياسي العام من دون سيطرة لأجندة أحد عليها، وبمقدار ما كانت الآليات مراوغة وغير صادقة مع القواعد والجماهير، لتتخلف أو تتقاعس في آخر اللحظات لعدم قدرتها على مواصلة الدرب، بمقدار ما تخلف النكسات السياسية المتتالية، لأنها غير قادرة على مراكمة المنجزات والمكتسبات والحقوق، ليبدأ بعد ذلك كل جيل ينتفض لحقوقه ومطالبه من حيث بدأ لا من حيث انتهى الآخرون.
قد تكون المطالبة بالحقوق من أعقد القضايا في آلياتها السلمية، لا لعدم كفاءة النهج السلمي في إرجاع الحقوق، ولكن لأن حجم التجاذبات بين السلطة والمعارضة أكبر من الآليات نفسها، ما يتسبب يقينا في ضياع الحقوق وفقدان بوصلتها، نتيجة تحول هذه التجاذبات إلى غاية في ذاتها، فتنقلب المطالبة إلى معارك سياسية على هامش الحقوق.
الأصل أن تكون الحقوق في دائرتها هي الأساس بعيدا عن التنابز بالألقاب والتعيير الحاصل بين السلطة والمعارضة، فالحقوق لا يُختلف عليها، أما ما هو على هامش الحقوق من معارك جانبية، فيكون سببا لرفض الحقوق وربما النفور منها، والحقوق واضحة المعالم، ويستطيع أي طرف معه الحق أن يكون قويا في حقه، ولكن بمجرد أن يتحول الحق إلى تربص ونكاية بالآخرين بادعاء امتلاك الحق، يفقد هذا الحق قوته ودافعيته وتوجيهه الوجهة الصحيحة، ليتحول إلى نسب من الحق نتيجة شخصنة الحق في أفراد وجماعات
العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ