أجاد سبايك جونز وتشارلي كوفمان أداء دوريهما في فيلم Being John Malkovich عندما أظهرا ممثل هوليوود في نوبة من السأم الشديد وهو يطلب مناشف بالهاتف. إذا كنت تتساءل عن الهدف من ظهور مالكوفيتش في هذ المشهد فلفترة طويلة بدا وكأنه سئم مهنة التمثيل بشكل كبير، بل إنه يفضل تصفح كتالوجات غرف الحمام وهو يجلس على كرسيه الطويل بدلاً من أن يقذف بنفسه في مستنقع التمثيل.
وإذا كان هناك أي ممثل بحاجة إلى إثبات أنه مازال يحصل على بعض الأعمال الفنية فإن فيلم Ripley's Game هو بمثابة الدفاع عن مالكوفيتش، وبمجرد أن نشاهده يتسكع في برلين وهو يرتدي معطفه الواقي من المطر وقبعته المستديرة ويتحدث كسحلية استيقظت لتوها من سبات طويل، ندرك أن مالكوفيتش سيمتعنا كما لم يفعل في أي من أفلامه الساب Ripley's Game مقتبس من قصة باتريشيا هايسمث ويلعب فيه مالكوفيتش دور توم ربلي، الشخصية الرئيسية المتقلبة النافرة من المجتمع، يعيش ربلي في إيطاليا في يلا على الطراز المعماري الإيطالي، ويبدو حزيناً لظهور شريكه السابق السفاح ريفز (ونستون) الذي يحب قتل الآخرين دائماً.
ويجند ربلي صانع أطر الصور الإنجليزي البريء جوناثان نريفاني (دوجري سكوت) للقيام بمهمة ما، لأن ترفالي اتهمه من وراء ظهره بأنه شخص عديم الذوق. إن قيام ربلي بإيقاع تريفاني في مشكلة قذرة كانت فكرته لخلق جو من اللهو العابر، لقد كسر ريفز قانون لعبة ربلي، وهو بهذا العمل أظهر ذوقاً فظيعاً.
أما فيلم Ripley's Game فإنه مثل ربلي نفسه، يتسم باللطف وسهولة الانقياد وخصوصاً عن تجاوز الحدود، وهو أكثر فيلم يظهر فيه مالكوفيتش كما هو في الواقع.
ويتحرك مالكوفيتش بنوع من الشموخ خلال دوره كقوة بارزة تعبر عن الدماثة الزئفة. إنه شخص سفاح يقوم بإضرام النار في حمولة من الجثث في سيارة ثم يتصل هاتفياً ليطلب لزوجته بعض نباتات الفاوانيا (عود الصليب).
ولربما يكون ربلي شخصية باعثة على السخرية، ولكنه لا يتكلف صفة معينة لأنه صادق ويمثل في إطار إشاراته الموقف الوحيد الممكن تجاه العالم. ويعبّر ربلي عن الشخصية النافرة من المجتمع إذ يقوم بإصدار أحكام أخلاقية فيما يتعلق بتحديد ما إذا كان الشخص مسبباً للضجر أم لا على أساس الأسلوب.
وتشجعنا الكثير من الأفلام على رؤية الأشياء بهذه الطريقة، إذ نندهش من الأمور الغريبة في الوقت الذي نجد فيه الناس العاديين مملين بشكل منفر، وتسلط مخرجته الضوء على هذا الاتجاه وتجعلنا نحاول البحث عن صحته. وعلى أية حال، ففي النهاية لا نكره ربلي أو نعطف عليه أو حتى ننبذه، بل نتساءل كيف يُسيِّر أموره في الحياة بهذا الحد من الضجر المؤلم؟
إن الفيلم في حد ذاته - وعلى رغم لونه الأوروبي القديم - يعوزه البريق، فقد تم تصويره في شمال إيطاليا بألوان عادية بيضاء. ويبدو أن الفيلم ينقصه الأسلوب من الناحية العملية، فقد تم تصويره بدقة مبالغ فيها. ولا يحتوي الفيلم على زخارف هيتشكوك ولا أية إشارات بارعة، ولكنه يحتوي على بعض اللمسات نافذة البصيرة.
إن حب هذه القصة أو السخرية منها يختلف من شخص لآخر، كما ان حقيقة قيام مخرجته بتقديم كل شيء بطريقة أفلام الإثارة التلفزيونية في منتصف السبعينات جعلها تسير في اتجاه أسلوب وظيفي محض.
ومن الناحية الشكلية يبدو الفيلم مثل اللب الأنيق الشبيه بقصة رصينة نوعاً ما تحدث في أحد المطارات. ولكن كافاني تعالج الشخصية كأسلوب متكامل وشكل متكامل وكممثل وجودي غامض. ويرجع نجاح فيلمها إلى عدم وجود التكلف وإلى صفاء الأسلوب
العدد 705 - الثلثاء 10 أغسطس 2004م الموافق 23 جمادى الآخرة 1425هـ