في ظل غياب الوعي والوازع الديني تكاثرت في أوساط مجتمعنا مسميات لأمراض قد نجهل معاني أكثرها، وربما يخفى علينا أن هذه الأمراض، إنما السبيل إلى الوقاية منها قليل من الإدراك الحسي بخطورتها علينا وعلى من يحيطون بنا... كما أن هناك لبسا واضحا بين المسميات بحيث تتداخل بين بعضها بعضا وهي ليست ذات صلة أساسا... ومنها الأمراض الجنسية والتناسلية التي تضارب معناهما في الأذهان حتى شكلا كتلة واحدة هي في الأساس منفصلة.
هذه الأمراض ليست زكاما من الممكن القضاء عليه بحبة اسبرين وقطرات في الأنف، إنها أمراض قد تتحكم في مصيرنا ومصير زوجاتنا وحتى أطفالنا الذين كل ذنبهم أنهم نطفة ساهمنا في تكوينها أملا في رفع اسمنا، فقضينا عليها وحطمناها بأيدينا قبل أن تولد...
من هنا كان لقاؤنا مع استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم حرب العمري، لإلقاء الضوء على هذه الأمراض بصورة، إن فهمنا جوانبها وأبعادها كاملة شكلت حاجز صد بيننا وبينها إلى الأبد...
نسمع كثيرا عن الأمراض الجنسية والتناسلية بشكل متضارب أحيانا، فهل هما يحملان المعنى نفسه أم أن لكل منهما معناه وأسبابه وعوارضه؟
- هناك فرق بين الامراض الجنسية التي تعني مشكلات الضعف الجنسي وخلافه وهو باب كبير، والأمراض التناسلية المتعلقة بالتناسل والخلفة وهذا ايضا باب كبير من مشكلات كثيرة، ولكن ما يعنينا هنا الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي(Sexually Transmitted Diseases) وهي ممكن أن تقسم الى امراض يمكن ان تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي حتى بين الزوجين، والنوع الآخر هو الأمراض الجنسية الاجتماعية وهي التي تنقل عن طريق الجماع خارج نطاق الزوجية وهي مجموعة معقدة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي ببعض الشرائح إلى الانغماس في ممارسة هذا النوع من الجنس وغالبا لأسباب اقتصادية، وهذا يقسم بدوره إلى جملة من المشكلات المترابطة إذ إنها تكون جملة من الأمراض النفسية بسبب الخلل الاجتماعي الاقتصادي الذي يقود بدوره إلى العلاقات الجنسية خارج نطاق الزوجية وبالتالي الأمراض المنقولة جنسيا نتيجة تنوع الاتصال مع اطراف مختلفة ما يسبب الحالات الإكلينيكية المرضية التي نواجهها.
الرجال أسهل اكتشافا... والتأثير مروع
وهل تنتقل هذه الأمراض عن طريق الاتصال الجنسي فقط أم أن هناك وسائل أخرى؟ كما أنني أتصور أن غالبيتها كامنة وغير ظاهرة فكيف يتعرف على وجودها؟
- هذه الامراض موجودة منذ القدم فيما عدا الايدز الذي تعزا أسبابه الغامضة إلى طفرة جينية في الفيروسات، ولكن هناك نظرية قوية تقول إن الايدز من صنع الانسان. وهذه الامراض تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي المباشر وهو الغالب، او الطرق غير المباشرة مثل التلامس. ومن هنا نرى قوة الوازع الجنسي إذ دأبت هذه الأمراض على الانتقال من إنسان إلى آخر من دون توقف اثناء مسيرة البشرية.
أما كيفية التعرف على وجودها فإن ذلك يعتمد على نوع المرض نفسه، ولكن عموما فإن الإصابات في الرجال أسهل اكتشافا بسبب سرعة ظهور المرض على أجهزته التناسلية الخارجية في حين يكون أكثر صعوبة في النساء نظرا إلى تكوين جهاز المرأة المعقد وخصوصا الجهاز التناسلي المركزي الذي يشمل الرحم والمبايض والأنابيب الموصلة إليها ما يتيح للجراثيم الجو الملائم للكمون فيها وخصوصا ان المهبل يحوي أكثر من خمسين نوعا من الجراثيم والخمائر التي تعتبر حميدة أو غير ضارة. وهذه الجراثيم قد تنتقل إليها خواص الجراثيم الجنسية الضارة عن طريق ما يعرف بالبلازميد الذي ينتقل من جرثومة إلى أخرى، وهنا مكمن الخطر إذ تتحول الجراثيم الحميدة الى ضارة والتي إذا تعود جهاز المناعة عليها يصعب القضاء عليها وقد تتحول إلى اكتساب الخصائص المرضية للجراثيم الناتجة عن الاتصالات الجنسية الاعتباطية.
وهل لهذه الأمراض تأثير على جسم الإنسان وعلى حياته بشكل عام؟
- ان التأثير على الإنسان يكون مروعا لو كان الاتصال من دون واق مع مصاحبة ذلك بمرض مثل السيلان. والخوف يكون من الايدز أكثر من اي مرض آخر.
قبل مرحلة الايدز كان الكثير من الناس يمارسون الجنس باستهتار قل نظيره ولم تكن تردعهم الأمراض ولا حتى الهربس، ومن خلال وجودي في الخليج لفترات طويلة وجدت انه في مرحلة ما بعد الايدز انخفضت نسبة الأمراض التناسلية الاجتماعية الى اكثر من ثمانين في المئة من نسبتها قبل مرحلة الايدز. وهكذا فالتأثير النفسي يكون احيانا اشد من المرض نفسه وغالبا ما يكون جراء الخوف من الموت.
مضاعفات من دون علاج... كارثة
إذن هل من سبيل للوقاية من هذه الأمراض وكيف نتجنب التعرض لها؟
- أسهل طريقة، عدم الاتصال الجنسي الاعتباطي مع المومسات والغانيات والشواذ والاقتصار على الزوجة عند المتزوجين والعفة عند غير المتزوجين.
هل ثمة إمكان لعلاج هذه الأمراض؟ وإذا ما أهملت ولم تعالج فما مضارها أو مضاعفاتها؟
- كل الأمراض التناسلية الاجتماعية يمكن أن تعالج حتى الايدز والخطوة الأولى في العلاج تكون بالوعي بأن الاتصال الاعتباطي من دون وقاية قد يؤدي إلى الامراض، وهكذا إذا راودت الشخص اية شكوك يجب ان يراجع استشاري الأمراض المنقولة عن طريق الجنس. ومضاعفات هذه الأمراض تكون كارثية في حال عدم علاجها فقد تؤدي إلى الموت في حال الايدز، أو إلى اتلاف الأجهزة التناسلية المركزية لدى السيدات والرجال وبالتالي تؤدي إلى العقم. وهناك أمراض قلت إلى درجة لا تذكر مثل الزهري الذي يؤدي الى تدمير الجسم على مدى عشرات السنين في حال عدم العلاج وقد ينتهي إلى العمى والجنون وأمراض قلبية وغيرها. ولكني اكرر ان هذا المرض لا نراه إلا لماما في دول الخليج نظرا إلى الوعي والمعالجة المبكرة ما يقطع دابر نقله من شخص إلى آخر. وبكل صراحة الرجال هم سبب جلب هذه الأمراض من الخارج وأحيانا نقلها إلى زوجاتهم مع ما يصاحب ذلك من مشكلات عند الاضطرار الى كشف ذلك للزوجة.
أمراض جلدية وتشوه خلقي
وهل ثمة علاقة بين هذه الأمراض والأمراض الجلدية؟
- سؤال طالما وجه إلي ولذلك فهو مهم جدا. كانت الأمراض التناسلية مربوطة بالجلدية نظرا الى انه في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي لم يكن الطب قد تقدم كما الحال الآن إذ كانت التحليلات المخبرية بدائية فكان الطبيب مضطرا إلى الاعتماد على حسه الاكلينيكي في التشخيص ولما كانت غالبية الامراض الجنسية لها ظواهر جلدية وأشهرها الزهري ضمت إلى الأمراض الجلدية. فالزهري بداية يظهر على شكل قرحة على الجهاز التناسلي الخارجي وبعد فترة شهور يختفي ليعود بعد أكثر من سنة على شكل التهابات عامة على كل الجلد ثم يختفي ليعود بعد سنين على شكل زهري الدرجة الثالثة الذي قد يؤدي إلى اتلاف جميع أجهزة الجسم تدريجيا وبطريقة الموت البطيء.
والثاليل (Common Warts) والمليساء المعدية(Molluscum Contagiosum) وكذلك التهابات الكبد الوبائي وحتى الانفلونزا وغيرها يمكن ان تنتقل بالتلامس والمعاشرة الجنسية ولكن هذه الأمراض تتأتى ايضا من شخص إلى آخر من دون اتصال جنسي فهي تعتبر امراضا تتكون بالانتقال(Communicable Diseases).
ماذا عن علاقة الأمراض التناسلية أو الجنسية وظاهرة التشوه الخلقي عند الأطفال؟
- أكثر الأمراض شهرة في ظاهرة التشوه الخلقي كان السفلس أو الزهري الذي كما أسلفنا قل وجوده وخصوصا في السنوات الاخيرة، لكن عموما الأمراض الأخرى قد تسبب أمراضا للجنين مثل انتقال الفيروس إلى الأجنة في الإيدز، وباقي الأمراض قد تسبب ضعفا عاما في المولود أو الولادة المبتسرة أو نقصان الوزن.
ما مدى وعي المجتمع بمخاطر هذه الأمراض وتأثيرها؟
- المجتمع يعي الآن الكثير من أخطار الامراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي خارج نطاق الزوجية، انما المشكلة عدم الوعي بان الاتصال الجنسي بين الزوجين قد يسبب أمراضا تناسلية مثل اللكلاميديا وهي بحسب ملاحظتي متوطنة في المنطقة وقد تسبب العقم وخصوصا اذا اصيبت الزوجة بمرض التهاب الحوض (Pelvic Inflammatory Disease) الذي قد يؤدي إلى العقم أو الاجهاض المتكرر.
إحصاءات مفقودة والمطلوب مراكز خاصة
أصبحنا نسمع الكثير من القصص لحالات مصابة بهذه الأمراض، فهل لديكم إحصاءات تمس هذا الجانب؟ وما العمل للمعالجة الناجعة؟
- المؤسف انه لا توجد احصاءات دقيقة لهذا النوع من الأمراض في دول الخليج ومنها البحرين.
كما أن الامراض التناسلية الاجتماعية ليست مجموعة واحدة ولا اعتقد ان الاحصاءات دقيقة. إن كل مجموعة لها خصائص خاصة، ومن المشكلات عدم التبليغ من قبل الاطباء لأسباب معقدة ولكن خلفيتها الابتعاد عن المشكلات. وأنا اعتقد ان الأمراض هذه منخفضة في البحرين عدا شريحة معينة. ولكن من خلال عملي تولد لدي انطباع بأن أكثر الأمراض انتشارا هو السيلان غير المعين (Non-Specific Urethritis) وربما لأن هذا المرض مزعج ويحتاج الى فترات طويلة من المعالجة فأستقبل حالات ربما تكون مرت على آخرين من الاطباء. والمرض الثاني هو السيلان نفسه (Gonorrhea) الناتج عن الاتصال بالمومسات، والمرض الثالث هو الهربس الجنسي (Genital Herpes) وهو مرض مزمن ويظهر على فترات ولا يزول إنما من الممكن السيطرة عليه او إبعاد فترات الإصابة به، ولو أنه هناك حالتان اختفى المرض فيهما بعد خمس سنوات من المتابعة.
أما عن معالجة هذه الامراض فيجب ان تتم بواسطة مراكز خاصة، وأنا معجب بالنظام البريطاني إذ إن مراكز معالجة هذه الامراض متكاملة وتكون من الناحية الاكلينيكية تحت إشراف استشاري متخصص في هذا النوع من الأمراض لأن لها خصوصيتها، بالإضافة إلى ضرورة توافر اختصاصيين اجتماعيين ومن يقوم بالتحقيق في مصدر المرض ومتابعة ذلك في الميدان مع وجود مختبرات متكاملة.
ولذلك فإننا نحتاج إلى أن يكون علاج هذه الأمراض في مركز واحد يثق الأطباء والمرضى على حد سواء في انه يقدم خدمة خاصة مفيدة وبسرية تامة، وهذا الأمر بالغ التعقيد لأن مثل هذا النوع من الممارسة يحتاج الى خبرة كبيرة في التعامل مع هذا النوع من المرضى لما لهذا الأمر من حساسية بالغة. ومثل هذا المركز مطلوب للبحرين والدول المجاورة التي تشكو من هذه المشكلات اللوجستية في علاج هذه الأمراض بدلا من نفي الاحصاءات وجود هذه الامراض لأنه ما من احد يبلغ، او ان المريض يعالج بكل التخصصات الطبية وحتى بلا تخصص وبسرية تامة من دون دراية بأبعاد المشكلة الحقيقية لمعالجتها
العدد 593 - الثلثاء 20 أبريل 2004م الموافق 29 صفر 1425هـ