العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ

ما العمل؟

سألني طفلٌ صغير

جميلٌ

ملؤُ عَينيه بريقٌ وأمل

على طرفِ لِسانه الوردي رعشة الزهر الأغر

في جوف حنجَرتِه صدى حشرجة

ترددُ مَا يَعتلجُ به فضاءُ الصدرِ واختناق الفِكر

والعِبر

وضيعة الطريق

«ما العمل؟»

2

نظرتُ في عينيهِ

بريقٌ يشعُ

يضيءُ الطريق

بريقٌ أجملُ من بريقِ الجوهرِ والوردِ النَقيع

وقوس قزح المتوشح بالنور واللون وعطر الفضاء

بريق أمل

لماذا السؤال؟

تساءلتُ، قبلَ أن أجيب

عن سؤالٍ غريب

فحواهُ عجيب: «ما العمل؟»

3

يوم انقلبت على جانبيكَ

وأنتَ طِفلٌ رَضِيع

أردت تحبوا

هل سألتَ أو تَساءلتَ: «ما العمل؟»

سألتهُ،

فلم يُجب.

حبوتَ، نَعم حبوتَ بعد انقلاب وانقلاب

هكذا قلتُ له

فزدتُ من السؤال...

يَومَ سقطتَ

أردت أن تحمل الجسمَ الصغير على ساقيك

وأنت طفلٌ

الكَرّة تلو الكَرّة

سَقطتَ قُمتَ سَقْطتَ نَهَضْتَ...

والناس حولكَ تشجيعاً وتصفيقاً

وزغاريدَ تملأ الجوَ نشيداً فريداً

هل تساءلتَ أو سألتَ:

«ما العمل؟»

ألم يك ثمة أمل عندك؟

وقِفتَ... حملتَ عُود جِسمك الطري

دون أن تسألَ أو تتساءلَ: «ما العمل؟»

يوم خَطوتَ أول خُطوة... هل تتذكر؟

كانت الأيدي تشدك نحوها، ترعاكَ في قطعكَ دربها

والأنفاس دافئةٌ تمنحكَ الأمانَ بدفئها

وجسمك النحيل يميل، يميل كما الغصن الرطيب يراقصه النسيم

ويَسْتطيب

وأنتَ مَشدُوه تُبصرُ الكونَ

تودُ لو تَطِير

خَطوتَ ثم خَطوتَ

ثُم مَشيتَ، ثم جريتَ

لم تَكن آنذاك تَسأل أو تتساءل: «ما العمل؟»

4

كانت الصرخةُ أولى المفردات التي جِئتَ بها

ثم البُكاء

ثم الصراخ، ثم الصراخ

لم تكن تعرفُ الكلمات ولا النُطق بها

لم تَكن تعرف الماضي، لا الحاضر، لا، لا، ولا ما هو آتْ

كُنتَ فِكرة لم تكن في كل ظرفٍ محض سَكرة

وعَلمناكَ!

رُب أنسيناك البكاء

عَلمناكَ كيفَ تَحكي:

ألفٌ، باءٌ، تاءٌ

هكذا علمناكَ

ألفٌ: أرنبٌ

باءٌ: بطةٌ

تاءٌ: تفاحةٌ

عَلمناكَ كيف تَحكي وتعلمتَ الكَلام

تَعلمتَ كيفَ تخط الكلمة تلو الكلمة

تُضفي عليها روح الإبتسام

تَزيدُ عَليها نَغمة من مكانٍ تحملها إلى مكان

عَلمناكَ وتعلمت

دون أن تسأل أو تتساءل: «ما العمل؟»

5

طفلي المحبوب، اسمع

لك إذنانٌ ولسانٌ عربيٌ

دون أن تسأل اعمل

وتوكل

هذه الدنيا لك رَحبٌ

وفضاءٌ سرمديٌ

لا تقم فيها صراخاً أو بكاء أو نحيبا

تَلكَ أيام الرِضاعة و الدلاعة، تلك أيام الطهارة

تلك ما أخرجناك منه

تلك أيام الجهالة

لم يعد ينفع منك أن تسأل أو تتساءل

بينما الآخر يعمل دون أن يسأل يعمل

أنت في ريعان سِنك

عجباً

تسأل أو تتساءل: «ما العمل؟»

6

ابني اعمل، لا تتكاسل

كل شيء زائلٌ من ألمٍ أو صَنمٍ

تبقى أنت النجم في قلبِ السماء زاهر

تبقى أنت الكلمة النور

تبقى أنت الحر

تبقى أنت سيد نفسك

عزيزها

عطرها، رحيق زَهرها الأبدي

أبداً أنت لا ليس سواك

لا تسأل أو تتساءل: «ما العمل؟»

7

سيأتيك صباح ليس مثل الصُبح صُبحاً

ليس فيهِ النُور يَمشي لا ولا الزهر يميل

ليس للنسمةِ صوت فيه لا ولا تحمل عَبير

سيأتيك ليس مثل الليلِ ليلا

ليسَ فيه من نجوم أو طيور تستريح

ليسَ فيه سوى ظُلمٌ وظَلامٌ

وآهات الطِغام

كل هذا والصمتُ يبقى رفيق دربك في الظلام

لا سؤال ولا تَساءل: «ما العمل؟»

8

غداً تصبحُ مِثلي رجلاً

لا تتعجل

كُلها أيام وأنت في صف الكهول

روح يغلفها الذُهول يُحيط بها النسيانُ والحيطان

رُب لا وعي هناك أو سرُور

وعمرٌ ذابلٌ

لا عطر حولك لا زُهور

ورِفَاق الدرب ذابوا

مثلك في شراك دنيا الغرور

كلها أيام مرت بعض منها في حبور

بعضها آلام يعصر الدهر يجور

حينها

عندما يأتيك طفلٌ في ربيع الزهر

يسأل أو يتساءل: «ما العمل؟»

أضحك ملء شدقيك وقل: «لتكن أنت الأمل»

حسن الصحاف

العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً