رأت غالبية الصحف العربية أن الساحة الفلسطينية باتت مهددة بكثير من المخاطر جراء الانقسام الخطير بشأن القرار داخل حركة «فتح» وفي أوساط الشعب الفلسطيني الذي يواجه غياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وتوقعت الغالبية - سواء كانت مريدي البرغوثي الذين يرون انه شكّل في انتفاضة الأقصى الرمز الأبرز للكفاحية الفلسطينية أو من المعلقين الرافضين لخطوته - أن يهدد الانقسام بشأن مرشح لـ «فتح» الانتخابات الفلسطينية أو على الأقل أن يضعف من مكانة الرئيس المقبل. في حين نقلت «الحياة» الأجواء داخل «فتح» بعد خطوة البرغوثي، فنسبت إلى عضو اللجنة الحركية العليا لـ «فتح» زياد أبوعين الذي زار البرغوثي الأربعاء الماضي، قوله إنه مستاء من تعاطي القيادة مع قراره الأول دعم مرشحها «أبومازن» ببرود و«تجاهل» من دون كلمة «تقدير». وكشفت «الحياة» استنادا إلى مصادر فلسطينية مطلعة، أن مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس تدخلت لدى الجانب الإسرائيلي للسماح لمسئولين فلسطينيين بزيارة البرغوثي «لإعطاء فرصة لإقناعه بالعدول عن قراره الترشح».
وانقسمت أيضا الصحف الفلسطينية في الموقف من خطوة البرغوثي، خصوصا ما يتعلق بوحدة حركة «فتح» وتماسكها، وإذ لوحظ ان صحيفة «القدس» لم تتطرق في افتتاحيتها أو التحليلات إلى القضية، رأى أشرف العجرمي في «الحياة الجديدة» انه من الواضح أن مروان سيكون خاسرا سواء بإصراره على خوض الانتخابات حتى النهاية بصرف النظر عن النسبة التي سيحصل عليها والتي لن تؤمن له الفوز على «أبومازن» على الأرجح، أو باضطراره للتراجع مرة أخرى وسحب ترشيحه لنفسه. ففي الحالة الأولى سيخسر موقعه في «فتح»، وفي الثانية سيخسر الكثير من هيبته وجديته وسيضعف تأثيره في الحركة. ورأى باسم أبوسمية في «الحياة الجديدة» أن مصلحة الشعب الفلسطيني يجب أن تعلو فوق المواقف الايدلوفكرية للفصائل التي ستشارك في انتخابات الرئاسة والتي قررت مقاطعتها، وفوق الخلافات التي تنشأ مجددا داخل الحركة على خلفية قرار البرغوثي. وشدد على ضرورة ألا ينسى الحركيون أن التماسك الذي حصل في أحلك الظروف وأخطرها حين انتقلت السلطة بعد رحيل عرفات بسلاسة وهدوء وحكمة كان مثار حسد وإعجاب العالم في آن واحد، ولم يترك مجالا لتسلل الخلافات التي راهن كثيرون على أنها ستعصف بأركان القيادة وستصيب «فتح» بالتشظي والتفسخ. في حين رأى عبدالباري عطوان في «القدس العربي»، بعد مقاطعة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لانتخابات رئاسة السلطة ودخول البرغوثي إلى حلبة المنافسة من داخل زنزانته، أن هذه الانتخابات ونتائجها باتت لا تفي بالغرض، وربما تؤدي إلى خلق الكثير من الأزمات دون أن تنجح في حل أزمة واحدة. مرجحاً ألا تعكس النتائج التي تتمخض في هذه الحالة عن الانتخابات تمثيلا حقيقيا للشعب الفلسطيني ورغباته، وإنما تجاوبا مع خطة أميركية إسرائيلية مصرية تريد وقف الانتفاضة الفلسطينية، ونزع سلاح المقاومة واستئناف مفاوضات السلام وفق الشروط الإسرائيلية. فلم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن الرئيس حسني مبارك تأييده الكامل لعباس، ويتجاوب شارون مع طلبات الأخير في تسهيل مشاركة أبناء القدس الشرقية المحتلة، وترصد الإدارة الأميركية ثلاثين مليون دولار لتمويلها. لكن عطوان، الذي عنون افتتاحيته بـ «العصر العباسي» تحدث عن زمن محمود عباس الذي بدأ، إذ المطلوب من الإعلام الفلسطيني في العهد العباسي الجديد، عهد ما بعد عرفات الإرهابي، لا مكان فيه لثوابت عرفات لأنها ثوابت تنتمي إلى عصور الظلام، علاوة على كون ذكرها يزعج شركاء السلام الإسرائيليين. وباختصار شديد هذا هو برنامج الرئيس الفلسطيني الجديد وصحابته، فالمقدمات تقود إلى أن نتوقع انتقال الأزمة إلى الصف الفلسطيني، فنحن نعيش أسوأ أيامنا، كأمة عربية، فرضاء شارون بات قمة المنى، نحن - وباختصار شديد - نعيش زمن القرضايات العرب! ورأت «السفير»، أن حدة الموقف الذي أبدته الدوائر الرسمية في حركة فتح من ترشيح البرغوثي لنفسه، يتناسب مع درجة الاستشعار بالخطر منه. فالبرغوثي شكل في انتفاضة الأقصى الرمز الأبرز للكفاحية الفلسطينية، ونال تعاطفا فلسطينيا وعربيا كبيرا. بل ان صورة البرغوثي غدت في العالم تجسيداً لانتفاضة الأقصى. لكن الصحيفة اللبنانية، اعتبرت أيضا أن التردد الذي أصاب موقف البرغوثي من الترشيح ومبايعته لأبومازن، تركت أثرا سلبيا. ولم يفهم الكثيرون سبب تراجعه عن هذا القرار واندفاعه لترشيح نفسه كمكمل لخط الرئيس عرفات في مواجهة أبومازن. ولفتت الصحيفة أيضا، إلى أن الفارق بين الرمزية والقيادة الحقيقية يظهر في أية محاولة لمعرفة حقيقة الوضع القائم الآن بين البرغوثي وقيادة «فتح». فمن المعروف أن اللجنة المركزية لحركة فتح كانت شبه مغيبة طوال السنوات الأخيرة، وهي منذ إقامة السلطة الفلسطينية تواجه مشكلات جدية. وربما لهذا السبب حاولت قيادة «فتح» تسهيل أمر تمرير إضفاء الشرعية على أبومازن من خلال الإشارة إلى أن مؤتمرا جديدا لحركة «فتح» سيعقد في أغسطس/آب المقبل. ورأى رئيس تحرير الصحيفة جوزيف سماحة أن ترشيح البرغوثي للانتخابات الفلسطينية قد يحول الانتخابات إلى استفتاء على «العرفاتية». ولفت سماحة، إلى أن هذا الترشيح يطرح ثلاثة أسئلة. الأول هل يستمر؟ وإذ أقر بأن التراجع الثاني صعب لكن الانسحاب غير مستبعد، مرجحاً أن يكون هذا الأمر مرتبطا بصفقات كبرى داخل «فتح» وخصوصاً بعد تحديد موعد المؤتمر. أما ثاني الأسئلة فهو عما إذا كان البرغوثي سينجح في شق «فتح» التي تعرضت لمحاولات انشقاق لكنها أجهضت كلها فلم تتحول إلى حركة جماهيرية. صحيح أن ذلك حصل في زمن آخر ولكن الصحيح، أيضا، أن التنظيم يعاني حالياً من فقدان الزعامات الكاريزمية... إن شق «فتح» صعب (هل هو مرغوب؟)، وشقها من قبل سجين أصعب، فكيف بخوض حملة انتخابية، وكيف بوعد المواطنين برئيس سجين بعد رئيس محاصر؟! وعن ثالث الأسئلة، الذي هو عن قدرة خطوة البرغوثي للاستقطاب خارج القاعدة الفتحاوية؟ أكد سماحة، ان البرغوثي يخاطب قواعد تنظيمات راديكالية أعلنت المقاطعة. وربما ترشح بعد قرارات المقاطعة بحيث ينفي عن نفسه تهمة إضعاف «فتح» طامحاً، في الوقت نفسه، إلى تمثيل نقطة التقاطع الراغبة في أن تنأى بنفسها عن أبومازن. في كل الأحوال ختم سماحة، مؤكداً أن ترشيح البرغوثي حرك مياهاً راكدة غير ان الأسئلة مازالت كثيرة وأهمها ما إذا كان الفلسطينيون مضطرين، بعد خمسة أسابيع، إلى الالتزام بالجواب الوحيد؟. ورأت «الشرق»، أن «البرغوثي لم يكن موفقاً» هذه المرة وهو يعرض الساحة الفلسطينية لمثل هذا الاختبار ويضعها في معركة المنتصر فيها مهزوم. واعتبرت «الوطن» القطرية ان ترشيح البرغوثي سيشق الصف الفلسطيني. مرجحة ألا يتمتع الرئيس الفلسطيني المرتقب بتفويض شعبي كامل. وعنونت «الجمهورية»، «انقسام فتح وانهيار حكومة شارون يهددان الانتخابات الفلسطينية» معتبرة أن قضية توحيد الصف الفلسطيني تطرح نفسها بقوة على المسرح السياسي في الأراضي المحتلة. وأملت في افتتاحيتها، أن تتجاوز منظمة فتح هذه المشكلة الطارئة حرصا على وحدة الصف وارساء لمبادئ الديمقراطية والاختيار الحر. وضمانا لاستمرار النضال الذي لا يتوقف على الأشخاص. وإنما على الالتزام بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني دون تحريف أو تفريط
العدد 821 - السبت 04 ديسمبر 2004م الموافق 21 شوال 1425هـ