ظاهرة جديدة أخذت عقول الشباب العربي من الخليج إلى المحيط وسيطرت على اهتمام عشرات الآلاف منهم على مدار الساعة، هي انشغال الشباب بإرسال ومتابعة شريط الرسائل النصية القصيرة SMS في القنوات الفضائية المختلفة وخصوصا القنوات المتخصصة في المنوعات والأغاني.
قد يعتقد البعض أنها ظاهرة طبيعية لتطور وسائل الاتصال كما هو الحال بالنسبة إلى الإنترنت، إلا أن مثل هذا الرأي سيواجه رأيا مخالفا من قبل التربويين والاختصاصيين في قضايا الشباب.
على مستوى المجتمع البحريني يلاحظ عدم اهتمام الشباب كثيرا بإرسال الرسائل النصية القصيرة في الفضائيات، وذلك طبقا لأحد الشباب الذي أكد أن هناك فئة من الشباب تتابع وتتسلى بالرسائل SMS عبر الفضائيات، ولكن عدم اهتمام الفئة العظمى منهم بهذه الوسيلة يعود إلى كلفة الرسالة الواحدة والتي قد تكلف من 250 إلى 450 فلسا أحيانا، في الوقت الذي يملكون فيه خيارات أوسع مثل الإنترنت للتحاور مباشرة، وخصوصا أن الرسائل في الفضائيات تكون عادة مراقبة، وقد تستغرق وقتا طويلا للبث المباشر، إلا إن الإنترنت أرخص بكثير ولا يحتاج إلى انتظار أو مراقبة.
«الوسط» حاولت الالتقاء مع عدد من الشباب والشابات الذين يستخدمون رسائل SMS في الفضائيات إلا أننا واجهنا صعوبة في إيجاد عدد منهم. ولكن بعد عناء تعرفنا على شابة وهي طالبة جامعية اكتفت باسمها الأول «رنا» تستخدم الرسائل النصية يوميا عبر قناة فضائية واحدة. وتقول: «بدأت استخدام SMS منذ بدء الخدمة في البحرين، وقد جاءت متأخرة مقارنة بالبلدان الخليجية الأخرى، وفي البداية كان الهدف هو التسلية، ولكنني بعد فترة وجدت هذه الخدمة مسلية للغاية ويمكنني القول بأنني أصبحت مدمنة على استخدامها يوميا. وأنا أستخدم الخدمة في قناة واحدة فقط لأنني استطعت تكوين صداقات مع الكثيرين في الوطن العربي، ولا يمكنني تبديل القناة حتى لا أفقد هذه الصداقات».
وعن اللغة المستخدمة في خدمة SMS عبر الفضائيات تقول رنا: طبعا هناك حروف أساسية يعرفها جميع الشباب المتابعين للرسائل في الفضائيات، وحتى مستخدمو SMS العادية في الهواتف النقالة. وبمرور الوقت يصبح لدى الشباب مجموعة من الكلمات والجمل لا يفهمها إلا قلة من المستخدمين. وأعتقد أن اللغة المستخدمة تعد من أهم مميزات الرسائل القصيرة في القنوات الفضائية.
وتؤكد رنا أن هناك فائدة من وراء استخدام الرسائل في الفضائيات، فهي مجال واسع لتكوين الصداقات وأحيانا تبادل الآراء والمشورات بخصوص قضايا تخص الشباب. فعلى سبيل المثال طلب شاب في إحدى المرات اسم جامعة تقدم تخصص جامعي معين، وما هي إلا لحظات حتى انهالت على الشاشة الرسائل من مختلف البلدان لتعطيه أسماء جامعات متعددة. أيضا لابد من الاعتراف بسلبياتها فبعض الشباب يسيئون التصرف فيها، اذ يسعون لتكوين علاقات عاطفية كما هو الحال بالنسبة إلى الإنترنت. وهي تصرفات مرفوضة. وتعتقد رنا بأن توجه الشباب اليوم أصبح نحو استغلال SMS في أمور تافهة، وهذا ما ترى أنه قد يجعلها تفكر في التوقف عن استخدام هذه الخدمة مستقبلا.
يونس عبدالله طالب بجامعة البحرين لم يستخدم الرسائل النصية القصيرة في الفضائيات. ولكنه يرى أن انتشار استخدام الرسائل القصيرة في الفضائيات يعد وسيلة جديدة للتعبير عن الرأي، وإن أسيء استخدامها. إذ يعتقد أن توجه الشباب للمحادثة في الإنترنت واليوم في الفضائيات دليل على الكبت الفكري الذي كان يعاني منه سابقا واليوم مع أجواء الحرية في ظل المشروع الإصلاحي فإن الفرصة متاحة لمزيد من وسائل التعبير عن الرأي.
جمال زايد مازال طالبا في المرحلة الثانوية وهو يتابع باستمرار القنوات الفضائية المتخصصة في الأغاني والمنوعات، ويقول عن استخدام الشباب للرسائل في الفضائيات: إنها ظاهرة مزعجة فالمتابع للقنوات الفضائية أصبح مجبرا على متابعة هذه الرسائل التافهة. ونحن عندما نتابع القنوات فإننا نشاهد الأغاني وهذا الشريط الذي يبث الرسائل يشوه الشاشة ولا يتيح للمشاهد الفرصة في متابعة الأغنية بشكل واضح.
تطور شريط الفضائيات
قد يتابع المشاهدون شريط الرسائل القصيرة في الفضائيات يوميا، ولكنهم لا يعرفون التطور التاريخي لهذا الشريط الذي أصبح اليوم هما من الهموم الشبابية. يعود تاريخ هذا الشريط إلى تاريخ غزو الفضائيات الأجنبية للمنطقة العربية مع حرب الخليج الثانية العام 1991م، اذ كان يبث أخبار الحرب. وبعد ذلك انتقل الشريط إلى عدد من القنوات الفضائية التي استخدمته في بث البيانات الاقتصادية لرجال الأعمال والتجار والمهتمين بالحركة الاقتصادية في منطقة الخليج والوطن العربي.
إلا أنها في وقت لاحق ونتيجة للتطورات المتلاحقة التي شهدتها منطقة الخليج تطور شريط البيانات الاقتصادية ليكون شريطا إخباريا يضم آخر الأخبار والتطورات العالمية وخصوصا خلال فترة الحرب ضد العراق.
ومع انتهاء العمليات العسكرية ضد العراق بدأت عدة قنوات فضائية تخصصت في بث الأغاني والبرامج المنوعة الموجهة أساسا لفئة الشباب في بث شريط مباشر ينقل إهداءات الشباب من الأغاني لمن يحبون من الأصدقاء والمعارف. لكن هذه الخطوة لم تستخدم بالشكل الصحيح، إذ وجدت شريحة واسعة من الشباب الفرصة لإمكان التواصل مع الأصدقاء والمعارف من خلالها، حيث يقوم الشاب بإرسال رسالته النصية إلى رقم هاتف معين، وبعد لحظات يشاهدها على شاشة التلفاز مباشرة وتستمر لمدة معينة تحددها الإدارة المشرفة على هذه الخدمة في القناة الفضائية.
مضامين وألقاب متنوعة
يتنوع مضمون الرسائل القصيرة التي تبثها الفضائيات، ولكن الطابع العام لها يتعلق بغرض التعارف والحصول على صداقات بين الجنسين. وفي معظم الأحيان يكون مضمونها حب وغرام بين الشباب الذين يتبادلون أشعارا وعبارات غزل وشوق وفراق. ولكن هناك سؤالا عن كيفية استمرار العلاقات والصداقات عبر استخدام الرسائل النصية القصيرة؟
ويلاحظ قيام الشباب في كل قناة باختيار أسماء وألقاب وهمية لهم يستخدمونها مع العبارات التي يرسلونها عبر الرسائل إلى القنوات الفضائية. وفي بعض الأحيان يكون اسم الشاب أو اللقب هو نفسه في أكثر من قناة.
رقابة متفاوتة
حال الرقابة المفروضة على برامج الفضائيات قد تكون معروفة، ولكن الرسائل التي يستخدمها الشباب تتفاوت رقابتها من قناة لأخرى. وهنا يبرز تنافس واضح بين القنوات الفضائية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب لمتابعة القناة والاستفادة من خدمة الرسائل المقدمة لهم. وهناك قناة فضائية عربية لا تفرض قيود أو رقابة على الرسائل التي تتلقاها، ولذلك تنتشر بها عبارات الشتائم وبعض الكلمات الإباحية باستمرار.
حقائق وأرقام
- تتلقى قناة «روتانا» الفضائية يوميا ألف رسالة نصية من مختلف دول العالم، ويتم تنقيتها لتبث على شريط القناة مباشرة.
- بلغ عدد المشتركين في خدمة الرسائل القصيرة من شركة «إنفوتوسل . كوم» المتخصصة في خدمات المعلومات المتخصصة عبر الهواتف النقالة في منطقة الشرق الأوسط حوالي 150 ألف مشترك.
الوسط - محرر الشئون الشبا بية
هناك تأثيرات سلبية للرسائل القصيرة التي تبثها الفضائيات على اللغة العربية الفصحى، كما إن الكلمات والعبارات المستخدمة في الرسائل تعكس تدني اللغة لدى الشباب العربي. هذا ما أكده تقرير صدر حديثا في العاصمة السورية دمشق.
وأكد التقرير الذي أعدته مجموعة من الاختصاصيين في اللغة العربية وتربويون أن رسائل الفضائيات القصيرة تشكل تهديدا جديا للغة العربية الفصحى. ورأى تربويون ان اللهجات العامية لا تجاري الفصحى في التعبير عن مكنونات النفس ولواعج القلب. كما أشار أيضا إلى أن استخدام اللهجات العامية دليل على الأمية المتفشية في الوطن العربي.
ومن النتائج التي كشف عنها التقرير أن معظم الرسائل غير مفهومة بسبب تفاوت اللهجات وعدم فهم الكثير من مترادفاتها، باستثناء المصرية والسورية بسبب تسويقهما ورواجهما عبر الأعمال التلفزيونية.
وفيما تقدمت اللهجات الخليجية على نظيراتها العربية نتيجة ارتفاع مستوى الدخل وانعكاس ذلك في القدرة على زيادة حجم الاتصالات، احتلت اللهجة المصرية المرتبة الثانية وحازت اللهجة اللبنانية والسورية الترتيب الثالث وانكفأت اللهجة العراقية إلى المرتبة ما قبل الأخيرة لتتقدم على لهجات المغرب العربي.
كما بيّن التقرير بأن معظم الرسائل قد اعتمدت على الجناس اللغوي لسهولة حفظه وترديده، مثل «يا رسايل علميهم كيف قلبي ما نسيهم» و«ماني متجاهلك، بس ما لقيت رسالة تستاهلك» و«حبيتك، وبماء الورد رشيتك» و«يا ناس يا عسل بوزكة وصل».
أما مضمون الرسائل فقد كانت حظيت عبارات الغزل بحصة كبيرة منها، وتعددت مقاصدها فتغزل بعضها بفضائيته أو بمطرب أو مطربة معينة وخاطبـت معـظمها الحبـيـب مثـل «كذاب لي قال منّك حلو وجذاب» و«لو انتقل الهرم من مصر للصين وقلبي من الشمال لليمين ما أنساك سنين» و«يا أعـز الأحـبـاب يـلي القمر من طلتـك غـاب والذهـب من غـلاك ذاب وبشوفك بانسى الآهات والأحباب». وشكا أحدهم ضيق حاله المادية فقال متغزلا بحبيبته: «صحيح دروبي عنك بعيدة واتصالاتي ما هي عديدة، بس والله محبتك بقلبي أكيدة».
وجرى الابتكار أن تؤكد الأسماء أو الصفات أو أية كلمة في الرسالة بغير قواعد النحو المألوفة في الفصحى مثل مط أحرف الكلمات كما في «عصام» أو بإدماج كلمتين مع بعضهما، لاسيما في الألقاب مثل «المغتـ المغترب - رب» و«دايـ السيف - م» و«ريسـ (العود) ـانة» و«الخليـ (لؤلؤة) ـج»، أو بتكرار أحرف معينة من الكلمة بدل تكرار الكلمة نفسها مثل «أحبككككك مووووت» و«الدلووووعة». وأغفل بعضهم وضع النقاط على الحروف بطريقة مفتعلة أفقدت العبارة دقتها وموازنتها.
في النهاية فإن التقرير كشف عن خطورة استخدام الشباب للرسائل القصيرة في الفضائيات. وطالب القائمين على تسيير أمور القنوات النظر في هذا الموضوع، وخصوصا مع تزايد عزوف الشباب عن استخدام اللغة العربية الفصحى في الكتابة
العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ