العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ

ثماني جثث في الطريق العام بسبب الشعوذة وتجارة الأعضاء

مقبرة جماعية للأطفال تثير فزع الرأي العام المغربي

اهتز الشارع المغربي أخيراً على نبأ العثور على مقبرة جماعية بمدينة تارودانت بالجنوب المغربي (680 كلم جنوب الرباط) لتبدأ عملية البحث عن هوية القتلى ودواعي عملية القتل.

وبحسب مصادر أمنية وطبية بدأت القصة التي أثارت فزع الساكنين المحليين مباشرة بعد العثور على 7 جثث ملقاة في الطريق العام هوية أصحابها مجهولة موزعة على منطقتين. إذ تم العثور أولاً على 4 جثث قرب باب الخميس بتارودانت في مفترق الطرق الفاصل بين «البورة» ومنطقة أولاد «بنونة» البدويتين. وعلى بعد نحو 50 متراً قرب ضاحية الواد الواعر اكتشفت الجثث الثلاث الأخرى في ما يشبه حفرة. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الجثث الثلاث الأخيرة كانت موضوعة داخل كيس بلاستيكي أصفر اللون على عكس الجثث الأخرى التي كانت مكشوفة، إذ لوحظ أن إحداها كان صاحبها يرتدي قميصاً أزرق وسروالاً رياضياً. وذكر مصدر أمني من تارودانت أن أصحاب تلك الجثث مازالوا شباباً، إذ قدرت أعمارهم بين 18 و22 سنة. ولاحظت مصادر في المكان عينه، أن الجثث كانت على درجة كبيرة من التحلل، ما يؤشر على أن الوفاة حدثت منذ زمن طويل، غير أن رائحة التعفن، مازالت تنبعث من الجثث الثلاث التي كانت في الكيس، عكس الجثث الأربع الأخرى التي أصبحت مجرد هياكل عظمية. ورجحت المصادر ذاتها أن تكون الجثث السبع قد جيء بها من مكان بعيد أو استخرجت من مكان ما كانت قد دفنت فيه في السابق، إذ علق التراب بالرفات. وفي الوقت نفسه استبعدت تلك المصادر أن تكون الجثث المذكورة، قد استخرجت من المقبرة التي تبعد أمتاراً عن المكان الذي عثر عليها فيه، ولاسيما أنه وجد بين الجثث السبع من يرتدي ملابس.

ومباشرة شرعت أجهزة الدرك الملكي والشرطة القضائية بمدينة تارودانت، في التحقيق لتحديد هوية الجثث التي عثر عليها، والكشف عن خبايا هذه الوفيات، التي أثارت الرأي العام المحلي، ما دفع إلى تكثيف التحريات لفك لغز هذه الجريمة، وخصوصاً بعد تناسل سلسلة من الفرضيات بشأن أسبابها.

في بداية الأمر لم تتح المعاينة الأولية تحديد هوية أصحاب الجثث التي مازالت تنبعث من بعضها روائح نتنة، عكس الأخرى التي أصبحت مجرد هياكل عظمية، ما أدى إلى إيفاد خبير بصمات من الإدارة المركزية للأمن الوطني بالرباط وطبيب من مصلحة الطب الشرعي بمدينة أغادير القريبة، ووالي أمن أغادير وكذلك عناصر الشرطة العلمية من الدار البيضاء وعناصر من الفرقة التقنية التابعة للدرك الملكي بأغادير. وتبين بعد معاينة الجثث التي وصل معظمها إلى حال تحلل متقدمة، أن عددها (8) وليس (7) كما ذكر عند اكتشافها، وأنها لشبان ذكور في مقتبل العمر وتتراوح أعمارهم ما بين 14 و18 سنة. ورجحت مصادر مطلعة أن يكون القتلى من خارج المدينة على اعتبار أنه لم تسجل أية شكاوى تتعلق بتغيب أشخاص من السن نفسه في المنطقة خلال الفترة الأخيرة. ولا تستبعد المصادر ذاتها أن تكون الجثث التي عثر عليها، قد لقي أصحابها مصرعهم قبل أيام كثيرة وتم دفنهم في أحد الدور القديمة بالمدينة أو في إحدى الضيعات قبل أن يتم إلقاء جثثهم.

وفي ظل عدم تحديد الأسباب الحقيقية لهذه الجرائم حتى الآن، كشفت مصادر مطلعة عن عثور المحققين على رسالة خطية سلمت للنيابة العامة تفيد بأن القتل تم بغاية الانتقام، وهي الرسالة التي يجري أخذها مأخذ الجد، وإن كانت مصادر أمنية رجحت أن تكون وسيلة للتمويه فقط، لإبعاد التحقيق عن مجراه الطبيعي.

ولتعميق البحث قررت السلطات الأمنية نقل الجثث إلى معهد الطب الشرعي بالدار البيضاء الذي يشرف عليه خبير الطب الشرعي البروفيسور سعيد الواهلية من أجل تشريحها وتحديد أسباب الوفاة. إذ عمل المحققون على البحث في فرضيتين وسعوا للتأكد منهما بعد أن تم استبعاد أن تكون قد استخرجت من المقبرة التي تبعد أمتاراً عن المكان الذي عثر عليها فيه، لاسيما أنه وجد بين الجثث الثماني من يرتدي ملابس. وذهبت الفرضية الأولى إلى أن الأمر يرتبط بأعمال السحر والشعوذة التي انتشرت في جنوب المغرب أخيراً، وخصوصاً أن سن الضحايا لا يتجاوز 18 سنة، وهو ما قد يؤكده الطب الشرعي. بينما ترتبط الفرضية الثانية بتجارة الأعضاء البشرية، وهو ما سيتأكد بعد التشريح، الذي ستخضع له الجثث.

كما لم تستبعد المصادر ذاتها أن يكون الضحايا تعرضوا لاعتداء جنسي قبل قتلهم، أو أن يكونوا من المرشحين للهجرة السرية، إذ أصبحت منطقة تارودانت - أغادير تشكل نقطة عبور للشاحنات المتجهة إلى المحافظات الصحراوية التي تستغلها مافيات الهجرة السرية، بعدما ضاق عليها الخناق في شمال المغرب.

وبعد خضوع الجثث الثماني للتشريح قال رئيس معهد الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بمدينة الدار البيضاء سعيد الواهلية «إن تاريخ وفاة الأشخاص الثمانية الذين تم العثور على جثثهم بتارودانت يعود إلى 3 أشهر على الأقل بالنسبة إلى أحد الضحايا وما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات بالنسبة إلى الباقين»، مشيراً إلى أن «العناصر الأولية للتشريح أظهرت أن الأمر يتعلق بجثث شبان ذكور تتراوح أعمارهم ما بين 13 و16 سنة، وطول قاماتهم ما بين 1,40 و1,50 متر، موضحاً أن الفحص الذي سيجرى على الأسنان في القريب العاجل سيحدد سن الضحايا بشكل دقيق.

واعتبر أن سبب الوفاة قد يكون وراءه عمل إجرامي مادام أن الجثث تحمل اثر الضرب على مستوى الرؤوس وعلى مستوى أعضاء أخرى، مضيفاً أنه سيتم اللجوء إلى تحليلات الحمض النووي «اي. دي .إن» للتعرف على هويات الضحايا.

وأشار الواهلية إلى أن جثث الضحايا كانت دفنت قبل إخراجها ونقلها إلى مكان آخر لأن التراب وجد عالقاً بعظام الضحايا.

بالموازاة مع أبحاث معهد الطب الشرعي في الدار البيضاء باشر المحققون البحث من خلال مسار جديد لكشف ما باتت تسميه وسائل الإعلام المغربية سر «مذبحة أطفال تارودانت»، تمثل بالأساس في البحث في فرضية يعتقد أن لها مسوغاتها، إذ تم تكليف فرقة خاصة للبحث والتحقيق فيها، والتي تم تعزيزها بعناصر سبق أن حصلت على تدريب داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (F.B.I)، والتي يرجى أن تساهم الخبرة التي اكتسبتها في تسريع وتيرة البحث، والكشف عن عناصر جديدة، من شأنها أن تفك ألغاز هذه القضية. ووفق المصادر ذاتها فإن هذا البحث الذي بوشر فيه يهدف إلى التأكد من فرضية إمكان ارتباط هذه الجرائم بتجارة الأعضاء، والتخوف من احتمال وقوف شبكات تتاجر في الأعضاء وراءها، وخصوصاً في ظل انحصار التحقيقات الجارية بخصوص باقي المسارات في مستويات دنيا، من دون جديد يساعد في فك ألغاز هذا الملف الشائك.

وفي هذا الإطار أفادت مصادر مقربة من التحقيق، أن فريقاً من فرق البحث، باشر عملية جرد لأسماء كل الأجانب المشبوهين الذين كانوا يترددون على مدينة تارودانت، من خلال الأسماء المدونة بسجلات الفنادق، أو تلك المعروفة لدى مالكي المساكن التي تعرض للكراء. ووفق المصادر ذاتها، فإن بحثاً يجري أيضاً، لتحديد إمكان وجود أطباء وسط هؤلاء، وهو ما قد يعزز هذه الفرضية أو ينفيها، باعتبار أن الإقدام على مثل هذه العمليات، التي ترتبط بشبكات متخصصة في تجارة الأعضاء البشرية، تتطلب وجود أطباء متخصصين في هذا المجال. وعلى رغم كون هذا المسار الجديد، يظل مجرد فرضية، ضمن فرضيات أخرى، تخضع حالياً للاختبار، فإنه، وبحسب رأي «سعيد الواهلية»، يظل مستبعداً جداً، لكون تقنية نقل الأعضاء وزرعها، هي تقنية معقدة، وتتطلب وسائل تقنية بالغة الأهمية، موضحاً أن هذا الطرح مستحيل علمياً، لكون نقل عضو من شخص، يتطلب أن يتم ذلك على جثة، يكون فيها الدماغ في حال وفاة، والقلب في وضعية نبض، كما يتطلب ذلك وجود الشخص في قاعة إنعاش مجهزة، قبل أن يتم وضع العضو المنزوع في ثلاجة خاصة بها محلول معين، كما يجب أن ينقل في زمن محدد. وبسبب صعوبة توقع حدوث مثل هذه العملية بمدينة تارودانت، فإن هذا المسار يبقى مستبعداً، إن لم يكن مستحيلاً، إلا أن خبير الطب الشرعي «سعيد الواهلية»، لا يستبعد بالمقابل، أن تكون وراء عمليات القتل تلك التي تعرض لها الأطفال الثمانية، دوافع ترتبط بسرقة الأعضاء، لكن لأهداف ترتبط بالشعوذة والسحر.

وارتباطاً بالتحقيقات ذاتها، تم الكشف عن معلومات من شأنها، أن تساهم بشكل كبير في وضع التحقيق في مساره الصحيح، فيما لو تم التأكد من صحتها، وأعطي لها حجمها الحقيقي، وفق ما ذكرته والدة أحد الأطفال المختفين. فقد أفادت «شعبية الهماج»، والدة الطفل سياسين بن عامر بالتبني، والمختفي منذ 16 فبراير/ شباط الماضي، أنها تقدمت بشكوى للنيابة العامة بتارودانت، تتهم من خلالها مرشداً سياحياً باختطاف ابنها، من دون أن يتم التحقيق في مآل هذه الشكوى أو يتم التحقق منها. وأوضحت والدة الطفل - الذي يعتقد وبنسبة كبيرة أنه أحد الضحايا الثمانية بسبب الملابس التي كانت مع الجثة، والتي تعرفت عليها - أن الشكوى تضمنت الإشارة إلى أن المشتكى به، قام من دون حق مشروع، بأخذ ابنها بالكفالة وتضليله. وهي الشكوى التي كان من الممكن أن تساعد في كشف حقيقة هذه الجرائم، فيما لو تم التحقيق بشأنها في وقت سابق. وفي وقت لاحق ذكرت مصادر مطلعة في تارودانت أن حجم ملف «مذبحة الأطفال بتارودانت»، هو أكبر بكثير مما تم الكشف عنه حتى الآن من فظاعات استهدفت أطفالاً في عمر الزهور، لاتزال هويتهم مجهولة حتى اللحظة، في ظل تواصل التحقيقات والتحريات المكثفة.

هذا ومن المرتقب أن تتبين حقيقة هذه الجرائم والتعرف على هوية القتلى خلال الأيام المقبلة، على حد تصريح مدير الطب الشرعي في الدار البيضاء بعد الانتهاء من مقارنة «اي دي إن» للقتلى بأقرباء مفترضين لهم

العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً