بعد أن أعطى المؤتمر الدولي الذي اختتم أعماله في شرم الشيخ حكومة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي والعملية السياسية الجارية في العراق برعاية واشنطن شرعية دولية جديدة، أجمعت افتتاحيات الصحف العربية على انتصار محقق للاحتلال الأميركي في العراق والحكومة المؤقتة. وأكدت أن إدارة جورج بوش أمنت الغطاء الدولي للعمليات العسكرية وللانتخابات حتى لو لم تكن شاملة. ولاحظت ان ما لم تحصل عليه أميركا قبل الحرب وفي الأمم المتحدة نالته ببساطة في شرم الشيخ، فدول الجوار والدول الغربية التي كانت معترضة على الحرب وعلى «الإنفراد» الأميركي سلمت بالأمر الواقع بعد أن بات جلياً ان الإدارة الصقورية مستقرة في واشنطن لأربع سنوات المقبلة. وإذ بدا واضحاً في الصحف المصرية تأكيد الدور المصري لنصرة الشعب العراقي والتشديد على ضرورة خروج المحتل، أكدت إحدى التعليقات الكويتية أن هذا المؤتمر أعاد لمصر دورها في المنطقة، إذ الدول النافرة والشاذة تقف الآن عارية الأوراق أمام قوة إقليمية طاغية اسمها أميركا.
ولاحظت «الجمهورية» ان المؤتمر بدأ وانتهى من دون أن يحدد موعداً نهائياً لجلاء قوات الاحتلال. وهو الهدف المفترض تحقيقه كأساس لأية عملية سياسية في العراق. ورأت ان مواجهة أعمال العنف التي ركز عليها بيان المؤتمر لن يكتب لها النجاح ما دامت وطأة قوات الاحتلال باقية. وأكدت من جهة أخرى أن سياسة إلصاق تهمة الارهاب بكل من يقاوم الاحتلال في فلسطين فشلت، وستفشل في العراق لأن الشعوب لا تفرط في حقوقها مهما تكالبت عليها قوى الغدر والعدوان بالمناورات السياسية التي سرعان ما تنكشف حقيقتها ويظهر الاحتلال مع أعوانه عارياً أمام العالم. ورأى رئيس تحرير «الأخبار» جلال دويدار، بمناسبة المؤتمر ان من الضروري تأكيد التزام مصر بثوابت سياستها ومواقفها تجاه هذا البلد العربي الشقيق الذي ابتلي بهذه الهجمة الاستعمارية البربرية التي قادتها الولايات المتحدة دولة القطب الواحد بمشاركة تابعتها بريطانيا.
وأبرزت «الأهرام» ان المؤتمر أنهى أعماله بتأكيد وحدة وسيادة العراق أرضاً وشعباً. وإذ ردت على الانتقادات التي وجهت إلى المؤتمر اعتبرت ان معارضة الحرب يجب ألا تقود إلى رفض الاندماج أو الالتحاق بمرحلة إعادة البناء بعد الحرب، فمسئولية القوى الإقليمية ودول الجوار خلال تلك المرحلة هي مسئولية أصلية لا يمكن تجاهلها. ورأت ضرورة ألا يكون مؤتمر شرم الشيخ في ضوء نتائجه المبادرة الأخيرة لتفعيل دور القوى الإقليمية ومحاولات تدويل القضية إذ يجب أن يظل هناك إطار دولي شرعي للتفاعل الإيجابي لتلك القوى مع الملف العراقي والحوار الإقليمي الأميركي من ناحية وتوسيع مفهوم دور الإقليم ليشمل البعدين الأمني والاقتصادي جنباً إلى جنب مع البعد السياسي.
ورأت «الحياة»، ان شرم الشيخ منح حكومة علاوي «شرعية دولية» فعلى رغم ما ورد في كلمات بعض وزراء دول كانت عارضت الحرب على العراق من عبارات تطالب قوات الاحتلال بمراعاة المدنيين وتجنيبهم العنف إلا أن الانطباع الذي ساد هو أن أيدي الحكومة العراقية أطلقت لمعالجة قضية «الارهابيين» بل ان التزامات فرضت على المؤتمرين لتأمين الحدود ومطاردة «هؤلاء الارهابيين». واعتبرت انه سواء كانت العصا أو الجزرة الأميركية سبب ذلك التحول فإن النتيجة النهائية عكست «برغماتية سياسية»، فتلك الدول رأت انه حان الوقت لاتباعها بعدما اقتنعت بأن أية محاولة للتخلي عن دعم التوجهات الأميركية في العراق مستقبلاً ستستفز إدارة أميركية مستفزة أصلاً، وخصوصاً بعدما بات مؤكداً أن نفوذ المتطرفين في تلك الإدارة آخذ في الاتساع.
ووصف عبدالباري عطوان في «القدس العربي» - بعد أن رأى أن المنتصر الأول مؤقتاً في مؤتمر شرم الشيخ هو إياد علاوي والاحتلال - وزراء الخارجية العرب بأنهم كانوا بمثابة شهود الزور، وتوقع أن تدفع حكومات دول الجوار العراقي، والعربية منها خصوصاً، ثمناً باهظاً لتواطؤها مع غزو العراق ثم احتلاله، ومبايعتها العملية السياسية الحالية، لأنها خذلت الشعب العراقي أو الجزء الوطني منه، وأقرت إسقاط عروبة هذا البلد. وقال إن الخيار الأميركي بعد شرم الشيخ بات واضحاً تماماً، وهو مواصلة الحرب ضد المقاومة العراقية، واستخدام أكثر الوسائل دموية. فبالأمس كانت معركة تدمير الفلوجة، وفي الغد الموصل، وبعد غدٍ اللطيفية والرمادي.
وسأل رئيس تحرير «السفير»، جوزيف سماحة كيف يقرأ في العراق، البيان الختامي لمؤتمر شرم الشيخ؟ وأجاب بأن الفريق الحاكم يقرأه على انه انتصار. والفريق المعترض سلماً والمحاول إنقاذ النسيج الوطني: إحباط. أما الفريق المقاوم بالسلاح والمعبر في قطاعات منه عن هواجس فعلية فيراه: يتماً. ولفت سماحة، إلى ان القول بأن الاحتلال وامتداده العراقي حصلا على ما يريدان يعني فيما يعنيه، أنهما حصلا على إفراغ التدويل من أي مضمون. فما حصل في شرم الشيخ يصح عليه أي وصف إلا «التدويل». مشدداً على ان الانفراد الأميركي باق كما هو سوى أنه انفراد يوافق على دفع ثمن بخس مقابل انضمام الآخرين إليه بشروطه. ورأى سماحة - بعد أن لاحظ مأزق المعترضين على الحرب على العراق، وخصوصاً الرئيس الفرنسي جاك شيراك - ان الانتخابات المزمع إجراؤها في العراق تشكل مخرجاً لائقاً للجميع. فهم لا يفعلون سوى مساعدة الشعب العراقي على اختيار مستقبله. لكنه استدرك مرجحاً أن المشكلة تكمن هنا.
ورأى ساطع نورالدين في «السفير» ان مؤتمر شرم الشيخ العراقي نجاح سياسي أميركي إضافي، وأقر ان ليس للمؤتمر سوى معنى وحيد هو ان التحالف الذي قادته أميركا عندما غزت العراق اتسع إلى نحو خمسين دولة. ورجح نورالدين انه بات بإمكان واشنطن أن تتولى توزيع الأدوار والمسئوليات على المعارضين والمترددين الذين التحقوا بها في العراق، وتختار من بينهم من تشاء للمشاركة في اقتسام الحصص والمغانم العراقية، وتبقي بعضهم خارج العراق الذي لم يقدم حتى الآن مشروعاً سياسياً بديلاً يمكن أن يتحول إلى سلاح في وجه الاحتلال الأميركي الذي اكتسب المزيد من الشرعية الدولية في شرم الشيخ، من دون أي نقاش على الأقل لسلوكه تجاه الشعب العراقي.
وعبرت «النهار» أيضاً عن الرابحين والخاسرين في مؤتمر شرم الشيخ بالقول إن الولايات المتحدة والحكومة العراقية المؤقتة التي تدعمها ورئيسها اياد علاوي، حصلوا على كل ما كانوا ينتظرونه ويتمنونه من المؤتمر، وفي المقابل خرج المعارضون للحرب في بلاد الرافدين منه بحصاد لا يزيد كثيراً على الصفر. وعلى عادته، قرأ أحمد الجارالله في «السياسة»، بإيجابية نتائج المؤتمر بخلاف أقرانه من المحللين العرب، وإذ عنون بأن «الدور لمصر والقوة الإقليمية لأميركا» رأى ان نتائج أعمال أكبر مؤتمر دولي بشأن العراق، بلا لف ولا دوران، ستكون القضاء على المصالح الأخرى المتناقضة مع المصالح الأميركية الإقليمية وإعادة المرجعية الشرق أوسطية إلى القاهرة، فهذا المؤتمر هو بداية لاستئناف الدور المصري الراديكالي الذي بدأ قبيل 25 سنة إثر توقيع كامب ديفيد مع «إسرائيل». وإذ أقر بأن مصر لا تملك القوة الاقتصادية والعسكرية لكنه رأى انها تملك القوة السياسية والبشرية
العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ