اعتبر حقوقيون ومحامون ناشطون في مجال حقوق الإنسان حكم إدانة وزارة الداخلية في مقتل محمد جمعة سابقة تحسب لصالح استقلال القضاء وسعيه بخطى ثابتة نحو الإصلاح وضمان العدالة، آملين أن يكون الحكم مقدمة إيجابية للنظر في قضايا حقوقية أخرى عالقة، حتى وإن كانت هناك قوانين تحول دون النظر فيها.
إلى ذلك، اعتبر الشاخوري الأب الحكم غير مفاجئ، لأنه كان يؤمن بعدالة قضية ابنه، وأن استئناف الحكم لن يغيّر في الحقيقة شيئا، على حد قوله.
فيما قرر عمل مشروع خيري يحمل اسم محمد جمعة، بنصف مبلغ التعويض (50 ألف دينار) ستحدد طبيعته بعد مشاورة أصحاب الرأي، بينما يخصص النصف الآخر لصالح المآتم الحسينية، لأنه يرى أن «دم الشهادة لا يثمن بالمال».
الشاخورة - فاطمة الحجري
في سابقة ربما تصنف الأولى من نوعها على مستوى الدول العربية أجمع أدينت أمس الأول وزارة الداخلية خلال جلسة نطق الحكم في قضية استشهاد محمد جمعة الشاخوري بطلقة مطاطية وجهت إلى رأسه إبان مسيرة سلمية كانت متزامنة مع الانتفاضة الفلسطينية في العام 2002.
لهذه السابقة - التي ثمنها الحقوقيون المحليون واعتبروها نقطة اضافية لصالح مساعي إصلاح القضاء البحريني - وقع أكثر قوة على الشارع المحلي الذي وجد إدانة وزارة الداخلية فاتحة إيجابية للمطالبة بحقوق شهداء آخرين.
عن ذلك قال عبدالعزيز «إن إحقاق الحق وجبر الخواطر يبرهن على استقلال القضاء في البحرين، آملا أن تعترف وزارة الداخلية بخطئها التي ارتكبته بحق الشهيد وأهله وألا تستأنف الحكم، راجيا منها أن تضع الضوابط للحيلولة دون تكرار ما حدث، ومطالبا بوضع معايير أمنية للتعامل مع المتظاهرين وتحديد متى تطلق النار وكيف تحافظ على سلامة الآخرين حتى وإن كانوا متظاهرين، فالتظاهر حق طبيعي يكفله الدستور».
على صعيد متصل، اعتبرت الأمين العام لجمعية حقوق الإنسان سبيكة النجار، إدانة وزارة الداخلية للمرة الأولى خطوة إيجابية تؤكد استقلال القضاء، تبنى عليها آمال بقبول قضايا أخرى مشابهة، قائلة: «هذه الخطوة تجعلنا باعتبارنا حقوقيين نعمل بارتياح، ونأمل أن لا يقف تطور القضاء عند حد وأن يعطى كل المظلومين حقوقهم كاملة».
ومن جانبه أكد المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان حميد الملا أن صدور حكم يدين احدى أهم وزارات المملكة يعد سابقة في البحرين، ما يدفعنا للتفاؤل والثقة، سواء بأنفسنا باعتبارنا محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان أو بالقضاء البحريني الذي اثبت أنه قضاء عادل ونزيه وسائر بخطوات حثيثة نحو التطوير والإصلاح، وهذا يعطينا الأمل في أن يفتح المجال في المستقبل للنظر في القضايا الأخرى العالقة ذات الصلة بحقوق الإنسان.
فيما كرر نائب رئيس الجمعية البحرينية للحريات العامة والديمقراطية وصف الحكم بالسابقة الجيدة والتي تأتي لصالح عدالة القضاء والإيمان بحقوق الإنسان، وقال: «ما نأمله الآن أن يفسح المجال أمام القضايا الأخرى كقضايا التعذيب أو القتل خارج القانون حتى في ظل وجود القوانين التي تحول دون النظر إليها».
وفي منزل الشاخوري، عاد الأب بعد نطق الحكم إلى قبر ولده أولا ليخبره أن دمه انتصر بعد أكثر من عامين على تاريخ وفاته، إذ قال «الجرح يظل نازفا لكنني ذهبت إلى قبره لأهنئه»، فيما كانت الأم تحمل صوره وتحدق فيها طويلا - على رغم أن بصرها لا يسعفها - وكأنها تريد أن تزف إليه الخبر بطريقتها، «الوسط» جددت زيارتها لعائلة الشاخوري، وحظيت بالحفاوة ذاتها التي استقبلت بها عندما زارت العائلة آخر مرة في «يوم الشهيد» مع الناشطات من «هيئة الإمام» بالمحرق.
أول ما قاله والد الشاخوري لـ «الوسط» إنه كان متيقنا من عدالة القضية، إذ كان مؤمنا أن الحكم سيأتي لصالحه لأن المحامي محمد أحمد وعده بأن يوصل القضية إلى بر الأمان، وقال أيضا إنه لا يستطيع إخفاء شعوره بالارتياح جراء النطق بالحكم وإن استئناف القضية لن يغير في الحقيقة شيئا.
وقال: «انه يوم يسجل في التاريخ، لأنها المرة الأولى التي تدان فيها وزارة الداخلية، لن أنسى وقفة الجميع، المحامي والعلماء ومركز حقوق الإنسان والصحافة النزيهة وأهالي القرية وأهل البحرين جميعا، الحكم هو ثمرة وقفتهم الصادقة طوال الفترة الماضية».
وبحسب الشاخوري الأب، فإن مبلغ التعويض المقدر بـ 50 ألف دينار، سيخصص نصفه لصالح المآتم الحسينية والنصف الأخر لمشروع خيري يحمل إسم محمد جمعة، وأوضح: «لا أعرف تحديدا بأي مشروع خيري أبدأ، أحتاج لمشاورة أصحاب الرأي (...) ربما مدرسة، ربما مسجد، وربما تزويج شباب القرية، ذلك لأن إبني كان عاقدا للقران ولم تمنحه الرصاصة الغادرة متسعا من الوقت لإتمام الزواج، وبقت خطيبته رهينة الذكرى والصور، ترفض أن تتزوج من بعده».
سألته «الوسط»: ألا تعتقد أن أخوة الشهيد وورثته أولى بمبلغ التعويض، وخصوصا أن بيتكم قديم ويحتاج إلى ترميم، وأنكم أسرة تعاني ضيق ذات اليد؟ فقال: «ما دمت بصحتي سأرمم البيت بنفسي أو أتركه على «علاّته»، وإخوته لن يعتازوا إلى مال يدفع كمقابل لدم أخيهم، سنستثمره باسمه في فعل الخير ليبقى ذكره خالدا».
أما أمه فلم تجد كلاما تقوله غير جر الحسرة الواحدة تلو الأخرى، قالت في جمل مقتضبة: «لم أسلاه، ولا أزال أفكر فيه، أتذكر طيبته وحنيته، وفرحته التي لم تكتمل (...) أتذكر كيف كان يحرص على الصلاة خلف الشيخ الجمري والشيخ علي سلمان، لم تبق منه إلا الذكرى وصور قليلة».
وأضافت بعد فترة صمت: «فراق الإبن صعب، لكنني أحمد الله أنه مات هذه الميتة، فغدا رحيله شرفا وعزا»
العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ