العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ

جمال يصور المثل وشاهين يحكي الصورة

ختام ملتقى حفظ وتدوين التراث الشعبي

اختتمت جمعية تاريخ وآثار البحرين مساء يوم أمس (الثلثاء) ملتقى البحث التاريخي وتدوين وحفظ التراث الشعبي الذي أقيم في مقر الجمعية بالجفير على مدى ثلاثة أيام، قدم خلاله عدد من المحاضرين مجموعة من المحاضرات المعنية بتدوين التراث وحفظه فيما يتعلق بالغناء والموال والتاريخ والصورة والمثل الشعبي.

وكان ختام الملتقى تضمن محاضرتين، قدم إحداهما المصور البحريني الكبير خليفة شاهين بعنوان توثيق الصور التاريخية، فيما كانت المحاضرة التي تلتها للباحث محمد جمال عن الأقوال والأمثال الشعبية.

وتحدث خليفة شاهين صاحب الخبرة في مجال التصوير التي تعود لنحو خمسين عاما من العمل مع الصورة، موضحا كيفية فهم التاريخ من خلال تعريفه بالقول «التاريخ هو الأحداث التراكمية والناتجة عن نشاط الإنسان الفكري والجسدي، وهو ذاكرة الناس في أوطانهم وارتباطهم بالجذور ونظرتهم إلى المستقبل، هو الذات التي إن أهملت ضاعت معها الهوية، وهو اللغة التي توحد أناس دون آخرين ومن خلالها يقام حوار الحضارات».

وكانت تصاحب حديث شاهين عدد من الصور الفوتوغرافية القديمة التي تعرضها شاشة العرض في القاعة، فيما أسهب في الحديث قائلا «إن كانت الصورة ثابتة أو متحركة، سمعية أوبصرية، أو بصرية ملونة أو باللونين الأبيض والأسود، فهي توثق الحدث وتبرهن شفافية التاريخ وصحته، وخصوصا إن كانت من جهة محايدة».

وأكد شاهين أن الصورة الحقيقية لا تحتاج إلى تعليق أو إلى تأويل أو تفسير، فهي بنظره واقع الحدث دون رتوش، وهي بذاتها تاريخ مسجل لتلك الحقيقة، ولها وقع مطبوع في ذاكرة الإنسان.

وأضاف «الصورة هي الحكم والفصل، إذا ما اختلفنا على صحة وإثبات الحدث، فالناس عادة تؤول التاريخ على حسب أهوائها ومعتقداتها ومصالحها ولكن الصورة الحقيقية لا مجال فيها للتزوير أو اللبس».

وعبر شاهين أن الصورة هي اختراع ذو حدين ساهم في سعادة البشرية بما يلتقطه من جمال وتعاستهم بتذكيرهم بمناظر البؤس والشقاء وأهوال الحروب والمعارك الدامية، مستعرضا عددا من المشاهد التي التقطت خلال الحروب والآلام التي عاناها البشر والتي وثقتها الصورة.

شاهين قال متابعا سرده عن تاريخ الصورة بالقول «في صناعة السينما، للصورة أهمية بالغة وعميقة لأكثر من مئة عام، استغلها الصهاينة للسخرية من العرب والمسلمين ووصفهم بالتخلف والإرهاب، كونها وسيلة سمعية مرئية قوية ومؤثرة على الفكر والوجدان، مشوقة ومربحة، حين أهملها بعض رؤوس الأموال من العرب واعتبروها صناعة فاشلة محرمة وغير مربحة».

وتحدث خليفة شاهين أيضا عن أهمية الصورة في مجالي الطب والتعليم، وحتى في مجال البحث والتحقيق الجنائي واكتشاف الفضاء ورصد المكتشفات من الكواكب والنجوم وأحوال الطقس وتقلباته إضافة إلى تصوير أعماق البحار والمحيطات وهي كلها أمور أسهم التصوير في حفظها وإبقائها قائلا «نعم يرجع التاريخ ويعود الزمن بفضل الصورة، فأنا أو أي واحد منكم عندما قام بتصوير ابنه وهو يخطو خطواته الأولى بالفيديو، وعندما يجلس الآن مع أحفاده أولاد ذلك الابن ويريهم تلك الصورة، ألا يرجع الزمن ويعود التاريخ»، مؤكدا وجوب تقدير الصورة، والاحتفاظ بها والقيام على تسجيل تاريخ ومكان التقاطها باليوم والساعة، وتخزين الصورة في أرشيف منظم متسلسل في مكان جاف وحرارة لا تتعدى 30 درجة مئوية.

وكانت المحاضرة الثانية للباحث محمد جمال عن الأقوال والأمثال الشعبية أتت لتسبر ميدانا من ميادين التراث الشعبي المجهولة، وهي الجزء غير المدون من التراث والفلكلور، والذي كان يعتم على الحفظ في نقل العلم والعبرة من التجربة التي خاضها السابقون، حتى أتى الوقت كي تسجل وتوثق لتوثيق الموروث العلمي والأدبي في المثل الشعبي.

واستدل على المثل الشعبي في البداية بما يستخدمه العامة من دلائل وآيات قرءانية، كحكم في حياتهم مثل «إنا لله وإنا إليه لراجعون»، و»عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، و «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، إذ أكد جمال أنهم من خلال البحث والتقصي قد أحصوا نحو 300 جملة من القرءان تجري على الألسنة كأمثلة.

وقال محمد جمال «العرب أهل بيان، قسموا العلوم لأربعة أقسام، فالطب للأبدان، والفلك للأزمان، والنحو للسان، والفقه للأديان، والتي من خلالها نستدل على أهمية علم اللسان الذي يكاد يكون علما عربيا خالصا، إذ العربي لا ينظر للعلوم الأخرى بغير نحو قدرة العالم البلاغية، فإذا لم يكن الطبيب متمكنا من زمام اللغة لا يعتد به».

وذكر جمال أن قصائد العرب لم تخلُ من الحكمة أو المثل أو القول السائر في حينه.

وتداخل الحديث مع المثل البحريني حينما قال الباحث «نلاحظ أن الأمثال الشعبية البحرينية لها بعض الظواهر الأدبية والأخلاقية الخاصة، إذ هم في البداية وظفوا الصفات الحيوانية وأطلقوها كتعابير لوصف الناس بصفات الحيوان مثل الأسد والكلب والحية والحمار والعقرب والنملة والثور».

وكانت البيئة في نظر محمد جمال المحرك الأساسي للمثل الشعبي، فكانت بيئة البحر قد أفرزت الأمثال:

«جانك راعي سفن قوي عتاداتك، وهو مثل ينصح أصحاب السفن بتقوية المراسي كي يعتمد عليها خلال فترة الغوص والإرساء الطويل في عرض البحر» و «البار على البيوار، والبيوار كلمة يجهلها الكثيرون هذه الأيام، لكنها الحبل الذي يمسك صاري السفينة، ويتحمل عبء حمل الصاري» و «البحر سبعة والعمار سبعة، الذي يستخدم إذا ما كان مصروف الشخص على قدر معيشته، وهو مثل من البحر حينما يستخدم العمار الذي يرمى لتثبيت السفينة بطول المسافة من السفينة للقاع، فإذا كان عمق البحر سبعة أدرع، والحبل بطول سبعة أدرع، فهو بالتحديد على قدر المساحة».

وذكر جمال أن الأمثال « تحتفي بالمحسنات البديعية وأهمها السجع لتحفظ بسهولة لكي تخزن في الذاكرة وتسترجع من الذاكرة للاستعمال»، وذكر منها «اللي ما له دبيبة ماليه هيبة، لو كل من جى ونجر ما ظل في الوادي شجر، جرب إنت غيري تعرف قديري، عند البطون تعمى العيون، كل ساقط وليه لاقط، ياكل معاش على اللاش، كل من طق طبلة قال أنا قبله».

وذكر جمال أيضا أن الأمثال فيها الكثير من التناقضات، وهي نتيجة لأن الحياة ليست مثالية في كل ميادينها، والتجارب الحياتية تأتي جميلة وأحيانا سيئة، ممثلاّ ذلك بالقول «شيل السماد على الراس ولا الحاجة للناس الذي يؤكد مبادئ العزة والإباء، بمقابل إذا لك حاجة عند الكلب قوله يا عمي جلبان الذي يدل على الذل والانصياع»

العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً