على امتداد المسافة الزمنية بين الوقت المسموح به للمذاكرة ويوم الامتحان، تبرز ظاهرة طلابية لا تتكرر إلا في الأيام الأخيرة قبيل بدء العد التنازلي على الامتحانات، ففي هذه الأيام تبدأ المعاهد الدراسية التي انتشرت على هذا الأرخبيل البحريني، باستنفار طاقاتها وقدراتها من أجل إغراء أكبر للطلبة وأولياء أمورهم للاستفادة من ساعات ما قبل الامتحان وبأسعار تنافسية.
ولأنه في ساعة الامتحان يكرم المرء أو يهان، فإن الساعات الأخيرة الفاصلة بين الإهانة والكرامة تشهد إقبالا كبيرا لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا توجد بين أيدينا أرقام دقيقة توصف حجم الظاهرة وتقدم صورة واضحة عنها، لكن العابر على أي واحد من تلك المعاهد الآخذة بالانتشار، يمكنه أن يعرف بالعين المجردة ملامح الظاهرة التي نتحدث عنها...
صبية وبنات النسبة الغالبة منهم ينتمون إلى المرحلة الثانوية وأقل عددا إلى الإعدادية، فوج منهم خرج لتوه من الدرس الخصوصي، ووقف ينتظر خارج المعهد حتى يأتيه أهله ليقلوه إلى المنزل، وفوج آخر، داخل ليأخذ المقاعد التي فرغت للتو، وهكذا حتى تنتهي هذه الظاهرة بانتهاء موسم الامتحانات، أو تقل حدة.
الرياضيات والإنجليزي وباقي المواد العلمية في التفريع العلمي وقواعد اللغة العربية، مواد تتصدر قائمة المواد الدراسية الأكثر طلبا في سوق الدروس الخصوصية قبل ساعات من الامتحان، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين موقع هذه الأيام القليلة أو هذه الساعات قبل الامتحانات من مستوى تحصيل الطلاب، وهل أكسبت الطلاب المزيد من الثقة في معلوماتهم حتى أصبحوا قادرين على مواجهة امتحاناتهم بتفاؤل، أم أنها عادت عليهم بمزيد من الخوف والقلق والإرباك وجعلتهم يتراجعون في أدائهم؟
أصحاب المعاهد يؤكدون أن معاهدهم أصبحت تستقطب الكثير من الطلبة عاما بعد عام، الأمر الذي يدل في رأيهم على التميز في الطرح ومن ثم التوفيق في الامتحان.
ونكتفي بعرض هذا البعد إذ إن الأبعاد الأخرى في الطرح كانت من باب التسويق ليس إلا، فيما يرى بعض من أولياء الأمور أن هذه المعاهد جعلت أبناءهم لا يكترثون كثيرا بدراستهم، فهم يعولون كثيرا على هذه الساعات، ليذهب أولياء أمور آخرون لتأكيد أهمية الدور الذي تلعبه تلك المعاهد، وخصوصا ان المعلمين فيها يقدمون نماذج مقاربة لأسئلة الامتحان ويدربون الطلبة على الأداء المقارب من الإجابة النموذجية.
يبدو الأمر مختلفا لدى الطلاب والطالبات الذين يؤكد الكثيرون منهم أنهم لمسوا تغيرا ملحوظا في مستويات تحصيلهم... في هذا التحقيق تحدثنا إلى هذه الشرائح ا بشأن تلك الأيام والساعات المخصصة للمذاكرة في المعاهد استعدادا للامتحانات، فكانت هذه النافذة.
عقبة رئيسية
يقول الطالب حسين سلمان هلال (طالب في المرحلة الثانوية) «لا أجد نفسي في الواقع مضطرا للمذاكرة في المعاهد، والسبب أنني متابع لدروسي باستمرار، فهناك مواد بعينها تحتاج الى الصبر والى المتابعة، وخصوصا لمن ينوي الانخراط في الفرع العلمي مستقبلا، إذ عليه أن يكون قادرا على مواد بعينها تعتبر عقبة رئيسية لدى الكثيرين، فما تقدمه المعاهد مع اقتراب فترة الامتحانات لا يعدو كونه مذاكرة لهذه المواد وحل لنماذج من امتحانات سابقة، وهو أمر يمكن للطالب الاستغناء عنه، بشرط أن يكون قادرا على التحصيل، فهناك من الطلاب من لا يستطيع التركيز وهناك منهم من لا يستطيع التذكر بشكل جيد، وهنا تصبح دروس التقوية أمر لا يمكن الاستغناء عنه»
فيما ينتقد زميله عدنان عبدالرحمن ظاهرة المذاكرة قبل ساعات من الامتحان ليشير الى عدم فهم المدرس لنفسية الطالب، وبالتالي اضطراره للدراسة في المعاهد.
ويقول: «أكبر مشكلة تعترض الطلاب هي عدم فهم نفسية الطلاب الشباب، فمن غير المعقول أن يتعامل معك المدرس وكأنك مجرد مخ المطلوب منه الاستيعاب، كيف يمكن للمدرس أن يفكر بهذه الطريقة بينما الشباب لهم طبيعتهم وتوجاهتهم (...) نجد أنه في المعاهد الخاصة المدرس الذي يستطيع الاهتمام بنا وبنفسياتنا، فهو يشرح بطريقة سهلة ومراعية لجوانب كثيرة».
فيما تعلق زهره محمد عيسى (طالبة)، على ذلك بقولها: «جميع الطلاب في المدارس الاعدادية والثانوية يشكون من مواد الرياضيات والعلوم، وهذا يدل على أن هناك إشكالا يجب التصدي لحله، فما معنى هذا الشكوى غير أن هناك مشكلة كبيرة تختص بهذه المواد، كل ما أراه أن المدرسين والمدرسات يجرون جريا وراء الانتهاء من المناهج المقررة، وهناك دروس تحتاج الى أكثر من حصة دراسية، وهم لا يعبأون بذلك، لذلك لا يعود إلينا مجال مع اقتراب الامتحانات غير المراجعة لهذه المواد في المعاهد إذ يخصص المدرس نماذج من أسئلة الامتحانات».
بين القبول والرفض
على الضفة الأخرى التقينا بعدد من المدرسين الذين تفاوتت آراؤهم بين الرفض والقبول...، معلم بأحد المعاهد الخاصة بشار معتوق قال: «أنا أنظر بايجابية لما تقدمه المعاهد من دروس تقوية، فما أراه حقيقة أن مدرس المعهد أصبح ضرورة بالنسبة إلى الطلاب، لأنهم قد انسجموا مع هذه الدروس بشكل كبير، الأمر يعني تحقيق رسالة المدرس، وان كنت أرى أن هذه الدروس لا تضيف شيئا الى المدرس لأنها لا ترفع من مستواه العلمي والثقافي، بعكس المدرس الذي يقدم مادة الى طلاب الجامعات، فما ألحظه أن طلاب الجامعات بدأت تستهويهم هذه الدروس في بعض المواد العلمية كالرياضيات مثلا، فهم يطلبون من يتابع معهم هذه الدروس وتلك ظاهرة جيدة مفيدة للطالب والمدرس في الوقت نفسه».
المتفوقون أيضا
«دروس التقوية علاج مؤقت» هذا ما قاله المعلم حسين المتروك. ويتابع: «المواد التي تشهد أكبر عدد من الطلاب الراسبين هي التي تستحوذ على اهتمام المعاهد، وبالتالي الأهالي، فالأهالي كلما أعيتهم الحيلة في تدريس المواد لأبنائهم فضلوا أن يتوجهوا الى المعاهد الخاصة، وذلك أمر يؤكده حضور مادة الإنجليزي والرياضيات بينما نجد أن اللغة العربية مثلا يطلبها الطلاب في بعض فروعها مثل النحو، وذلك راجع بالطبع الى خوف الأهالي أن يجرهم عدم الاهتمام الى رسوب أبنائهم، وان كنت أشهد في الفترة الأخيرة توجه المتفوقين أيضا الى هذه المعاهد».
طالب سلمان الغزال معلم بالمرحلة الإعدادية، عمل في وقت مضى في أحد المعاهد، ورفض الاستمرار فيها بعد حين لوجهة نظر خاصة، يلخصها بقوله: «لا أعتقد أن المعاهد أضافت شيئا يذكر الى الطلاب، فدروس التقوية ومراجعة المواد الدراسية التي تقدمها ليست ضمن خطة محددة واضحة يمكن التعويل عليها في خدمة الطالب، فما نراه ليس سوى دروس يعلن عنها للمراجعة والمذاكرة قبل الامتحان، إذا فالمعاهد لم تحقق الغرض الرئيسي منها وهو المساهمة في صنع الطالب المتفوق، كذلك لو تأملنا أكثر لوجدنا أن دروس التقوية التي تقدمها المعاهد دروس لا تخرج عن نطاق اللغة الإنجليزية والرياضيات، وذلك باعتراف أصحاب المعاهد أنفسهم الذين يجرون وراء الربح».
تقف عائشة جمعان التي تعمل كمعلمة، والتي كانت لها تجربة سيئة مع أحد المعاهد يوم اضطرت للعمل فيها كما تقول موقفا سالبا من الظاهرة لتقول: «ظروف الحياة الصعبة جعلت المدرس مجرد آلة مستهلكة، فأي مدرس هذا الذي يستطيع العطاء مع هذه الحصص والعدد الكبير من طلاب المدارس وخصوصا مع اقتراب الامتحانات إذ يكون ملزما بالانتهاء من المقرر، حتى يخرج قويا قادرا على إعطاء مادة جيدة الى الطلاب في المعاهد».
فصل من فصول المدرسة
ويبدو أن التأييد والرفض ينسحب على أولياء الأمور أيضا إذ يقول فيصل عبد الغفار «أنا رب أسرة مكونة من أربعة أولاد، وجميع أبنائي في المرحلة الإعدادية والثانوية، وأنا من أشد الآباء حرصا على استمرار أبنائهم في الدراسة في المعاهد، فما وجدته أن المدرس الذي يقوم بتدريس المادة الفلانية في المدرسة الفلانية يتم التعاقد معه ليقوم بتدريس المادة نفسها والتركيز على أهم ما فيها، وهو الأمر الذي يدفع بطلابه في المدرسة للذهاب الى المعهد، فيصبح المعهد، وكأنه فصل من فصول المدرسة مع عدد محدد طبعا من الطلاب، فكيف لا يستفيد أبنائي من ذلك مع كل الاهتمام الذي يبديه مدرسو المعهد بهم؟».
إلى ذلك يرى أياد عادل أن البحرين كلها تشهد ازدهارا لهذا النوع من التعليم، «فحتى تلك المعاهد التي أسست في وقت من الأوقات من أجل طرح دراسات عليا، والتي كانت شعاراتها تصرح بأنها تقدم مادة متقدمة اضطرت الى طرح المناهج ذات المستويات المتوسطة للطلاب، وأخيرا اندفعت كما اندفعت كلا المعاهد الى دروس المراجعة للامتحانات، فطالما أن الصفوف متوافرة والمدرسين الذين يحتاجون الى تحسين مستوياتهم المادية موجودون بكثرة، والطلاب الذين يريد منهم آباؤهم تحقيق مستويات متقدمة في الدراسة ولو دفعوا كل ما لديهم يزدادون عددا كل يوم، فلماذا لا تقوم المعاهد بطرح هذه الدروس طالما أن فيها خيرا كثيرا».
أما طفول عبدالرحيم حسين بدت غير مقتنعة بهذه الدروس، الا أنها عادت وراجعت نفسها، تقول: «لا أستطيع منع أبنائي من الذهاب إلى المعاهد أو الدروس التي تقعد في البيوت أحيانا، من أجل المذاكرة للامتحانات، فقد أصبح أبناؤنا لا يستغنون عنها فهم الذين يطلبونها واضعين في اعتبارهم حين الرجوع من مدارسهم أنهم سيذهبون عصرا الى هذه المعاهد».
سوق رائجة في المعاهد
«الوسط» حملت هذه الانتقادات والآراء إلى أصحاب المعاهد الذين أكدوا تحسن مستويات الطلاب جراء دروس الساعات الأخيرة، مشيرين الى إصرار الآباء على فتح المجال لهذه الدروس هو ما يدفعهم إليها وليس الربح المادي فقط.
عن ذلك، يقول سيدأحمد الساري: بصراحة نحن لا نمتلك قسما للمتابعة ولكننا ومن خلال لقائنا بالأهالي نتواصل معهم في حديث عن أبنائهم ومستوياتهم الدراسية، وقد وجدنا إصرارا من قبل الأهالي أنفسهم على أن يقدم المعهد هذه الدروس، وما شجعنا على طرق هذه الباب بعد ذلك أن اسم المعهد ومنذ ان دشن هذه الخدمة للطلاب بدأ يتردد، حتى أن مدرسي المدارس أنفسهم بدءوا في الاعتماد على مذكرات المعاهد!
من معهد آخر يقول عقيل عبدالرسول «لا أتصور أن دروس المذاكرة للامتحانات هي الغاية الأولى والمادة الأساسية التي تقدمها المعاهد، فهناك مواد وتوجهات أكبر، فنحن نقدم دورات تدريبية ودورات اعتمادات دولية(...) صحيح أن هناك معاهدا لا يشغلها غير هذا الأمر، ولكن هناك بعض المعاهد التي ونظرا لانتشارها واشتهارها بالمستوى المتقدم لطلابها، يكون عليها ضغط من قبل أولياء الأمور لتحسين مستويات أبنائهم من طلاب المدارس، فهذه الدروس يطلبها الآباء، وهي لا تقدم بعكس ما يشاع دخلا ممتازا للمعهد».
ومن معهد ثالث يقول حسن أحمد عبدالرضا معلقا على المستويات المتدنية التي لا يمكنها الاستفادة من دروس المذاكرة: «لا يستطيع المعهد تقديم شيء للطالب الذي لا يريد الاستفادة، فكما أن شأنه الإهمال والاستخفاف في المدرسة فشأنه أيضا ذلك في المعهد، فدروس المراجعة التي تقدمها المعاهد هدفها أن تشمل جيد المستوى ليعزز عن طريق هذه الدروس معلوماته، والآخر متدني المستوى ليحاول تحسين مستواه، ولكن المعهد ليس جهة اجتماعية».
رأي تربوي
الاختصاصي الأول بوحدة بحوث تطوير المناهج علي أحمد هلال علق على ما سبق بقوله: «لا شك في أن المعادلة القائمة بين الطلبة والمعاهد الخاصة التي تقدم برامج المذاكرة للمواد الدراسية، هي أن الطلبة يسعون الى رفع مخرجاتهم في التحصيل واجتياز امتحانات الوزارة بسلام، والمعاهد تسعى الى تحصيل المال مقابل هذه الخدمة، وهي حال مشروعة لكلا الطرفين، ففي كلتا الحالتين يقوم بالتدريس المعلمون المنتسبون الى وزارة التربية والتعليم وهو ما لا يمكن أن ينكر مردوده التحصيلي على الطلبة».
ويضيف: «ذلك التوجه الى المعاهد، لا يخلو من السلبيات بل والمخاطر وفي مقدمتها الحرمان من نمو الشخصية في المجتمع المدرسي وفقد الكثير من المهارات التي يكتسبها من طبيعة المادة في الصف الدراسي والمهارات التي يكتسبها من فضاء المدرسة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن الاعتماد الكلي على المعاهد والدروس الخصوصية سيغري الطالب باللامبالاة في المجتمع المدرسي وسيبعث جوا تعليميا لا تربويا ويهرول وراء الدرجات لا العلم».
وأشار إلى «أن وزارة التربية التعليم بذلت جهدا في تبني التعليم الاتقاني، الا أن مقومات الاتقان بدأت تتآكل، فعلى سبيل المثال فان التقويم التكويني قد صوحت نضارته كما توقفت الكفاءات التعليمية على مشارف الحلقة الثالثة، الأمر الذي جعل من المادة الدراسية عبئا ثقيلا على المعلم والمتعلم فصار يلهث لإنهائه والخلاص منه قبل مجيء الامتحان».
هكذا تباينت الآراء كلٌ من موقعه... وعلى رغم ما أكده أصحاب المعاهد في كون دروس الساعات الأخيرة قبل الامتحان لا تدر عليهم بالإرباح الطائلة، تبقى جيوب أولياء الأمور الذين يلجأون إلى المعاهد في الوقت الضائع أكثر فلسا بالمقارنة مع باقي أيام السنة.
لا يخلو موسم الامتحانات من الإحساس بالقلق والأرق، لكنه أيضا لا يخلو من الدعابة، إذ ينشط صانعو النكات في هذا الموسم في إطلاق الدعابات الساخرة، من باب تقليل حدة القلق ربما...
«الوسط» انتقت هذه الوقفة لتلطيف الأجواء الكئيبة إن صح التعبير ذلك لأن عبء هذا الموسم لا يشمل الطلبة وحدهم بل سيتعدى ذلك ليكون كابوسا أكثر رعبا لبعض الآباء... وهذه بعض الفوائد الساخرة للغش...
أولا: يعمل الغش على تقوية روح الصداقة والتعاون بين الطلبة ودعم روابط المودة.
ثانيا: ترسيخ مبدأ حسن الجوار.
ثالثا: تقدم للمراقب خدمة جليلة الذي سينشغل بما تفعله بدلا من الاكتئاب والملل الذي قد يصيبه من جراء جلوسه بلا عمل طوال مدة الامتحان.
رابعا: سيتيح لك الغش إظهار روح التضحية إذ سيتمكن زملاؤك من الغش من دون أية مخاطرة لأن المراقب سيكون مشغولا بما تفعله.
خامسا: ستتمكن من التعرف على المسئولين عن لجنة الامتحان مثل مراقب الدور وربما رئيس اللجنة... وبذلك ستصبح من الشخصيات المشهورة اللامعة.
سادسا: سينتهي الأمر غالبا بسحب ورقة الإجابة وبالتالي تعود إلى المنزل قبل باقي زملائك بدلا من الجلوس في مكانك بلا أية فائدة.
سابعا: إذا كنت سعيد الحظ قد تحرم من دخول باقي الامتحانات وبالتالي ستتمكن من الاستمتاع بالإجازة الصيفية مبكرا
العدد 618 - السبت 15 مايو 2004م الموافق 25 ربيع الاول 1425هـ