العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ

إعادة إعمار العراق عملية معقدة وصعبة

يتداول المسئولون العراقيون تقريراً بشأن إعادة الإعمار أعدته المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بروكسل برئاسة رئيس فنلندا السابق مارتي أهتساري. ويقول التقرير الصادر في سبتمبر/ أيلول الجاري ان استقرار العراق سيبقى في خطر، وان المؤسسات الناشئة والحديثة ستفقد الصدقية لصالح التمرد الذي سيصبح ذا زخم أكبر. ويذكر ان رينود ليندرز أحد المساهمين في إعداد التقرير أن «الانهيار الاقتصادي والنشاط الإجرامي والعنف مرتبطان ببعضهم بعضاً ومتضافران. البطالة تغذي التمرد الذي بدوره يعوق التطور والنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل».

ويعتبر التقرير أن عملية إعادة الاعمار عملية ومعقدة وصعبة لما يكتنفها من عقبات لم تكن ناجمة فقط عن الوضع الأمني المتدهور فحسب أو بسبب ميراث حكم البعث، وإنما كانت أيضاً لأن سلطة التحالف جعلت العمل الصعب أكثر صعوبة. كما ازدادت العقبات نتيجة للتنازع البيروقراطي الأميركي وتبدل كبار المسئولين وعدم الخبرة كما ازداد الشعور بعدم الثقة بسلطات الاحتلال والمؤسسات العراقية نتيجة لغياب الشفافية والمساءلة في عملية التعاقد المرتبطة بفساد حقيقي أو مزعوم.

وينتقد التقرير الذي حصلت عليه «الوسط» أداء سلطة التحالف، ويشير إلى أن الاستراتيجية التي استخدمتها اعتمدت على معلومات قليلة عن العراق واتخذت شكل أيديولوجية وكانت عرضة للتبدل المستمر وفقاً لرغبات واشنطن بدلاً من الاحتياجات المحلية. وكانت النتيجة هي أن أداء سلطة التحالف قصر بالإيفاء بالحاجات العراقية وترك ميراثاً من الخلل الوظيفي وأساساً هشاً للبناء عليه. وترتب على ذلك خسران المؤسسات الأميركية والعراقية وانتصار التمرد نظراً لعدم تحسن الظروف المعيشية.

ربما تكون الحكومة العراقية ذات سيادة في وضع أفضل لتصحيح الخطوات الخاطئة، وربما تكون المؤسسات الشرعية في موقع أفضل لتلبية حاجات الجميع؛ لكن حتى ولو مرت العملية بسلاسة وكانت ذات صدقية من وجهة نظر العراقيين فسيكون هذا حلاً جزئياً لأسباب كثيرة يقع في مقدمتها الوضع الأمني، إذ لعب فقدان الأمن دوراً مهماً وسيستمر في إعاقة النشاط الاقتصادي. ولا تشجع أعمال الخطف والاغتيالات وقيود السفر إعادة البناء والاستثمار بل تقود الكثير من غير العراقيين للانسحاب كما أن الهجمات على المنشآت النفطية تزيد من ضعف الاقتصاد. ومازالت الكثير من المسائل التي أربكت سلطة التحالف قائمة. فعلى سبيل المثال تتردد الحكومة في القيام بتغييرات اقتصادية واسعة لئلا تتهم باغتصاب امتيازات حكومة منتخبة. وكما تظهر تجربة لبنان فإن توزيع السلطة والمناصب وفق الأعراف والطوائف من شأنه تشجيع توزيع حصص مماثلة للوظائف والموارد العامة مع فساد وإساءة استخدام وكأنها زائدة عن الحاجة. يضاف إلى ذلك استمرار وجود سلطات الاحتلال.

ولكن تبقى - بحسب التقرير - أمام الحكومة فرصة تقوم على استنباط استراتيجية منسجمة لإعادة البناء تركز على إجراء تحسين مادي ملموس، وتؤسس لمرحلة إعادة البناء على المدى الطويل وبالوقت نفسه تتجنب حدوث أزمة اقتصادية واجتماعية وما ينشأ عنها من نتائج. وهذا يعني خلق فرص عمل والمحافظة عليها، ومشاركة أكبر من قبل العراقيين، بمن فيهم المجتمع المدني، والمجالس المحلية، واتحادات غرف التجارة والجمعيات المحلية. ويجب أن تكون هناك خطوات بناءة لبتر الفساد.

وبرأي التقرير فإن فرصة العراق الحقيقية في التعافي تتطلب انفصالاً نظيفاً عن الإرث المالي للنظام البعثي ليس من خلال الرفض للاعتراف بالديون والامتناع عن دفعها لكن عبر التخلص من الديون وتعويضات الحرب والالتزامات المالية من خلال توحيد المستحق منها، وتخفيض الدين، ومنح معاملة تفضيلية للدائنين في مشروعات إعادة البناء. ويقدم التقرير 3 مقترحات؛ الأول إلى الحكومة، والثاني إلى الإدارة الأميركية والثالث إلى الدول المانحة. فيما يتعلق بتوصيات الحكومة، فإنه يدعوها لرسم خطة شاملة لإعادة البناء بالتعاون مع الدول المانحة وتشمل: استراتيجية للتنوع الاقتصادي تقود البلد تدريجياً بعيداً عن الاعتماد على عائدات النفط. دعم فعال لقطاعي الصناعة والزراعة. تأجيل خصخصة المؤسسات العامة حتى تظهر ظروف السوق وبناء المؤسسات تحسناً ملحوظاً. كما يدعو لدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة وتزويدها بالموارد المالية اللازمة للإصلاح والاستثمار. دعم القطاع الخاص وذلك بالطلب من المستثمرين الأجانب مساعدة الشركات العراقية على سبيل المثال بتفويضهم بالتعاقد معها وتشغيل العمالة العراقية قدر الإمكان وكذلك تنفيذ برامج تدريب أثناء العمل. مراجعة الضرائب المشتركة على الاستثمار الخارجي ورفعها عند ازدياد الجذب الاقتصادي للاستثمارات. تحسين شفافية الحكومة ومسئوليتها وضمان الوصول الكامل للمعلومات الاقتصادية والمالية بما فيها استخدام أجهزة قياس لمراقبة عائدات النفط وتحديث أرقام العائدات والإنفاق من صندوق تطوير العراق بشكل منتظم. التوجه لتلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال تصميم مشروعات لها تأثير مباشر وواضح ومهم على تشغيل العمالة مثل تنظيف الطرق وجمع القمامة وإصلاح شبكات المجاري والشوارع الفرعية. استعادة الأعضاء السابقين في القوات المسلحة وتوظيفهم في المؤسسات العامة. عرض تسهيلات ائتمانية لتشييد المباني السكنية وإصلاحها. منح المزارعين إعانات مالية حكومية للزراعة. استشارة العراقيين عموماً وخصوصاً الجمعيات واتحادات العمال والمجموعات التي تمثل العاطلين بشأن تصميم وتنفيذ المشروعات. منح الشركات العراقية معاملة تفضيلية لشراء البضائع المعدة لنظام توزيع الغذاء. بدء نقاش عن كيفية إدارة عائدات النفط بالاستفادة من الدروس التي تم تعلمها من دول أخرى منتجة للنفط وماضي العراق في هذا الشأن وإنشاء صندوق خاص معزول عن الموازنة الوطنية والقرارات السياسية اليومية. تشجيع الدائنين الأجانب والمطالبين بتعويضات ما بعد الحرب بالتخلي عن مطالباتهم مقابل معاملة تفضيلية في التعاقد على مشروعات إعادة البناء.

اما التوصيات التي يقترحها على الحكومة الأميركية فهي تدور بشأن تحسين أداء الوكالات الأميركية وذلك بتوظيف كادر ذي خبرة في فترة ما بعد الحرب وتشجيعه على الخدمة في العراق لمدة أطول من 6 أشهر. زيادة المشاركة العراقية في مشروعات إعادة البناء التي تمولها الولايات المتحدة وذلك بالتشاور مع العراقيين من أصحاب القرار ومجموعات المجتمع المدني الذين يمثلون شريحة واسعة بمن فيهم النساء، وفي المراحل الأولى منح المؤسسات العامة العراقية صلاحيات تنفيذية وخطط إعادة بناء أفضل لتحقيق الأهداف المنشودة. تركيز تطوير القطاع الخاص بضمان أن يمنح المقاولين الرئيسي الشركات العراقية عقوداً فرعية قدر الإمكان وتأمين الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة. الطلب من المقاولين الرئيسيين والمقاولين الفرعيين توظيف عمالة عراقية قدر الإمكان.

وفيما يتعلق بالنوع الثالث من التوصيات والخاصة بالدول المانحة، فهو يوصي بزيادة المساعدة والإنفاق المتعدد الجوانب وإيداع فوري للتمويل المخصص لإعادة البناء لدى المصرف التابع لصندوق البنك الدولي والأمم المتحدة مرفقة بالشروط والغايات المخصصة لها. مكافحة الفساد وذلك بـمنح المجلس الأعلى لتدقيق الحسابات العراقي مقعداً في المجلس الاستشاري والرقابي الدولي. دعم استقلال وسائل الإعلام لتلعب دوراً رقابياً فاعلاً. تطبيق تشريع وطني صارم لمكافحة الفساد على الشركات الأجنبية العاملة

العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً