العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ

أرفض الإغراق في الميللودراما... وحال السينما البحرينية لا يسر

محمد جناحي:

الوسط - منصورة عبدالأمير 

27 نوفمبر 2004

محمد جناحي... مخرج بحريني متخصص في إخراج الأفلام التلفزيونية، يحمل لمسة مميزة وله ذوق فني خاص يجعل منه مخرجاً متألقاً على رغم قلة أعماله، له نهجه الخاص ونظرته المختلفة التي تقدم كل نص يصل يديه بمعالجة واقعية تجسد أي ألم كان وأية معاناة كانت بصدقية تصل الى قلب المتفرج دونما لجوء الى الإسفاف والإطالة في الكلام أو الأداء.

«الوسط» حاورت جناحي الذي تحدث عن أسلوب الواقعية الذي يتخذه نهجاً في جميع أعماله، وكشف أسباب منع عرض فيلمه التلفزيوني الأخير «طفولة أخرى».

ربما تكون البحرين الدولة الوحيدة خليجياً التي لا توجد بها مسابقة للأفلام القصير. ألا ترى أن هذه واحدة من الثغرات الكبرى التي لم يتم سدها بعد؟

- بالتأكيد وجود مثل هذه المسابقات مطلب مهم وضروري لكل المهتمين بهذا المجال، وقد أقيم فعلاً مهرجانان للأفلام القصيرة في البحرين، الأول نظمه مسرح الصواري في العام 1993 وهو المهرجان الذي بدأ معه اهتمامي بالسينما إذ شاركت فيه بعمل كهاوي، بعد ذلك بعامين أي في العام 1995 نظم نادي البحرين للسينما المهرجان الثاني (...) نحن نطمح لإعادة مثل هذه المهرجانات لكن لا توجد في البحرين جهة تهتم بهذه الأمور.

كيف جاء انتقالك من التصوير إلى الإخراج؟

- على العكس، النقلة جاءت من الإخراج الى التصوير، وجاء اهتمامي بالإخراج مع أول مهرجان للأفلام القصيرة كما ذكرت، وحينها لم أكن متمرساً في هذا المجال، وقد عملت عدة أفلام، شاركت بأحدها في المهرجان الثاني في العام 1995 وهو فيلم «أنا وأمي» من تأليف الكاتب المعروف عبدالله خليفة ومن تصويري، وقد فاز الفيلم بمعظم الجوائز في المهرجان، حينها وبعد أن شاهد المخرج بسام الذوادي عملي طلب مني الانضمام للتلفزيون والعمل مخرجاً، لكنني فضلت الانضمام مصوراً إذ انني لم أكن متمرساً بعد في التعامل مع الكاميرا التلفزيونية ولذلك تعمدت الاتجاه الى التصوير لتكون لدي خلفية كافية عن الكاميرا التلفزيونية، إذ إن اهتمامي السابق كان يتركز على كاميرا الفيديو، وهي تختلف بشكل كبير عن كاميرا التلفزيون، وأنا أرى أن المخرج يجب ان يكون ملماً بالكثير من الأمور في التصوير والمونتاج بل وفي عمل الجرافيك (...) أول عمل أخرجته للتلفزيون يحمل اسم «الورقة» وهو فكرة جميلة لراشد الجودر، تتحدث عن طفلة تجلس الى جوار والدها في السيارة وتلقي بمنديلها الورقي من نافذة السيارة، هذا المنديل يتحول الى مجموعة زهور تخنق زهرة، ثم ترمي منديلاً آخر يخنق العصافير في عشها، ثم ترمي منديلاً آخر يحجب الرؤية عن والدتها التي تقود السيارة فترتكب حادثاً وتموت، كانت فكرة جميلة وكان المفروض ان يخرجها احمد يعقوب المقلة لكنه اعتذر ثم انتقلت لمصطفى رشيد فاعتذر، فقام راشد الجودر باختياري لإخراج هذا العمل، وفعلاً قدمت عملاً فاز في مهرجان القاهرة في أول مشاركة تلفزيونية، كما انه العمل الوحيد الذي عرض لي في تلفزيون البحرين.

هل كانت لك مشاركات اقليمية في مسابقات الأفلام القصيرة، كتلك التي يقيمها المجمع الثقافي في أبوظبي، والتي يصل عمرها إلى عشر سنوات أو ما يزيد.

- شاركت في هذه المسابقة في العام 1994 بصفتي هاوياً بفيلمين «دماء البيوت» و «غريب» وكان هذان الفيلمان صورا بكاميرا فيديو وهي تمثل بداياتي.

كم يبلغ رصيدك من الأعمال؟

- أعمالي الأولى ما قبل التلفزيون كانت كلها أفلام فيديو، ولكن منذ العام 1995 لدي ثلاثة أعمال رواية، فيلمان تلفزيونيان أولهما «كاميرا» وهو من انتاجي الخاص، أنتجته في العام 2000 فكرته من تأليف يوسف الحمدان، وأعدت صوغها من جديد بحيث يكون لها تركيب درامي سلس، وأحببت هذا النص لأني وجدت فيه نفسي إذ يتحدث عن شاب مراهق مولع بالتصوير، وهو متمرد على أسرته وعلى واقعه فهو لا يرى سوى الأمور السلبية بسبب الظروف والاحباطات التي عاشها في بيئته، وشدتني الفكرة فأدخلت فيها مشهدا يعتبر من أروع المشاهد وهو مشهد عذاري، فالبطل المجروح المحبط يأخذ الكاميرا ويذهب بها الى عذاري وهذا ما حدث لي فعلاً في بدايات حملي للكاميرا إذ كنت أعيش في بيئة فقيرة، هي بيئة بيوت الصفيح ، وكنت أحمل كاميرتي باستمرار واصور كل ما يشدني ويؤثر في نفسي، وقد شارك العمل باسم التلفزيون في مهرجان القاهرة في العام 2002 وحصل على الجائزة الذهبية، كما كان حصل قبل ذلك بعام على جائزة بمهرجان للأفلام القصيرة في تونس (...). فكرة فيلم (كاميرا) موجودة أيضاً في أول أعمالي وهو فيلم «غريب» الذي يتحدث عن شخص يدعى غريب يعيش على هامش الحياة ويحاول البحث عن عمل لكن عقبته الرئيسية هي عدم امتلاكه جواز سفر، كان العمل يشوبه الكثير من النقص وينقصه النضج لكن كانت الفكرة جميلة واستفدت منها كثيراً.

لديك رؤية اخراجية وأسلوب مميزان، لعلها تبدو واضحة في فيلمك «طفولة أخرى» وهي لمسة لا توجد لدى الكثير من المخرجين العرب، وذلك يعود ربما لكونك مصوراً الأمر الذي يجعلك على دراية كبيرة بتفاصيل الصورة وزوايا التقاطها، وبالتالي خلق مشاهد ولقطات تختزل الكثير من التفاصيل.

-المشكلة تتعلق أولاً بالصدق مع الكاميرا، فالمخرج يجب ان يكون أمينا مع المتفرجين وأنا حين أصور أضمن مشاهدي الكثير من معاناتي ومعاناة الآخرين التي شعرت بها وتألمت لها وأحاول إيصالها دائماً من خلال العدسة (...) أنا أشعر بمعاناة كبيرة حين أحمل الكاميرا لأصور، إذ تنعكس معاناتي أمام عيني، قد يعتبر هذا الأمر سلبياً فهو يجعلني أميل الى تصوير السلبيات بشكل كبير.

لكن ألا ترى أن وظيفة الاختزال في التصوير هذه تظل قاصرة أمام وسائط أخرى تسهب في تفاصيل كثيرة قد يكون المشاهد في غنى عنها، فالمشاهد اعتاد على نمط ميللودرامي معين ما يجعل اسلوبك غير قادر على الوصول الى قلوب الكثيرين مع انه أكثر واقعية؟

- على العكس من ذلك، معظم أعمالي تجتذب الكثيرين بل حتى الأطفال منهم، لأنني أعمد فيها الى الابتعاد عن سرد الكثير من الحوارات لكي لا يشعر المشاهد بالملل، كما اني أتجنب الاغراق في الميللودراما (...) قد لا يعجب هذا البعض ممن يستمتعون بالحزن على الشاشة، ويرون في أي عمل يبكيهم عملاً جيداً، وهو أمر سهل للغاية بالنسبة إلى أي مخرج بينما تكمن الصعوبة الحقيقية في جعل المشاهد يتعاطى مع شخصية معينة ويتألم من دون أن يذرف دمعة واحدة، ولذلك قد لا يلمس البعض ميزة الاختزال ولا يقدرونها لكنني أرى أنه كلما كان المخرج صادقا قل لجوؤه الى اسلوب الحزن بشكل مبالغ فيه.

لغة الكاميرا عربياً دائماً تتهم بأنها لغة قاصرة، كيف ترد على هذا الاتهام؟

- هذا الكلام صحيح، فالقصور لدى المخرجين هو في حركة الكاميرا العشوائية واستخدامها بشكل غير مدروس، كاستخدام «الزووم» من دون داعٍ، وبشكل غير واعٍ في بعض الأعمال، لكن هناك أعمال أخرى كالأعمال السورية وبالذات مسلسل «التغريبة الفلسطينية» استخدمت الكاميرا بوعي كبير فالمخرج كان يعرف كيف يستخدم أدواته الفنية بشكل جميل وسلس وهذا العمل هو أحد الأعمال التي استمتعت بمشاهدتها بشكل كبير، إذ لجأ مخرجه الى اسلوب اللقطة السينمائية بشكل رائع ومدروس.

ما مشكلة فيلم«طفولة أخرى»، فعلى رغم انه من انتاج هيئة الاذاعة والتلفزيون فإن الوزارة لاتزال لديها تحفظات على عرضه، ما أسباب ذلك؟

- كان من المفروض ان يعرض العمل في نهايات العام الماضي 2003، لكن جاء منعه بأمر من القائم بأعمال رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون خالد الزياني، والسبب يعود لشخصية المثلي التي أداها مصطفى رشيد، على رغم اننا لم نكن نقدمها بطريقة تكرس وجودها في المجتمع بل ننتقدها.

في لقاء سابق قلت انك اعتمدت في تصوير فيلم «طفولة أخرى» على واقعية الحركة لدى الممثل حتى تبدو المشاهد قريبة ومقنعة. ما الواقعية التي تتحدث عنها، وهل تفرض عليك اختيار وجوه معينة او التعامل مع أسماء أدبية محددة؟

- أقصد الواقعية في الحركة، إذ إن غالبية المخرجين يجعلون الممثلين يؤدون حركات غير واقعية كتلك التي يظهر فيها الممثل معطياً ظهره للكاميرا مثلاً، أنا أسعى قدر الامكان لتصوير الواقعية في الحركة، وفي الانفعال، وأنا لا أختار ممثلاً الا حين أكون واثقاً من أدائه، ففي فيلم كاميرا كان الأداء تلقائياً جداً، ظهرت فيه سوسن البوسطة، وحسين المبشر لأول مرة وقدما أداءً صادقاً.

تحدثت في اللقاء نفسه عن افتقاد البحرين كاميرا التصوير السينمائي، الأمر الذي يضع صناعة السينما في مأزق. ما تعليقك على هذا الكلام، وهل هناك نواحٍ أخرى تعوض النقص الحادث؟

- نعم، هناك نقص كبير في هذا الجانب إذ إنه لا يوجد اهتمام لدينا في البحرين بالسينما على الاطلاق بل انه لا يوجد حتى قسم للسينما في وزارة الاعلام، نعم نحن نفتقد الكاميرا السينمائية، وهو أمر يمكن تعويضه عن طريق تصوير الأعمال رقمياً ثم تحويلها الى فيلم سينمائي 35 مل، والمخرج الذي يرغب في انتاج فيلم سينمائي في البحرين مضطر للجوء إلى هذه الطريقة، كذلك فإن الانتشار الكبير للكاميرا التلفزيونية أثر على الكاميرا السينمائية وقضى عليها

العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً