احتدم النقاش في جلسة العمل الثالثة التي حملت عنوان «الاسلام والعلمانية» في مؤتمر «الاسلام والديمقراطية - تجربة البحرين» الذي عقد في فندق نوفوتيل الدانة، بتنظيم من صحيفة «الوسط» ومركز دراسات الاسلام والديمقراطية في واشنطن، وذلك بشأن مفهوم الأكثرية التي دعا السيدكامل الهاشمي إلى تبنيها حلاً عملياً بين الإسلاميين الذين لا يقرونها نظرياً وبين العلمانيين الذين لا يقرونها عملياً كما حدث في عدد من التجارب في الدول العربية.
وقال الدبلوماسي العماني السابق صادق سليمان: «إن العلمانية لا تلغي الدين لكنها لا تقر بوصايته»، موضحاً أن القاسم المشترك بين العلمانية والدين والإطار الديمقراطي ليس فقط في «ميكانيكيته» وإنما في بعده الأخلاقي، لافتاً إلى أن الديمقراطية طبيعتها علمانية، لأن مرجعيتها الناس، غير أن التفويض للنائب المنتخب قد يكون تفويضاً مطلقاً أو محدوداً، مستدلاً بما هو حاصل في بلداننا.
ومن جانبه قال الشيخ حسن الصفار ان على الذين ينتقدون الديمقراطية على انها نتاج غربي أن ينتجوا منهجا بديلا أفضل منه او مماثلا بدلا من الرفض المطلق.
وتستمر الحوارات اليوم في فندق نوفوتيل الدانة على جسر الشيخ حمد (جسر المحرق القديم) الساعة التاسعة صباحا، وستتوزع على ورش تتناول التطبيقات العملية للتجربة البحرينية. ومن المتوقع ان تشارك الجمعيات السياسية بمختلف توجهاتها والمثقفون البحرينيون الى جانب المنتدين من خارج البحرين.
المنامة - أماني المسقطي
أكد عالم الدين السيدكامل الهاشمي عدم امكان تحقيق أي استقرار منشود وتطور مأمول في ظل التباين العميق في توجهات طرفي الاسلام والعلمانية، لافتاً إلى أن الضحية في النهاية هو المجتمع الذي يشكل العلماني والاسلامي جزءاً من تكوينه على حد سواء، فيما ذكر الدبلوماسي العماني صادق سليمان ان الحديث عن الدين هو حديث عن عقائد مثبتة عزاها الانسان إلى مصدر أعلى منه وهي بذلك لا تقبل مراجعة، معتبراً أن الحديث عن الفلسفة في المقابل هو حديث عن أفكار متحركة نسبها الانسان لنفسه، وعي بذلك مفتوحة أمام تبلور المعرفة وفق معطيات الإدراك والتصحيح.
جاء ذلك اثناء افتتاح أعمال مؤتمر الإسلام والديمقراطية أمس في فندق نوفوتيل الدانة، والذي ينظمه مركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومقره واشنطن، وصحيفة «الوسط» بإدارة من شركة جولد مارك للعلاقات العامة.
وسيشهد اليوم الثاني للمؤتمر إقامة ورش عمل في عناوين مختلفة، إذ ستكون الجلسة الأولى عن الإسلام وحقوق الإنسان ويرأسها مدير برامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المركز علي أبوزعكوك، فيما تتناول الثانية تحديات التحول الديمقراطي في البحرين ويرأسها منسق اللجنة التحضيرية للمؤتمر عباس بوصفوان، وتركز الثالثة على التوجهات العامة من أجل بناء أرضية مشتركة بين التيارات السياسية ويرأسها عضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي، فيما تركز الجلسة الرابعة على وضع التوصيات الخاصة بالمؤتمر. فيما يختتم المؤتمر بجلسة أخيرة تستعرض فيها التقارير والتوصيات ويرأسها رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية رضوان المصمودي.
وافتتح المؤتمر بكلمتي ترحيب من رئيس صحيفة «الوسط» منصور الجمري، ورضوان المصمودي، كما ألقى النائب الأول لرئيس مجلس الشورى عبدالرحمن جمشير كلمة أكد أن «ميثاق العمل الوطني» دعم العمل الوطني والديمقراطي، ودفع مسيرة التطور في المملكة، وأدى إلى قيام مرجعية لتنظيم المؤسسات الدستورية ممثلة في المجلس الوطني بغرفتيه، معتبرا أنه يمثل أحد المبادئ الإسلامية الأصيلة التي يقوم عليها نظام الحكم في بلادنا. منوها بانشاء المحكمة الدستورية التي تختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح ويكون لحكمها بعدم الدستورية أثر مباشر حتى في الأحكام الجنائية.
فيما دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالهادي مرهون خلال كلمته إلى التمييز بين نوعين من المبادئ الضرورية في عصرنا الحالي، ألا وهما مبدآ الشورى والديمقراطية، معتبرا الديمقراطية منجزاً حضارياً غربياً نتاجاً لتجارب واحتياجات المجتمع الصناعي الغربي، مستبعداً أن يرفض الاسلام انجازات وتجارب الآخرين باعتبارها مكاسب للانسانية تضاف إلى مبادئه وأهدافه التي يسعى إليها.
أدار الجلسة الأولى للمؤتمر المحامي الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إذ تم التركيز فيها على العلاقة بين «الإسلام والديمقراطية»، وتحدث فيها أستاذ العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة آركنساس بالولايات المتحدة نجيب الغضبان خلال تقديمه لورقته بعنوان «الاسلاميون والديمقراطية واللغة الأميركية الجديدة»، إذ ذكر ان الحركات الإسلامية المعتدلة استغلت أية فرصة لدخول المعترك الانتخابي، وخصوصاً على مستوى المجالس التشريعية. مشيراً إلى أن خلاصة تجربة العقود الثلاثة الماضية تتمثل في أنه كلما كان هامش حرية العملية الانتخابية أكبر، تمكن الإسلاميون من تحقيق نسب تمثيل أفضل.
أما الشيخ حسن الصفار فأشار في ورقته «الديمقراطية وتطبيق مبدأ الشورى» إلى أن الشورى في الإسلام ليست مجرد نظام سياسي يلتزم به الحاكم في العلاقة مع الشعب، بل هي نهج تربوي، وسلوك اجتماعي، يصدر عن رؤية دينية ثقافية، فينتج نظام شوروي على المستوى السياسي، إذ يوجه الإسلام أبناءه إلى الحرص على استشارة الآخرين فيما يواجهونه من قضايا وأمور في شئونهم الخاصة، ليصبح ذلك نهجاً عاماً في حياتهم.
واعتبر الصفار أن الطريقة المتبعة في مجتمعاتنا لإدارة الشئون الدينية والاجتماعية لاتزال قائمة على الرأي الفردي، والإرادة الاحادية، متسائلا عن عدم سعي من وصفهم بالواعين المصلحين إلى تطويرها، حتى تأخذ بنهج الشورى، والاستفادة من أكبر قدر ممكن من الآراء والطاقات.
أما الجلسة الثانية للمؤتمر فركزت على محور «حقوق المرأة في الاسلام وفي الدولة الحديثة»، وأدارت الجلسة أنيسة فخرو، وتحدث فيها المحامي عبدالله الشملاوي عن «حقوق المرأة في الاسلام»، إذ ذكر أن الفقهاء المسلمين يتسالمون على عدم أهلية المرأة لتولي الأمور العامة إلى أن غدت تلك المسألة من البديهيات، وأشار إلى أن ليس كل ما هو بديهي في الفقه بديهي في الشريعة، مستدلا على ذلك بمسألة منع المرأة من الولاية العامة. وأضاف: «يتمحور التشريع الناظم لحقوق المرأة بشأن دورها كصانعة للأسرة، وذلك لا يعتبر مهمتها الوحيدة، بدليل تسالم الفقهاء على جواز قيامها بالمهمات الاجتماعية، إلا أن الجدل محتدم بشأن اشتغالها بالسياسة».
وأشار إلى أن للمرأة المركز الحقوقي ذاته المقرر للرجل، وتتجلى في القرآن الكريم المساواة بينهما في كل شيء، مبينا أن الولاية على الأنثى ليست للاستبداد بها بل لصالحها، منوها بأن الأصل أن لا ولاية على إنسان لآخر وكل تولٍّ أو تسلط على آخر يعد أمراً غير مشروع. ودعت عضو جمعية نهضة فتاة البحرين ابتسام علي خلال ورقتها التي حملت عنوان «حقوق المرأة في التشريعات البحرينية - الواقع والتطلعات»، إلى إيجاد إجراءات قانونية لحماية المرأة البحرينية المعنفة، مطالبة بسن تشريع لحماية المرأة والطفل، مستدلة على أحقية المرأة بذلك بما ورد في المادة الخامسة من الدستور البحريني الذي يؤكد ذلك.
فيما تناولت الكاتبة منى فضل خلال ورقتها التي ركزت على المحور ذاته «وجهة نظر في المرأة والعمل السياسي في البحرين»، إذ تناولت تاريخ المرأة والعمل السياسي في فترة الخمسينات ومدى تأثر انخراط المرأة في الشأن العام بعوامل التعليم والنشاط الأدبي والعلمي في المدارس الفقهية والنظامية والنشاط التبشيري، إضافة إلى جهودهن في مجالات محو الأمية والتمريض والتوعية في المجالات الاجتماعية والسياسية مرورا بدور المرأة في فترة الستينات وبروزها في ذلك الوقت على المستوى الاعلامي المساند للانتفاضة، وانخراطها في مجال العمل السياسي السري.
وذكرت فضل أن نسبة مشاركة النساء في عضوية الجمعيات السياسية تتراوح بين 8 و39 في المئة، معتبرة أن ذلك يعد مؤشراً خطيراً يتعارض مع مواقف ومبادئ الجمعيات السياسية الداعية إلى مشاركة المرأة السياسية.
أما الجلسة الرابعة فأدارها منسق اللجنة التحضيرية للمؤتمر رئيس قسم الأخبار المحلية بصحيفة «الوسط» عباس بوصفوان، وركزت الجلسة على محور «الاسلام والعلمانية»، وذكر الدبلوماسي العماني صادق سليمان في هذا الصدد أنه من الأوفق للنظر في الاسلام والعلمانية أن يكون تحت عنوان الدين والعلمانية، مشيرا إلى أن خبرة الانسان في تاريخه الحضاري تراوحت بين سياقين متمايزين، إذ بين نظره وصاغ فكره طورا في قالب عيني وآخر معرفي، وأنتج منظومات فهم في الكون وفي حياته إما مستوحاة أو مستلهمة. وقال: «إن الانسان وفقا لذلك جاء فكره قسما بشمول وثبات وتقديس، وفي الآخر جاء فكره متعثرا».
أما السيدكامل الهاشمي فدعا في ورقته بعنوان «الإسلاميون والعلمانيون بين توافقات الواقع واختلافات التنظير» إلى بناء الديمقراطية وهي الشعار أو المشروع الأكثر غياباً في ساحتنا العربية، والتنمية الشاملة وهي المهمة التي لم يعرفها عالمنا العربي إلا كشعار يماثل بقية الشعارات التي رفعت منذ عهد طويل من دون أن يتحقق منها شيء كثير.
كما دعا الهاشمي إلى مواجهة الفساد، معتبرا إياه الداء الذي ظلّ ينخر المؤسسة العربية الرسمية من الرأس إلى القاعدة، من دون أن يجرؤ الكثيرون على الحديث عنه، بالاضافة إلى محاربة الفقر والتخلف الظاهرتين اللتين وصفهما بأنهما تزدادان مع الأيام في الواقع العربي، من دون أن يتمكن النظام العربي الرسمي من الوقوف في وجهيهما والحدّ من معدلاتهما.
دعا رئيس مركز السنابس الثقافي أحمد الخباز إلى توضيح مفهوم عدم تعارض مبدأ وفكر الشورى مع مبدأ وفكر الديمقراطية، مؤكداً ضرورة إزالة اللبس الذي شاب ثقافتنا فيما يتعلق بوجود غموض في نظرة الاسلام إلى الديمقراطية، أو في نظرة الديمقراطية إلى الاسلام على حد سواء. واعتبر المؤتمر بمثابة فرصة لتوصيل رسالة مهمة من خلال التعاون بين مركز دراسات الاسلام والديمقراطية وصحيفة «الوسط» في تنظيم المنتدى بغرض تعريف المشاركين بأهمية المركز، لافتاً إلى أهمية التركيز على محورية الحوار في القضايا الاجتماعية والديمقراطية والتي اعتبر بأنها باتت محصورة على فئة معينة من تنوع المشاركة في المؤتمر. وتوقع الخباز الخروج بنتائج ايجابية تسمح بتلاقح الأفكار في تكوين فكرة ايجابية، مشيرا إلى اعتبار ذلك تنظيراً مستقبلياً لواقع الديمقراطية في البحرين، مناديا بإمكان نقل التجربة لبلدان أخرى للاستفادة منها.
فيما أشار الناقد علي الديري إلى أنه من المؤمل أن تكون هناك ورش عمل دائمة في مجال المقارنة بين الاسلام والديمقراطية بغرض التباحث فيما يستجد من أفكار نظرية تعيد النظر في مفهوم الديمقراطية، وتقرأ من خلال الممارسات والتطبيقات العملية في مؤسساتنا وأجهزتنا وفي شكل مجتمعنا المدني. وقال الديري: «ربما تكمن أهمية هذا المؤتمر في قدرته على تحويل الممارسة موضوعاً للاشتغال النظري، بدلاً من أن يكون الاشتغال النظري موضوعاً للممارسة، بمعنى أنه بقدر ما تكون تجربتنا في ممارسة الديمقراطية موضوعاً للتأمل النظري سنكون قادرين على تقديم تجاربنا للآخرين».
ومن جهتها ذكرت رئيسة جمعية المستقبل النسائية شعلة شكيب أنه من المؤمل من خلال المؤتمر تأكيد وجود مفهوم الديمقراطية وآلياتها ضمن المنظومة الإسلامية، إضافة إلى أنه من المؤمل الخروج بتوافق على تبني استراتيجية لارساء القواعد الديمقراطية بالعمل وليس بالنصوص فقط بمنظور اسلامي ونظرة الأمة الإسلامية وفقا لما تراه، وأن يتناسب ذلك مع ظروفها وحيثياتها وواقعها
العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ