دافع الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس عن موقف المرجع الديني السيدعلي السيستاني، مؤكدا أنه مرجع دين وسياسة، لأن السياسة جزء من الدين، لكنه لفت إلى أن الفقهاء لا يمارسون في ظل الحكومات الوضعية القائمة ولاية فعلية، وهم أحرص ما يكون على وحدة الأمة وأمنها، ولكن: إذا حكمت الضرورة، وأعمل الفقيه ولايته الشرعية في مورد من الموارد التي تمثل منعطفا خطيرا، يمثل إهمال الأمر فيه عبئا على الدين والأمة، كان لابد من متابعة رأيه وإنفاذ أمره من قبل المكلفين الذين يقعون في دائرة ذلك الأمر.
واعتبر قاسم أن الفقيه الكفء الورع المتأدب بأدب الرسالة، والمتقي والذي وعيه وهداه من هدى رسول الله وأهل بيته (ع) هو قيادة إسلامية عامة لا شيعية فحسب من حيث الرعاية لمصلحة الأمة ووحدتها واستقلالها وسلامة انتمائها، ويستحيل في حقه أن ينطلق رأيه من منطلق التساهل بقضايا الأمة وعزتها واستقلالها ووحدتها، أو الإضرار بطائفة من أبنائها، واستباحة الظلم لطائفة من طوائفها.
واعتبر قاسم أن موقف المؤمنين هناك موقف رشيد فقهيا، لكونه يستجيب للتكليف الشرعي، ويتعامل مع الحادث من منطلق الرؤية الإسلامية الصافية، وهو الموقف الذي يعلم الأمة في كل أقطارها أن تتوحد دائما وراء كلمة الدين ورأي الشريعة، وتأخذ بنصح علمائها الواعين الربانيين.
وعن الفصل بين الجنسين في جامعة البحرين، قال قاسم: متسائلاً عن الكيفية «لا نقول إن كل تواجد من الجنسين في مكان واحد محرم، ولكن الاختلاط بينهما بالصورة التي تسودها أجواء التبذل والتميع والكلمات الهابطة والحركات المشبوهة والنظرات المغرضة والملابس المثيرة، والممازحات المسترسلة المتلهية، والمداعبات والتحرشات، مما لاشك في تحريمه».
وأضاف «إذا كنا مصدقين وراضين بالشريعة الإسلامية، فأمر هذا النوع من الاختلاط محسوم، وإلا فلنقل بصريح العبارة إن الإسلام مرفوض في هذه الدائرة من تصرفاتنا على الأقل» متسائلا: هل وضع الاختلاط في الجامعة من الاختلاط النزيه النظيف الذي لا تشوبه شائبة، ولا يتخلل أجواءه محرم؟ والجواب من ألف شاهد وشاهد من أبناء وبنات الجامعة: أن الأمر ليس كذلك».
وفي الموضوع ذاته، قال الشيخ علي سلمان: «يشكل خريجو التعليم الجامعي في نظام الدولة الحديثة طبقة من الطبقات المهمة جداً في المجتمع، وهي الطبقة التي تتبوأ مركز القيادة في مفاصل كثيرة في المجتمع، وخصوصاً في الدول التي تتحرر من التركيبة القبلية أو الحزبية الضيقة».
وأوضح سلمان أن المرحلة الجامعية هي المرحلة التي تبنى فيها تقريباً التوجهات التي تثبت مع الإنسان في بقية حياته، وبسبب هذه الأهمية «فإننا نطمح من وجهة نظر تربوية وكمجتمع مسلم - إلى أن تكون المنطقة الجامعية هي منطقة التأسيس للقيم والمثل التي نرغب في أن تكون موجودة فيمن سيتولى مناصب قيادية في المجتمع».
وذكر سلمان أن جامعة البحرين بها 20 ألف طالب، ومخرجات التعليم من جامعة البحرين والجامعات الخاصة والجامعات في خارج البحرين تزداد أرقامها، وهذا مؤشر إيجابي وليس سلبياً، فكيف يمكن أن تكون هذه المخرجات صانعةً لمستقبل هذا البلد؟ «ولأننا نتحدث عن مجتمع مسلم ويريد أن يحكم فيه الإسلام، فيجب أولاً ترسيخ مبدأ العلاقة بالله سبحانه وتعالى ولو من خلال بعض المقررات الإلزامية على جميع الطلبة».
وفي حديثه عن بعض معوقات جودة المخرج الجامعي، أشار سلمان إلى أن الذي يحول دون الحصول على مخرج ذي جودة عالية بعد الدراسة الجامعية هو تسييس الأداء الجامعي، لافتا إلى أنه حين يكون رئيس الجامعة ذا تربية عسكرية أو طائفية أو سياسية مؤدلجة، فإن ذلك يؤثر سلباً على المخرج التعليمي.
وفي الموضوع ذاته، قال خطيب جامع يوسف بن أحمد كانو الشيخ جلال الشرقي، «ينبغي لنا أن نعرف ماذا تعني كلمة أنني مسلم، فالفقهاء يقولون في تعريف الإسلام إنه الاستسلام لأوامر الله وتعاليم الدين، وبذلك يتحقق الإسلام الصحيح الذي يقبله الله ويكون موصلا إلى رضوانه وجنته».
وأكد الشرقي أنه مهما كانت هذه الأوامر الصادرة من كتاب الله أو من السنة الصحيحة، فإنه على المسلم أن يلتزم بها، وإن خالفت هوى نفسه، سواء اتضحت له الحكمة من هذه الأوامر أو لم تتضح، فالله سبحانه وتعالى تَعَبَدَّنا بهذا الدين العظيم، وينبغي لنا أن نحذر من الاستهزاء أو السخرية من أحكام الإسلام وتعاليمه، أو إبداء عدم الرضا من ذلك.
وأضاف «في ذلك خطورة كبيرة قد تؤدي بنا إلى الكفر بالله سبحانه وتعالى، مصداقا لقوله تعالى «ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعفُ عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين، المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون» (التوبة: 65 - 67).
وقال الشرقي متحدثا عن كتابات بعض الصحافيين: «إنني استغرب مما بدر من بعض كتاب الصحافة الذين انتقدوا من طالب بالفصل بين الجنسين في جامعة البحرين، بل واتهموا بعض الدعاة إلى الله وبعض النواب والمخلصين من أهل هذا البلد بالتخلف والرجعية، معتبرين أن أمر الاختلاط مخالف للحرية الشخصية، وأن الفصل بين الجنسين يؤخر التقدم العلمي والثقافي لأهل البلد».
وأضاف «حزنت حزنا شديدا لما رأيت بعض أبنائنا وبناتنا يخرجون في تظاهرة يطالبون فيها باستمرار الاختلاط بين الجنسين في الجامعة، وينددون بكل من دعا إلى الفصل بين الجنسين، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على البعد الكبير والفجوة العميقة بين شبابنا وبين منهج الله ودينه».
ولفت الشرقي الذين «يزمرون ويطبلون للمنهج العلماني المقيت» - كما وصفهم - إلى أن عقلاء أهل الغرب أنفسهم يقرون بأن من أسباب تأخر المستوى العلمي للطلاب، كون التعليم مختلطا، وقد قال وزير التربية والتعليم البريطاني، في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كما نشرت «ديلي مايز» إن الفصل بين الجنسين في التعليم أفضل من الاختلاط».
وتابع كلامه «الاختلاط بحسب الوزير البريطاني يؤثر على سلامة الطلبة ويضعف تركيزهم في التحصيل العلمي، إذ أجريت دراسة على هذا الأمر، فتم الفصل بين الطلبة والطالبات فصلا دراسيا كاملا، فوجدوا نتائج مذهلة، فنسبة النجاح قد ارتفعت من 40 في المئة إلى 60 في المئة، كما انضبطت المشكلات النفسية والأخلاقية بين الطلبة».
وختم الشرقي حديثه بالقول «يا دعاة العلمانية استمعوا ماذا يقول هذا الوزير الغربي، كما يجب علينا كمسلمين أن نتذكر أن الله الذي خلقنا، هو أعلم بما ينفع لنا من أوامر ونواهي».
أما خطيب جامع أبي عبيدة الجراح في المحرق الشيخ صلاح الجودر، فتطرق إلى موضوع مغاير، فأشار إلى أن من أعظم الأمانات وأوجبها القيام على النشء بحسن التوجيه، وصدق التعليم بتعليمهم الأمن بجميع أنواعه، سواء كان الأمن اجتماعيا أو فكريا أو اقتصاديا أو سياسيا، معتبرا أن ذلك غير ممكن إلا من خلال الأهداف والبرامج التي تراعى فيها قواعد الشريعة وفقه الواقع الذي نعيشه.
ودعا الجودر إلى اتخاذ ثلاث قنوات لسن هذه التشريعات، ومنها سن التشريعات الكفيلة بحفظ الأمن عبر المؤسسة الدستورية «التي توافقنا عليها حينما صوتنا للميثاق، وأيضا احترام القوانين والترويج إلى ثقافة احترام القوانين عبر وسائل الإعلام ودور العبادة ومؤسسات المجتمع المدني، أما القناة الثالثة، فهي غرس المبادئ الأساسية للحقوق السياسية والمدنية وحقوق الإنسان في الناشئة، إذ دعا في هذا المجال إلى وضع مناهج تعليمية عالية تؤصل تلك الحقوق، حتى يكبر الناشئة على معرفة تلك الحقوق».
وختم الجودر كلامه بالقول: «إن احترام القانون لا يولد مع الصغير، ولا ينزل من السماء، ولكنه ممارسة حقيقية لشعب يريد التحضر والتمدن والرقي، فلنكن دعاة إلى الحرية المنضبطة بالشرع وفقه الواقع، وليست الحرية المنفلتة التي لا تعرف عواقبها، وليعرف كل منا حدود حريته بمعرفته للحقوق والواجبات التي أقرها الميثاق والدستور»
العدد 820 - الجمعة 03 ديسمبر 2004م الموافق 20 شوال 1425هـ