اتفق خبراء عسكريون وسياسيون أميركيون من مختلف الاتجاهات على أن الولايات المتحدة ستواجه في العراق حرب عصابات مكلفة وطويلة المدى أياً كان الشخص الذي سيفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية في الثاني من نوفمبر/تشرين الأول المقبل. وقال هؤلاء إنه بعد 19 شهراً من الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نحو 1200 قتيل أميركي وإنفاق أكثر من 120 مليار دولار حتى الآن فإن التساؤل ينصب حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من منع العراق من أن يصبح ثغرة سوداء لعدم الاستقرار؟ ويرى الخبراء الأميركيون أن الجواب على ذلك قد يتوقف على ما إذا كان الأميركيون مستعدين لتحمل حرب عصابات مكلفة وطويلة المدى أو ما إذا كانت ستجرى انتخابات عراقية في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل أم لا. وقالوا في تقرير وضعته وكالة «نايت ريدر» ونشرته صحيفة «فيلادلفيا إنكوايرر» الأميركية إن المقاومة العراقية التي تؤدي إلى مزيد من القتل قد عرقلت إعادة الإعمار ومنعت قوات الاحتلال من دخول مناطق كبيرة من البلاد، وهو ما ساهم في دفع الدول الرئيسية في العالم غير المشاركة في التحالف الأميركي، إلى التمسك بعدم إرسال قوات إلى العراق، كما أن إيطاليا وبولندا المشاركتين في احتلال العراق تحدثتا عن سحب قواتهما على رغم أن أياً منهما لم تقررا عمل ذلك حتى الآن.
وبوجود احتمال ضئيل بنصر حاسم على المقاومة وبفرصة أقل لكسب مساعدة دولية، فإن الرئيس الأميركي المقبل سيواجه الخيارات غير السارة نفسها وهي: - مواصلة الحرب على المقاومة ومحاولة الإعمار بالعدد نفسه من قوات الاحتلال الحالية في العراق على أمل أن تؤدي انتخابات عراقية في يناير المقبل إلى تحويل المد السياسي ضد ثوار المقاومة وأن تتمكن قوات شرطة الحرس الوطني للحكومة العراقية المؤقتة من تعلم كيفية هزيمة الثوار.
- أو إرسال مزيد من آلاف الجنود الأميركيين إلى العراق على أمل إلحاق هزيمة بالمقاومة وإغلاق حدود العراق وانتظار وقوف حكومة عراقية جديدة على أقدامها.
- أو بدء انسحاب القوات الأميركية وتسليم البلاد الى حكومة جديدة وقواتها المدربة حديثاً من الشرطة والأمن، ولكن وزير دفاع الحكومة المؤقتة حازم الشعلان قال: «إننا قد نحتاج إلى قوات أميركية لمدة 15 عاماً آخر وإن انسحاباً أميركياً مفاجئاً يمكن أن يدخل البلاد في حال من الفوضى أو حتى في حرب أهلية» وقال الخبير في بناء الدول والمبعوث السابق للرئيس بوش إلى أفغانستان جيمس دوبينز: «إن الخيارات غير السارة إما أن تجعل الأمور أكثر سوءا ببطء بإبقاء قواتنا هناك أو تجعلها أكثر سوءا بسرعة بسحب هذه القوات». وأضاف إن وجود قوات الاحتلال الأميركي يغذي المقاومة بتأجيج المشاعر الوطنية العراقية ولكن غيابها سيعني الفوضى. ويوافق خبراء آخرون من بينهم جنرالات أميركيون سابقون وعلماء تاريخ على أن الخيارات قاتمة. فهم يعتقدون أن الخيار الوحيد الحقيقي هو أن تواصل الولايات المتحدة الحرب على المقاومة العراقية في الوقت الذي تعمل فيه على تدريب قوة أمن عراقية كفؤة تستطيع أن تمهد الطريق أمام انسحاب أميركي منظم وأن هذا قد يستغرق من سنتين إلى 10 سنوات.
وعلاوة على ذلك فإن قلة من الخبراء يعتقدون أن نتيجة أي حرب طويلة المدى قد تتفق مع الرؤية الأصلية لحكومة بوش للعراق وهي نموذج ديمقراطي يمكن ان يؤدي إلى إصلاح في بقية أنحاء المنطقة. وقال العقيد الإسرائيلي المتقاعد يوني فيغل: إن أفضل ما يمكن أن تأمل به الولايات المتحدة في النهاية قد يكون حكماً دكتاتورياً على الأرجح أو شبه ديمقراطية صديقة للغرب». وإن الاحتمال الأكثر سوءا من وجهة النظر الأميركية هو مجيء حكومة إسلامية أصولية مشابهة لحكومة إيران ومعادية للمصالح الأميركية، وهو ما قال بوش إنه قد يقبل به على مضض.
ويقول خبراء إن من بين السيناريوهات التي هي عبارة عن كابوس بالنسبة إلى واشنطن، هو انسحاب أميركي مفاجئ وسريع كما حدث في الصومال يترك العراق في حال من الفوضى، وإن عراقاً كهذا تمزقه حرب أهلية ومليء بمخزون من الأسلحة التي لا يوجد عليها حراس سيصبح بسرعة مصدراً للتطرف وكابوساً لجيرانه.
ويقول بعض الخبراء إنه حتى لو أن الأميركيين والعراقيين تمكنوا من وضع البلاد في حال من الاستقرار خلال سنوات فإن عمليات الفشل الواضح للاحتلال والضرر الذي لحق بالصدقية الأميركية يعتبر كارثة رئيسية في السياسة الخارجية الأميركية. وقال طوني دوج وهو خبير في شئون العراق بجامعة كوين ماري في لندن: «ليست فيتنام حتى الآن، إلا أنها ضربة ضخمة لقدرة الولايات المتحدة على مد قوتها في الخارج» وأضاف «إن مبدأ بوش في الحرب الاستباقية مات على مشارف بغداد». وقال دوج ولكن الدولتين التي يزعم بأنهما ترعيان الإرهاب ويريد بوش ردعهما عن طريق الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين، وهما إيران وسورية تستطيعان الآن أن تكونا واثقتين بأن الولايات المتحدة ليست لديها القوة العسكرية من الجنود لغزوهما.
وتخطط الولايات المتحدة لشن هجوم أوسع على مدن المقاومة العراقية الرئيسية مثل الفلوجة قبل انتخابات يناير. وقال مسئول أميركي كبير: «سيطروا على المثلث السني، وبعدها فإن معظم بقية البلاد ستمشي مع الواقع وستتعاون». ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة ستضطر إلى الاحتفاظ بعدد كبير من القوات في العراق لمدة عامين آخرين على الأقل. والخلاف الرئيسي هو ما إذا كانت القوة الأميركية التي تصل الآن إلى 138 ألف جندي ستزداد أو ما إذا كان قد أصبح متأخراً جداً لذلك.
وبعض الخبراء لا يوافقون على أن مزيداً من القوات سيكون السبيل للمضي قدما مشيرين إلى أن وجود قوات الاحتلال في العراق أصبح إهانة سامة بالنسبة إلى غالبية العراقيين. وقال المستشار السياسي الأردني رضوان عبدالله: «إن على الولايات المتحدة أن تعترف بأن الاحتلال قد فشل وعليها أن تسلم السلطة إلى سلطات دولية مثل الأمم المتحدة». غير أن حكومات عربية أخرى سواء بالسر أو العلن تأمل بأن لا تنسحب الولايات المتحدة فجأة وبسرعة وهم يبررون بقاء الاحتلال بالقول إنهم لا يعتقدون أن العراق يمكن أن يبقى موحدا بتركه لوحده. أما القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية الجنرال أنطوني زيني فيعتقد أن باستطاعة القوات الأميركية أن تبقى في العراق لمدة 10 سنوات، وقال إنه سيدعو إلى إرسال مزيد من فرق المخابرات ويطلب من الدول العربية إرسال ضباط يتحدثون الإنجليزية للعمل مستشارين ومخططين مع القوات الأميركية.
وبعض المحللين يقولون إن عملية اجتياح القوات الأميركية لمدينة سامراء أخيراً التي قتل فيها أكثر من مئة من المدنيين العراقيين، ينبغي أن تكون نموذجاً لكيفية محاربة المقاومة العراقية. ولكن ذلك قد يزيد من كراهية العراقيين للأميركيين. وقال العقيد الأميركي المتقاعد والخبير في المخابرات نيك برات: «إن فرض الاستقرار في العراق يتطلب صبراً ومثابرة ودقة، وهذه عناصر ثلاثة يشعر الكل بأن الولايات المتحدة لا تمتلكها. ولكن علينا أن ندرك أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً»
العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ