العدد 704 - الإثنين 09 أغسطس 2004م الموافق 22 جمادى الآخرة 1425هـ

الكتاب العراقي تحت الاحتلال: انكفأ توزيعاً... وتصريفاً

مصر «تولف» وتترجم والعراقيون يقرأون!

من البديهي ان يخضع الكتاب، ذلك المحور المهم للثقافة العراقية والمورد للابداع والمنتج المستوعب لطاقات المثقفين، لظروف الاحتلال. واذا كانت السوق العراقية تعج بالسلع الاستهلاكية، فانها ايضا تعج بالمستورد من الكتب، ما يعيد من جديد مقولة ان مصر تؤلف ولبنان تطبع والعراقيون يقرأون، ولكن هذه المرة باختلاف ازلي، باعتبار ان مصر «تولف» او تترجم ، ولم تعد تؤلف. والكتاب العراقي يمر الآن بمراحل إخفاق وتدنٍ لا مثيل لهما في مجال التوزيع او التصريف، حاله في ذلك حال الكتاب العربي في عموم الوطن الكبير، كما اشار إلى ذلك مدير عام اليونسكو ونشرته مجلة «عمان الثقافية» في عددها الصادر في شهر مايو/آيار من العام الماضي، إذ حذر من الوضع الكارثي - على حد قول المدير العام لليونسكو- الذي يمر به توزيع الكتاب في الوطن العربي وشدد على ان العرب عليهم ان يجدوا حلاً لهذا الوضع الذي ينذر بالخطر ويدلل على ان العرب لا يقرأون.

وهناك خمسة عناوين أساسية تكمن وراء عملية انجاح الكتاب وزيادة رواجه ومبيعاته، أو فشله وانكماش حركته في سوح المعرفة: الناشر - الموزع - البائع - المؤلف - المضمون.

فاذا كان العرب، كل العرب البالغ تعدادهم 300 مليون نسمة لا يقرأون حقاً، فإن العراق وحده الذي يشكل عشرة بالمئة من مجموع العرب وحده يقرأ، فالقراءة للعراقيين هي حال ادمان قديمة، وما دام الامر كذلك، فلماذا اصبح الكتاب العراقي يعاني من حال الركود والانكماش، إذ تدنت مبيعاته في بعض العناوين الى درجة الصفر او الى مبيعات متواضعة في عناوين اخرى لا تزيد نسخها المباعة على عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا يعني ان هناك خللاً ما. فما هو هذا الخلل واين يكمن؟ في المؤلف أم الناشر أم الموزع؟

في هذه العجالة لا يمكننا تحديد المسئولية او وضع اللوم وحدوث التقصير على جهة ما، لكن يمكننا أن نسأل هل ان آلية توزيع الكتاب العراقي المعمول بها حاليا في العراق هي آلية ناجحة ومكفولة؟

المكتبات التجارية الخاصة منذ نشوئها في العراق في صدر الاسلام اسهمت ولاتزال في ترويج الفكر الهادف وتصريف مؤلفات العلماء والمفكرين والادباء والفلاسفة، فما بالها الآن، وفي هذا الظرف الصعب بالذات تتخلى عن مسئوليتها تجاه الكتاب العراقي وعدم ابتكار طرق للنهوض بمسيرته وتصعيد حركة رواجه وانتشاره؟!

المكتبات التجارية الخاصة عادة تكون مزدوجة الاداء مهنيا وثقافيا، فهي معنية بترويج الفكر الهادف ثقافيا، الى جانب تحقيق هامش الربحية المشروع مهنيا، وهذا حق اكيد وثابت لها، لا سيما وان اصحاب العقارات اصبحوا لا يفرقون بين بائع الكتب وبائع الفجل في زياداتهم المحمومة للايجارات المتصاعدة سنوياً، ما جعل المكتبات تتقلص ودفع معظمها إلى ممارسة مهن تجارية لا علاقة لها بالكتب لا من بعيد ولا من قريب، بغية تحقيق موارد عالية وربحية اكثر مما تحققها موارد الكتب والمكتبات!

عملية توزيع الكتاب على المكتبات المعمول بها حاليا وهي ما تسمى «طريقة المرتجع»، هي باعتقادي الشخصي اساس الاخفاق. هذه العملية لا نجدها متداولة في اقطار اخرى غير العراق، واثبتت عجزها وفشلها واخفاقها، فلماذا الاصرار على التعامل بها إذاً؟ ولماذا لا نبحث عن طرق بديلة تحقق للكتاب توزيعاً عالياً وتصريفاً منصفاً في عموم الساحة الثقافية محليا وعربيا؟

توزيع الكتاب مهمة تجارية خاضعة للخسارة والربح معا، وأصحاب المكتبات التجارية الخاصة يدركون هذا جيدا، فكما انهم يحققون في بعض العناوين الكبيرة مبيعات عالية تحقق لهم ارباحا اكثر بكثير مما هو مثبت على اغلفة تلك العناوين من اسعار، فان عليهم ان يتحملوا حركة المبيعات البطيئة التي ترافق عناوين اخرى ولا سيما الكتب الادبية - دواوين الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد...

على رغم ان هذه الكتب عادة تكون مطلوبة بشكل أكبر بعد أعوام من صدورها، على الاقل على مدار عقدين من الزمن، واسعارها قابلة للارتفاع والتغيير وفق حركة السوق المحلية، والمسألة هنا تسجل لصالح اصحاب المكتبات التجارية الخاصة، إذ ان رصيد المكتبة ورأس مالها هو الكم الموجود من العناوين المعروضة، سواء كانت هذه العناوين ضمن الاصدارات الجديدة أم هي عناوين لاصدارات قديمة، لابد ان تتوفر فوق رفوف المكتبة على مدار الزمن، إذ ان الكتاب يعد امام العارفين بقيمة الذهب وكلما تباعدت سني طبعه وصدوره يصبح مرغوبا ومطلوبا، وهذه النظرية يدركها اصحاب المكتبات اكثر من غيرهم، لذلك فان على صاحب المكتبة ان يتعامل مع الكتاب العراقي وفق هذه النظرية ذات النفس الطويل والمدى البعيد... وفي هذه الحال عليه ان يسهم طالما ارتضى ان يتخذ من تجارة الكتب مهنة أصلية لحياته، ان يسهم بشراء نسخ من كل اصدار جديد تكون ملكاً خالصاً ورصيداً مضافاً الى رصيد مكتبته يقوم بعرضه وبيعه على مدار الزمن البعيد.

الكتاب مطلوب في أي زمان ومكان لانه ليس بضاعة بائرة قابلة الى التلف او الكساد، والطلب عليه يتزايد كلما مر الزمن وفي كل المحافظات العراقية من دون استثناء، ولا سيما بعد هذا الانفتاح الكبير على انتشار الجامعات في المحافظات وتزايد عددها بشكل رائع وكبير.

والطلب على الكتاب بعد هذا التوسع العلمي الاكاديمي الرصين سيتزايد باضطراد، ولكن المسألة تحتاج من صاحب المكتبة قليلا من المطاولة وقليلا من الصبر،

وهذه المطاولة والصبر ما عدنا نجدهما لدى اصحاب المكتبات الاهلية الخاصة الذين قلصوا من رفوف الكتب العلمية والفكرية والادبية لتحل محلها القرطاسية المدرسية سريعة البيع والحركة إذ زحفت لتحتل واجهات المكتبات التي كانت عامرة تزهو بكل ما هو بليغ وكبير من الكتب الثقافية بآلاف العناوين العراقية والعربية

العدد 704 - الإثنين 09 أغسطس 2004م الموافق 22 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً