أسئلة كثيرة ومتنوعة يطرحها قرار منع فيلم (آلام المسيح) من العرض في البحرين؟ هل (آلام المسيح) يستفز مشاعر المسلمين كما حدث بالنسبة لليهود؟ أم انه جاء ليبرز إدانة اليهود باكثر محاكمات التاريخ قسوة؟ لماذا مُنع الفيلم من البحرين دون سائر الدول العربية؟ هل نحن في عصر الممنوع؟ ام إنها حسابات داخلية لم تأخذ وجهات النظر المختلفة في الاعتبار؟
ماذا يقول رجال الدين المسلمون والمسيحيون؟ وماذا يقول البحرينيون من مواقع عملهم واهتماماتهم؟ رئيس نادي البحرين للسينما يوسف فولاذ يصف قرار وزارة الاعلام بانه «مضيعة للوقت بعد توافر التقنيات الحديثة ووسائل الاتصالات التي جعلت من العالم قرية صغيرة».
ويشدد فولاذ على ان المشاهد البحريني يمتلك وعيا كبيرا وله الحق في مشاهدة الفيلم والحكم عليه وفقا لمعتقداته كما حدث في مسلسلات وأفلام كثيرة تناولت حياة السيد المسيح (ع) من قبل ولم تواجه بقرار منع كهذا.
ويقول فولاذ: «لقد شاهدت الفيلم عندما كنت في زيارة للاردن حيث يعرض هناك. واجد ان قرار المنع في البحرين بالذات يطرح أكثر من سؤال، ففي الوقت الذي لم تتحفظ فيه الاردن مثلا على عرض الفيلم في دور السينما هناك تم منعه من العرض في البحرين».
ويضيف فولاذ: «البحرين تعيش حال انفتاح منذ زمن طويل. ففي ستينات القرن الماضي تم عرض فيلم يحمل اسم (التوارة) وقد تناول حياة عدد من الانبياء الذين جاء ذكرهم في التوارة ومع هذا لم يمنع، فلماذا الآن يمنع فيلم ونحن في عهد يشكل مرحلة انفتاحية اكثر تطورا من السابق؟».
ويرى فولاذ ان (آلام المسيح) قدم صورة واضحة عن دور اليهود في محاكمة السيد المسيح (ع) ما استفز منظمات صهيونية كثيرة سارعت الى اتهام الفيلم بمعاداة السامية.
وفي سؤال عمّا إذا كان منع الفيلم قد خلق حال من الفضول لدى المشاهد البحريني لم تكن لتوجد فيما لو تم عرض الفيلم بصورة طبيعية كما هي الحال في بلدان عربية وإسلامية كثيرة عرض فيها الفيلم دون هذه الزوبعة، قال فولاذ: «بالتأكيد هذا صحيح. فأية شركة إنتاج أفلام تتمنى ان تكون هناك ممانعة لعرض فيلم من إنتاجها في بلدٍ ما كي يكسب زخما دعائيا كبيرا ويخلق حالا من الفضول لدى الناس. اعتقد ان قرار عرض الفيلم من منعه كان يفترض ان يكون أكثر نضجا وان يؤخذ بشكل من التروي».
ويقول فولاذ: «ربما هناك بعض المآخذ على الفيلم وهي المشاهد الاكثر قسوة في الفيلم كمنظر الدماء اذ تمادى المخرج في تقديم هذه الصورة السادية للمشاهد ولكن لا ننسى ان الفيلم كان يصور الساعات الاخيرة من حياة المسيح - حسب المعتقد المسيحي - وعلى رغم هذه المآخذ فان الفيلم يعتبر جيدا من الناحية الفنية إذ استطاع المخرج ان يوظف كل ادواته بشكل اكثر من جيد».
ويقول فولاذ: «لقد ركزت الأفلام الماضية التي تناولت حياة السيد المسيح (ع) على مشاهد تجواله بين الناس وأقواله ومعالجته للمرضى، ولكن هذا الفيلم تناول بصورة أساسية عملية المحاكمة والتي خرجت بصورة جديدة وضعت اليهود في موقف لا يحسدون عليه».
المخرج السينمائي بسام الذوادي يرى ان قرار منع الفيلم يضعنا امام حاجة كبيرة لإعادة النظر في القوانين المعمول بها في وزارات الدولة وليس فقط في وزارة الاعلام، وهذا ما يبرر قرار إدارة المطبوعات والنشر التي عملت وفقا للقوانين التي تقيد قراراتها.
يقول الذوادي: «عندما يكون هناك عمل فني فمن حق الجميع ان يشاهده من منطلق الحرص على حرية التعبير. وهذا ما يتفق الجميع عليه. ولكنني اعتقد ان ادارة المطبوعات والنشر هي ادارة مقيدة بالقوانين والأنظمة التي بحوزتها وقد تكون هذه القوانين قديمة؛ لذلك نحن نطالب كثيرا بالتغيير والتحديث وهذه القوانين ليس شرطا أن تكون فقط فيما يخص فيلم (آلام المسيح) بل هناك قوانين كثيرة لم تعد تواكب التطورات والمستجدات بالنسبة للبحرين. لذلك نجد ان الإدارة تتصرف وفقا لهذه القوانين وهذا يعني اننا أمام حاجة لإعادة النظر في القوانين المعمول بها سواء في وزارة الاعلام او غيرها من وزارت المملكة لذلك لابد من غربلة هذه القوانين».
الكاتبة سوسن الشاعر ترى ان قرار منع فيلم (آلام المسيح) يعكس حال الحيرة والارتباك في التعامل مع الحريات بشكل عام بسبب حال وصفتها بالتداخل بين ما هو سياسي وثقافي واجتماعي.
«لا أعتقد اننا الآن في عصر المنع. ولكن هناك مؤشرات كثيرة تدل على وجود حيرة واضطراب بشأن كيفية التعامل مع الحريات بشكل عام. المجتمع البحريني مجتمع منفتح منذ زمن طويل ولكن الإصلاحات التي ينعم بها المجتمع الآن أوجدت حالا من التداخل بين الامور السياسية والثقافية والاجتماعية. اتاحة المزيد من الحرية وادواتها واستغلالها باعتصامات ومظاهرات أحدث حالا من الارتباك. فلم يعد المسئول يعرف اين يفترض ان يسمح او يمنع. واعتقد أن القرار لم يأت بناء على سياسة مخططة لقمع الحريات وتغيير البنية المجتمعية في البحرين او تقييد حريات المسيحيين في البحرين او غيرهم. ولكنه مجرد قرار انفعالي لم يدرس بشكل كاف».
وتضيف: «هذه تعتبر سابقة من نوعها. فلم نسمع منذ فترة طويلة منع فيلم من العرض في دور السينما ولم نتوقع حتى منع هذا الفيلم من العرض في البحرين وخصوصا أن الفيلم عرض في معظم الدول العربية. الحقيقة ان الامر يثير الاستغراب».
صاحب دار الدانة للسينما وتوزيع الافلام أحمد العريان الذي تملّك حقوق عرض الفيلم في البحرين وكذلك نسخة أصلية مترجمة للعربية من لغة الفيلم «الآرامية» المستخدمة في الفيلم كان قد صرح لـ «الوسط» بان الشركة الموزعة للفيلم «برايم بكشر» تعتزم رفع دعوى على وزارة الاعلام البحرينية في محاكم البحرين نتيجة قرارها منع الفيلم دون ان يتم تكليف لجنة للتحقيق فيما لو كان الفيلم يصلح للعرض ام لا.
وقال العريان: «بلاشك ان القرار اثار مشاعر الاستغراب لدى الناس. لقد تلقينا مكالمات كثيرة تستفسر عن سبب المنع ولماذا بالذات البحرين وخصوصا ان الفيلم يعرض في دورالسينما في دول عربية كثيرة على رأسها مصر التي صدرت فتوى من الازهر الشريف تجيز عرض الفيلم فيها».
«تعتبر البحرين من اكثر دول منطقة الخليج حرية من حيث التسامح الديني فهناك 800 بحريني يدينون بالمسيحية، ويوجد في البحرين 12 كنيسة مسجلة لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية تضم أطيافا مختلفة من المعتقد المسيحي منها الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية والإنجيلية ويصل عدد المسيحيين المغتربين الذين يعيشون داخل البحرين من جنسيات مختلفة الى 20 الف مسيحي».
راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية القس هاني عزيز أبدى استغرابه من هذا القرار في بلد يتسم بالتسامح الديني واحترام المعتقدات الدينية.
وقال القس هاني: «على رغم قرار منع الفيلم في البحرين فإن الفيلم انتشر بشكل كبير من خلال نسخ على اسطوانات مدمجة والكثير من البحرينيين شاهدوا الفيلم. فلماذا نخلق هذه الحال من التناقض في التعامل مع الفيلم؟»، ويضيف: «لقد صرحت في وقت سابق ان الفيلم لا يسيء للمسيحية والمسيحيين بل يبرز مسئولية اليهود في محاكمة السيد المسيح (ع)».
ويشدد القس هاني على ان صورة التسامح والاخاء بين المسلمين والمسيحيين لا يمكن ان تتأثر بفيلم طالما ان الفيلم لا يتعرض للمعتقدات الاسلامية بصورة مباشرة بل يجسد صورة من المعتقد المسيحي وهذا أمر يعود الى حرية الانسان قبل أي شيء.
وعن المعالجة التي قدمها الفيلم من خلال ابراز الاثنتي عشرة ساعة الاخيرة من حياة السيد المسيح التي تضمنت محاكمته وصلبه، يقول القس هاني: «لو اخذنا الفيلم بعيدا عن انتمائنا لأي معتقد فسنجد أمامنا صورة من صور الظلم والألم التي تعرض لها انسان وهناك الكثير من الافلام التي جسدت صور الظلم التي تعرض لها الكثيرون من اجل اظهار الحق ونصرة الآخرين. يجب ان نأخذ الصورة الجميلة لمعاني التضحيات التي قدمها الغير لنا كبشر».
«لقد قال السيد المسيح (ع) ان اليهود قاموا بقتل أنبيائهم. فلو اخذنا مثلا قصة سيدنا موسى (ع) عندما اخرج شعبهم من ارض مصر قام اليهود بالتذمر وحاولوا قتله وهذا ما ذكر في التوارة، والسيد المسيح ليس اول من لاقى الظلم على يد اليهود».
ويشارك المستشار الإداري لمستشفى الإرسالية الأميركية يوسف حيدر الذي يعد من ابرز الشخصيات المسيحية البحرينية القس هاني الرأي من حيث الرغبة بمشاهدة الفيلم في البحرين ولكنه يؤكد احترامه لوجهات نظر وزارة الاعلام.
يقول حيدر: «بلاشك لدي رغبة بمشاهدة الفيلم ولكنني اتفهم موقف وزارة الاعلام واحترم وجهات نظرهم».
الشيخ عبدالرحمن عبدالسلام يقول: «لا اعلم سبب منع الفيلم في البحرين. ولكنني اعتقد ان المنع لم يأت فقط لكون الفيلم يجسد صورة احد الانبياء. اننا نشاهد يوميا الضغوط التي يقوم بها اللوبي الصهيوني لمنع الفيلم. وهذا ما لاحظته في برنامج عرضته احدى محطات التلفزة الاجنبية فهناك اتهام من قبل اليهود للنصارى والمسلمين بانهم وراء انتاج فيلم يعادي اليهود بهذا الشكل».
ويقول الشيخ عبدالسلام: «كما نعلم ان اهل السنة يرفضون تجسيد الانبياء وكذلك الخلفاء الراشدين وهذا باتفاق بين علماء السنة، وعليه يقاس بالنسبة إلى كل الانبياء بانه لا يجوز ان يمثل. ولكن اخوتنا الشيعة يرون انه لا بأس بتمثيل شخصيات الانبياء».
ويضيف: «اذا كان الفيلم لا يحتوي على أي تزوير للحقائق فلا يوجد مانع لدى المسلمين. وكما نعلم ان المسلمين لا يؤمنون بواقعة مقتل السيد المسيح (ع) كما ورد في كتاب الله القرآن الكريم . هذا اذا كان هذا هو السبب الحقيقي لمنع الفيلم»، ويختتم الشيخ عبدالسلام كلامه: «بلاشك ان اليهود هم اكثر المتحاملين على الفيلم وليس المسلمين».
اما الكاتب سيد ضياء الموسوي فيرى انه لا بأس بتصوير مثل هذه القضايا طالما انها لا تسيء لذات الشخص وبالتالي يجوز مشاهدة الفيلم.
ويقول السيد ضياء: «هذا الفيلم يصور لنا ويطلع العالم على ما فعله اليهود وهذه اضاءة جميلة بالنسبة لنا كمسلمين»، ويضيف: «بالتأكيد سوف اشاهد الفيلم اذا تم عرضه وهذا ما أتمناه. لا يمكن ان يتم احتكار رأي واحد والاخذ به دون احترام رأي الآخرين. لقد شاهده العالم بأسره وحتى الولايات المتحدة الأميركية التي تتمتع بعلاقات قوية مع (إسرائيل) لم تمنعه فلماذا نمنعه نحن في البحرين؟».
ترى كيف يرى الاميركيون انفسهم هذا الفيلم المثير للجدل؟ لقد تحدثت «الوسط» إلى بعض الاميركيين المقيمين في البحرين والذين اجمعوا على الاشادة بالفيلم واستغربوا منعه في البحرين التي يؤكدون انها بلد حريات وتسامح.
توماس هرنكهام أميركي مولود لاب مسيحي وام يهودية يرى ان الفيلم عمل فني رائع ويستحق المشاهدة.
يقول توماس: «شاهدت الفيلم في الولايات المتحدة الاميركية قبل ان اجيء للبحرين. كنت اعتقد انه يحمل عداء للسامية كما عرفت قبل ذهابي لمشاهدته. ولكن بصراحة هذا تاريخ وهذه مسئولية اليهود عمّا حدث للسيد المسيح (ع) وهذا شيء مضى».
اما الأميركية بيا بيرنو الكاثوليكية فتقول: «استغرب منع الفيلم في البحرين. اعلم ان هذا البلد اكثر حرية من غيره في المنطقة. اعتقد ان الامر يحمل حساسية بالنسبة للولايات المتحدة بحكم وجود عدد كبير من اليهود هناك الذين يرفضون الفيلم. الحقيقة اتمنى أن أشاهده في البحرين».
وعن النجاح العالمي الذي حصده الفيلم في مختلف انحاء العالم تقول بيرنو: «نجاح الفيلم يعود إلى رغبة الناس في مشاهدة فيلم يحمل هذه الناحية الروحانية العظمية عن السيد المسيح (ع)، فالناس في الولايات المتحدة الآن لا ترغب في قراءة كتاب بل مشاهدة فيلم، واعتقد ان (آلام المسيح) قدم لنا درسا رائعا».
في استفتاء اجرته صحيفة «الوسط» من يوم الاربعاء الماضي وحتى الآن جاءت نتائج التصويت على السؤال وهو هل تعتقد ان من حق وزارة الاعلام منع عرض فيلم (آلام المسيح) جاءت الاجابة كالآتي: (نعم) صوت فيها 61 فردا. (لا) صوت فيها 292 فردا. (لا ادري) صوت 16 شخصا وكان مجموع الذين شاركوا في التصويت 3690 شخصا
العدد 590 - السبت 17 أبريل 2004م الموافق 26 صفر 1425هـ