إن أكثر ما ينظم المجتمع هو رسمية الممارسات والخطابات، وخصوصا في هذا العصر الحديث الذي يؤمن بالعمل المؤسسي. فوجود الرسمية في الدولة يعزز تنظيمها، ويعزز علاقتها بمؤسسات المجتمع وأفراده، ويسهل في إيجاد طريقة أكثر حضارية وأكثر عصرية للحوار مع السلطة، وطرح بعض الأفكار الحديثة والسعي إلى بلورة ثقافة «علاقاتية» وحوارية، ويعزز استخدامها من الثقة بين الطرفين أو الأطراف المتعددة، كما تساهم في المشاركة في القرار والتغيير والبناء.
إذا كان لكل عصر خطاب، ففي عصر الانفتاح والانفراج تتمركز رسمية الخطاب والممارسة في مقدمة التعايش الاجتماعي والسياسي والفكري، إذ في هذا العصر تحين الفرصة للتخلص من الأسلوب الاستلابي المسيطر على ذهون الغالبية، ولاسيما الشباب المنخرطين في تيار أو آخر، ربما يقف هذا التيار عائقاً له من تفهم أو قبول الرسمية خطابا وممارسة. ومن المؤسف أن بعض الشباب لم يعِ بعد كيفية التعايش مع كل عصر، إذ مازال بعضهم يؤمن بأن الرسمية تراجع عن مطلب ما، والبعض الآخر يراها تهاونا. هذه الثقافة المنتشرة بدأت تنجلي كالضباب من خلال العودة إلى العمل المؤسسي في المجتمع المدني.
وتمثل الرسمية قاعدة فكرية وثقافية لكل الجوانب، وتتطلب النمط الابستيمي المقبول في المعرفة وإدراك واقع المرحلة التي نعيشها. ومعرفة هذه المرحلة تتطلب استعمال الابستمولوجيا وهي الدراسة النقدية لهذا الواقع بنمط حديث وأسلوب سليم، وليست بحاجة إلى الابتذال الفكاهي إلا إذا كانت رسمية. وليس من السهل إيجاد بنيوية توليدية إلا وتبقى ضرورة في العمل الرسمي، من خلال موازنة الإحياء التاريخي والعمل الرسمي. كما من الضروري جدا التخلي عن بدائية التفكير والممارسة، والخضوع للقواعد المقننة.
من الصعب جدا التخلي عن الفكر التسكعي ذي الهمجية في الممارسات والخطابات، إذ إن نقص الوعي والثقافة حال بين بعض المتشردين فكريا وبين الوعي بأن لكل عصر أسلوباً، وتبقى هذه المهمة صعبة جدا بالنسبة إلى المؤسسات الرسمية لاسيما ذات الشعبية الكبرى والمؤسسات الشبابية، إذ إن نشر ثقافة الرسمية في المعاملات مع الدولة أو مؤسسات الدولة سيساهم في رفع شأن الشباب فكريا، الأمر المسهل في عملية الحوار بين طرفين رسميين أو عدة أطراف، والأمر المؤدي لتحقيق مطلب ما، كان قد سعي إليه.
أحمد الدفاري
العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ