العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ

أخذني والدي إلى المقبرة بعد تخرجي وقال: «من هنا نتعلم التواضع»

عادل العالي يتذكر ويشخص ...

في 5 سبتمبر / أيلول 2003 انتقل الى رحمة الله تعالى رجل الاعمال والوجيه الكبير الحاج حسن العالي، وذكراه مازالت حية عند كل القلوب التي عرفته اثناء حياته. وقد بدأت الاسبوع الماضي مسابقة ثقافية تشمل فرقا من مختلف مناطق البحرين استمرارا لجهود تخليد ذكراه.

قيل لي: تدمع عيناه كلما رأى بؤس الفقراء ومساعداته ستظل جارية... مات أميا ولكن الله وهبه البداهة والإيمان والتوفيق والجد في العمل ... قال لمسئول: لقد ظلمتني وسينتقم الله منك ويفتح لي ألف باب للرزق...

لفتت انتباهي جملة وردت في مقابلة أجريت مع المرحوم الحاج حسن العالي في كتاب سنوي يتم اصداره عن الاعمال في البحرين باسم «الارشادات الكاملة لزوار البحرين» للعام 2000، ان الحاج حسن تعلم من جامعة الدنيا العملية فلم يسعفه وقته لتعلم حروف الهجاء... فكان ذلك اول سؤال وجهته لابنه عادل حسن علي العالي الذي أكد ان أباه رحمه الله لم يكن يعرف الكتابة ولا القراءة حتى توفاه الله.

قال عادل العالي: «إن أهم نقطة تكمن في بساطة والدي الذي وصل إلى المرحلة التي وصل إليها والنجاحات في دنيا الاعمال على رغم انه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة ولكن الله عوضه عن ذلك بذهنية عبقرية وذاكرة وبداهة وحب للعمل وجد واجتهاد حيث مكنه ذلك كله من تحقيق كل تلك الإنجازات».

ويشير إلى الخطوة التي قام من خلالها بالتحالف مع المرحوم منصور عبد محمد لإنشاء مصنع الاسفلت حيث كان «الدافع الاكبر لذلك هو ما يمتلكه الاخير من لغة جيدة يستطيع من خلالها التفاهم والتفاوض مع الإنجليز لشراء المصنع». إلا ان اختلاف طريقة التعاطي مع العمل التجاري بين الاثنين ادى إلى الاختلاف وفض الشراكة. فمنصور عبد محمد على رغم كل ما يمتلكه من سمات العمل التجاري والاخلاق الحميدة لم يكن يستطيع أن يحاكي الحاج حسن من حيث العمل المتتابع والحماس، والعمل الذي لا ينقطع ومتابعة كل شيء ميدانيا والعمل الذي يبدأ في الفجر وربما لا ينتهي حتى آخر الليل.. والدي كانا حقليا وميدانيا ويريد شريكه ان يكون بالمستوى نفسه. فتركا بعضهما بعضا على رغم ما يكنان لبعضهما من حب وإخاء وصداقة قوية ولكن العمل يبقى عملا له متطلباته العملية.

أربعة أمور فقط

ويضيف عادل أن والده كان يحتاج لمعرفة أربعة أمور في كل مشروع وهي «التسعيرة التي تقدمها الشركة» و«مستوى المبيعات» و«تحصيل الديون» و«دفع المستحقات لأهلها».

وعندما سألته عن مدى قوة الذاكرة التي كان يتمتع بها الحاج حسن مادام لا يتعامل مع التقارير التي تكتب حول العمل والمشروعات أجاب عادل بأن ما يهمه في الامر هو متابعة المشروع بنفسه مادام قائما وبعد الانتهاء كان يهتم باستلام أمواله وإيداعها البنك ثم لا يهمه ما تبقى من ذاكرة في ذلك المشروع... كان تفكيره عمليا للغاية في حين أنك تجد بالمقابل شخصا ينهمك في التشخيص والتخطيط والتنظير ثم لا ينجز عملا.

ونظرا للظروف القاسية التى عاشها الوالد الحاج حسن واضطراره للخروج للعمل وترك الدراسة من اجل حمل أعباء الاسرة، فقد انعكس ذلك بشكل كبير على الاولاد والاخوة حيث حرص على تعليمنا بشكل شديد وملح، فلم يرض لنا ان نفقد ما فقده هو وكان شديد الحساسية بالنسبة لتعليمنا، فكنا ننجح من اجل ان يفرح هو ولا نرسب من اجل ان لا يغضب حتى لو كان احدنا كسولا بطبعه فالخوف من غضبه في هذا المجال كان يدفع الجميع للتعلم، وبالمقابل نرى الاب الحنون العطوف الرقيق في التعامل معنا.

وعندما سألته عن علاقة والده بالاجانب فهو رحمه الله ارتبط توسع عمله وقفزاته بأجانب مثل ادريس السوداني والمدير مروان الاردني والدنماركيين وأين يجد للبحرينيين مكانا في عمله قال ان والده كان يتمنى في ذلك الوقت ان يجد من البحرينيين من يملك المهارات اللازمة في ذلك الوقت ويمسك بالمهام التى اوكل إليها الأجانب والذين يمتن لهم رحمه الله في مساعدته فقد كان استقدام الاجنبي بمثابة مخاطرة فهو كان يتطلب جدية منه في الحضور وتوفير مكان للسكن وما إلى ذلك ولم يكن ذلك شائعا في تلك الفترة.. ولكنه في فترات متلاحقة استخدم البحرينيين للعمل معه في كل فرصة مناسبة يجدها.

اقتناص الفرصة

ومن الجهة الأخرى كان الحاج حسن يقتنص كل فرصة جيدة لأي عمل سواء كان مشروعا ام فرصة لتوظيف كفاءة بحيث يستفيد منها، فحينما كان في لبنان لشراء آلات مصنع الكاشي (قطع البلاط) كان يسألهم عن كيفية تركيبها وهل لديكم احد يستطيع تركيبها في البحرين؟ وهل لديكم احد يستطيع ضبط حساباتها؟، فإذا تم ترشيح أحد له ووجد فيه الكفاءة اتفق معه وجلبه معه للعمل، كما ان سفراته إلى أوروبا كانت تتطلب منه ان يرافقه شخص يملك اللغة الإنجليزية التي يستطيع من خلالها التفاوض ومناقشة الأوروبيين والحصول على افضل عرض بأكبر نسبة ربح وبأقل نسبة مشكلات في التشغيل.

ويتحدث عادل عن علاقته بأبيه فيقول إن الحاج حسن كان يصر علي في أن أرافقه في الوقت الذي أكون فيه بلا عمل مثل اوقات الاجازات الاسبوعية او الموسمية او اثناء العصر شئت ذلك أم أبيت، فقد كان يريد لي ان اتعلم كل شيء منه وأن أفهم ما يقوم به وربما يرجع ذلك لكوني اكبر الاخوان فركز جهوده علي وانتظر مني ان اساعده في حمل الثقل الكبير الملقى على عاتقه متى ما كنت مؤهلا لذلك.

وفي فترة الخمسينات ومن اجل سعيه لتهيئتي عمليا وعلميا مع إخوتي فقد وظف لنا مدرسا خصوصيا يدرسنا كل يوم في البيت في وقت لم يكن معلوما لدى الناس ما هو المدرس الخصوصي، كما انه وعلى رغم توجهه الديني المعروف عنه فإنه لم يكن من النوع المتطرف فقد كان يذهب بنا إلى السينما من اجل الترويح مادام ذلك في حدود الشرع وما يتقبله العرف، كما كان يدرج على ان يجلب لنا كل أسبوع وجبة عشاء من مطعم «مندلي» الفريد من نوعه في ذلك الوقت في المنامة كنوع من احتفالية ليلة الجمعة حيث كان الوالد سخيا في عطائه بالنسبة لأبنائه ومنفتحا على الحياة.

حادثة مدينة عيسى

وقد كنت ارافق والدي في الكثير من المواقع العملية في صغري فقد كنت ذات مرة مرافقا له في بداية الستينات عندما كنا نقوم بمشروع تعبيد شوارع وطرق مدينة عيسى ونزلنا من السيارة معا، ورأيت الآلة التي يحفر بها العمال (ورور) واقفة بينما العمال يستريحون فذهبت وتعبثت بها وضغطت على قطعة معدنية فاشتغلت واصدرت صوتا مدويا فخفت جدا وخاف والدي اكثر وتلقيت على إثرها علقة ساخنة لعبثي الذي كاد ان يصيبني بسوء!

وكان الوالد ينقل مزاجه في العمل إلى البيت فكنا نعلم الأوقات التي يصاب فيها بالازمة وحين تتيسر له اعماله ولكنه لم يكن يكبت الغضب ولم يكن يحمله لأكثر من يوم فيعود إلى طبيعته في اليوم التالي.

وعندما حصلت على رخصة القيادة في سن مبكرة (16 سنة) في بداية السبعينات وظفني لديه في وقت الفراغ كمحصل ديون وكان هو يمارسها قبلي ويؤكدها فتحصيل أمواله تعتبر عملية يحرص عليها وكان يقول في ذلك بالمثل الشعبي: «إذا ما اتسكر الشروب الأولية زين فإن الشروب الأخيرة تموت» أي إذا لم يصل الماء بشكل جيد إلى الجزء الاول من المزرعة فإن الجزء الاخير لن يصله الماء، وهو بذلك يشير لنا بأنه إذا لم نستلم اموالنا من كل الدائنين كاملة فإننا بذلك نفشل في أعمالنا.

كما كان في داخله مشروع أسري اجتماعي عائلي وهو جمع كل أفراد العائلة في مجمع سكني عبارة عن فلل منفصلة يحيط بها جميعا سور واحد من اجل ان يرانا كلنا مع بعضنا البعض، وعمل مطبخا مركزيا لكل الاسر ويقدم الوجبات الثلاث في فترات معينة مثل أن يفتح من الساعة الحادية عشرة إلى الثالثة ظهرا مثلا وذلك ليناسب كل العوائل، بالاضافة لمركز رياضي وترفيهي وحوض سباحة وهكذا المخطط كان متكاملا في عقليته ومخيلته بكل تفاصيله.

استدرك وضحى

وكان قادرا على فرض هذا المشروع لو أصر عليه إلا أنه استدرك وقرر التنازل عنه على رغم أنه ربما كان اهم مشروعاته في حياته لانها كانت مزروعة فيه، وذلك تلافيا للمشكلات التي قد تنشأ من عراك أولاد هذا الابن مع أولاد الابن الثاني او غيرة الزوجات واحتمال نشوب المشكلات بينهم وهكذا... فقد كان الوالد عمليا للغاية ويغلب المصلحة العامة على مصالحه وأهوائه الشخصية وخصوصا ما يتعلق بافراد عائلته.

وكان الوالد الحاج حسن يسعى إلى ان يساوي بين افراد العائلة في التعليم من حيث الدرجة وإن اختلفت التخصصات وإن كان ذلك لم يتحقق لاختلاف توجهاتنا، وقد أرسلني للدراسة في بريطانيا وارسل قبلي عمي أحمد العالي وأمره بتيسير الأمور لي ولاخوتي وقد فعل ذلك وهي كلمة حق تقال في حقه فقد وفر المسكن ورتب للأكل والتسجيل وأشياء اخرى.

وبعد قدومي للبحرين بعد التخرج (عام 1982م) وقبل ان استلم مهامي في العمل معه قال لي «قبل أن تبدأ العمل دعني أذهب معك لأريك أم الدنيا» فتحيرت فيما يريد ولكنني جاريته وسرت خلفه فإذا نحن بجانب المقبرة.. وهنا قال والدي :«سترى هنا فقط التساوي بين الفقير والغني، فإذا عرفت ان نهايتك ستكون هنا فإنك ستعرف معنى التواضع وستنفذه كبرنامج عملي في حياتك» وكانت بالنسبة إلي أشبه بالصدمة القوية والدرس من العيار الثقيل فلم اتوقع كل ذلك.

عظة للمسئول

وبعد ذلك صرت أصاحبه في زياراته للمسئولين الرسميين وأتعرف عليهم، وفي أحد مكاتب المسئولين خاطبني أمام المسئول: (يا ولدي.. عليك بالكسب الحلال) فقلت له وهل رأيتني أسرق؟! قال: (أقصد يا ولدي.. عليك بمحاربة الفساد المالي والاداري والرزق غير الشرعي) فاستغربت من تصرفه هذا، ولكن بعد ان خرجنا من المكتب قال لي: (يا ولدي .. أنا لم أكن أقصدك من الحديث وإنما قصدت ذلك المسئول) وحينها تذكرت تقاسيم وجه المسئول التي تغيرت وأظن انه فهم الرسالة!

وكان للحاج حسن فلسفة وفن خاص بتسعير المناقصات فكان يخترع طرقا تقلل من كلفة المقاولة دون المساس بالجودة ويقنع بها المالك كأن يقوم هو بنفسه بتمويل المشروع ليحصل على مستحقاته بعد اجل معين كما هو حاصل الان في مشروع شارع الشيخ خليفة، أو طلب دفع مبلغ المشروع مقدما ليقوم هو بتخفيض السعر وهكذا..

وكما هو معروف فإنه خلال السنوات الماضية لم يكن السعر الاقل في المناقصة هو معيار اختيار العطاء وذلك نتيجة لإنعدام العدالة في أحيان معينة ولكن الحاج حسن كان يصر ويحارب من اجل ان يحصل على المشروع في حال كان سعره الاقل لأن ذلك يصبح حقه فهو درس المشروع ووضع التسعيرة بناء على عدة معطيات وجهود.

وتحضرني في هذا الصدد قصة عشتها معه عندما قدمنا السعر الاقل في إحدى المناقصات ولكن المشروع تمت ترسيته على مقاول آخر لاعتبارات معينة، فغضبت شخصيا وغضب الحاج حسن لذلك وحزنا بشدة وقررنا ان نزور المسئول الرسمي عن ذلك، وكنت اتوقع ان نفتح معه عراكا وصراخا شديدين ولوما على التصرف الذي سلب حقنا في المشروع، وعندما دخلنا على المسئول قال الاخير:(نحن ظلمناك يا حاج حسن.. لا بأس .. خيرها في غيرها..)!

مظلوم غصباً عني!

وكان الحاج حسن هادئا ومبتسما وقال: (أنا أحب ان أكون مظلوماً «غصبا عني») ثم غادرنا المكتب وبعد خروجنا لمت والدي على بروده وعدم مناقشته للموضوع او الرد على المسئول حتى فقال لي : (دعنا نرجع لمكتب المسئول)، وفعلا رجعنا وقال له: (إن ولدي هذا خرج من عندك «زعلان» وهو متاثر جدا من عدم حصولنا على المشروع رغم احقيتنا به، وأنا اريد ان اشرح له معنى مقولتي امامك أنني أحب ان اكون مظلوما رغما عني وهو أنني اعمل في تجارة مع الله وأنا صادق معه لا أغش ولا أكذب وأعلم ان الله يقف مع المظلوم وهو سيعوظني أكثر مما ظلمت به، وأنه إذا قام احد واغلق على عبده بابا للرزق فإنه يفتح بدل ذلك ألف باب، وانت (يخاطب المسئول) إذا أغلقت علي باب هذا الرزق فإن الله يفتح لي ألف باب، وإنني لأعلم بأن الله ينتقم من كل ظالم من حيث لا يعلمون سواء كنت انت أم غيرك ، وإذا قلت أنك ظلمتني فإن الله سينتقم منك في نفسك او عيالك او مالك وهذا هو يقيني لانه مثبت في كتاب الله.

استغربت جدا من الشجاعة التي قدمها الحاج حسن امام المسئول ورأيت الرعب في عين المسئول الرسمي والذي فضل الصمت، ثم تركنا المكتب وأنا مرتاح البال وقد أبلى الوالد بلاء احسنا في مواجهة الظالم.

الحاج حسن الإنسان

وينتقل عادل للجانب الانساني للحاج حسن فيقول إنه خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية ركز بشكل كبير على مساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين، وكان يقوم بنفسه بالزيارات الميدانية ويتفحص بيوت الفقراء قبل ان ينشئ لذلك جهازا إداريا مستقلا، ويرى الحاج حسن ان الفجوة بين الفقير والغني بدأت تتسع منذ تلك الفترة وقد رصدها وأراد أن يكون له دورا في تضييقها ما استطاع. فقد انفتح على الفقراء والمساكين وكان مشتاقا لمساعدتهم.

وقد وجدت ابي لعدة مرات يبكي في مكتبه فأسأله عن سبب ذلك فيقول: (للتو قد رجعت من زيارة ميدانية لبيت احد الفقراء في قرية (..) ووجدت الزوج والزوجة وسبعة ابناء يسكنون في حجرة واحدة فهي مكان منامهم ومكان أكلهم وكل شيء وأمام باب هذه الغرفة بقرة يعيشون من بيع حليبها فلا ينام معهم وإنما يذهب للنوم في المسجد)!

وأتذكره يوما كان يقول :(لقد سئمت من هذا المجتمع الذي يعيش فيه الفقير و«السنور» على نفقة فقير آخر! هل رأيت «السنور» أمام بيت الغني؟! طبعا لا تراه ولكنك بالتاكيد تراه أمام بيت الفقير الذي لا يبخل عليه ببقية الطعام، ألم تر ان الفقير يهدي جاره الفقير كوب الحليب الذي يملكه... وإذا كان «السنور» لا يستطيع ان يقف أمام بيت الغني ليأكل بقية طعامه فهل تعتقد أنه بإمكان الفقير ان يقف على بابه؟! كيف يعرف الغني الفقير إذا كنا على هذا الحال؟!)

وقد بدأ الحاج حسن بمشروعات السكن للفقراء وكان يتمنى ان يقلده الأغنياء الاخرون، وإذا لم يستطيعوا مجتمعين فليفعلوا ذلك منفردين، ولم يكن يرضى ان تجرى معه المقابلات الصحافية بهذا الشأن وكان يقول: «ماذا اقول لهم؟! إن هذا هو الواجب لا أكثر»!! ولم يرض ان يتم الاعلان عنها في وسائل الاعلام بل ويحزن من ذلك (يزعل علينا) إذا تلقى اقتراحاً بذلك.

كثير الشكر والبكاء

ويقول عادل أن والده كان كثير الشكر لربه وكثير البكاء لحال الفقراء والمساكين لعدم استطاعته تقديم أكثر مما يقدمه لهم، كما كان كثير الشكر لأفراد العائلة إذا قدموا له اي شيء حتى لو كانت وجبة طعام او قمنا بتوصيله للطبيب او غيرها من الأمور الصغيرة، وقد يبكي فنسأله عن السبب فيقول أنه عاجز عن رد هذا الجميل! ويحاول ألا يطلب منا اي شيء قدر الاستطاعة لانه يعتقد أن في ذلك عبئا علينا على رغم اننا نتمنى لو يطلب اي شيء!

وقد يسأله أحد من افراد العائلة عن ساعته عما إذا لاتزال تعمل ام لا فيعلم بفطنته ان هذا السؤال هو مقدمة لأن يشتري السائل ساعة جديدة او أفخم منها، او يحس بأننا نريد ان نشتري له سيارة افخم او افضل من سيارته فيسارع للرفض ويقول:(لا تلبسوني ثوبا ليست من ثيابي) تواضعا منه.. بل لم يكن يلبس الرداء (البشت) إلا نادرا أوحينما يكون في استقبال او زيارة القيادة العليا للمملكة.

وبالنسبة إلى تدقيقه في البحث عن الفقير المحتاج فإنه ابتدع نظاما صعبا ودقيقا وممحصا ليطمئن ان افقر الفقراء هم من يستفيدون من المساعدات التي يقدمها، فمثلا قد يقرر بناء بيتين في قرية ما، فيقوم ويخاطب الصندوق الخيري فيها ويطلب منه البحث عن اكثر أسرتين فقرا بحاجة لمساكن، فيقع الصندوق في حيرة بجهازه الاداري والتنفيذي وربما يتعرض للإنتقاد من قبل الفقراء والمحتاجين، وفي النهاية لا يخرج القرار إلا بالصواب فيطلب الحاج حسن ملفاتهما، ولكن قلبه لم يطمئن بالكامل فيقصد رجل الدين المعتبر لدى اهل هذه القرية ويطلب منه التوقيع على أن هذين المرشحين من قبل الصندوق هما الاكثر حاجة فيقع هو الاخر في دوامة البحث والتقصي وعادة ما يزكي المرشحين وهنا يطمئن الحاج حسن ويسلم الاسرتين مفاتيح البيتين بكل احترام وبلا منة او فضل.

مشروع المنح الدراسية

ثم ابتدع الحاج حسن مشروع المنح الدراسية الخيرية وكان يقول لنا: (إذا علمت اليوم ألف شخص فإنك غدا ستتفادى بذلك طلب عشرة آلاف طلب للمنح) ويقصد ان الذين يقوم بتدريسهم سيكونون مقتدرين في المستقبل ولن يضطروا لطلب الحاجة وحتى اولادهم لن يضطروا لطلب الحاجة أيضا.. وكان يركز أيضا على التدريب على المهن المستقلة مثل الميكانيكي او الكهربائي التي يستطيع صاحبها ان يعمل بفضلها لوحده او مع مؤسسة، لو لم يجد الوظيفة لدى مؤسسة ما وأنه سيقوم باعماله لوحده حتى لو كانت على مستوى اهل القرية كتصليح سيارة جاره او معارفه بمقابل.

وحول السؤال الجوهري الذي بدأ يتردد على ألسنة العديد من الناس، وماذا بعد الحاج حسن؟! هل ستتوقف المساعدات؟! يقول عادل حسن العالي إن الاجابة تكمن في ان عائلة حجي حسن كانت قد تربت على مساعدة المحتاجين والفقراء وكان والدنا يشاورنا ونحن كنا نقترح عليه من اجل تطوير برامج المساعدات وبالتالي أصبحت هذه المساعدات جزءا من حياتنا، وبالتالي فإن كل العائلة مصممة على السير على نهج الوالد الراحل رحمه الله وإكمال أمنيته في تطوير العمل الخيري في شكل مؤسسي من اجل أداء أفضل.

الحاج حسن في مرقده سينام قرير العين فمساعداته ستظل صدقات جارية تغدق عليه بالدعوات وبالرحمة والحسنات والقرب من الله عز وجل.. وقد وصل أخيرا إلى المكان الذي تعلم منه التواضع حيث يعرفه كل الناس..

العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً